التهديدات الإيرانية للسعودية… بين انسحاب أمريكي ومظلة حماية روسية «مثقوبة»!

حجم الخط
7

منذ سنوات والجدل قائم حول تراجع نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية في ما وراء البحار، انحسار القطب الواحد وتضاؤل تأثيره في سياسات منطقتنا، وبالمقابل ظهور قوى دولية أخرى ملأت الفراغ، بينما غالبا ما تمثل الحالة العربية الفراغ ذاته، فحتى دول أمريكا الجنوبية بدأت فرض نفسها، والتحدث بصوت عال في حديقة واشنطن الخلفية، القارة الأمريكية الجنوبية، فعادت أحزابها اليسارية المناوئة للأمريكيين لتحكم معظم أمريكا الجنوبية.
وقد استغرق هذا الهبوط التدريجي الأمريكي عدة عقود ومرّ بمراحل مفصلية، ونزاعات أفرزت منتصرين جددا على الساحة ، فبعد تفرد الولايات المتحدة بالهيمنة العالمية عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، كان غزو أفغانستان والعراق، وقد أخفقت واشنطن في كابل، وخرجت أمام العدو نفسه الذي قاتلته لعشرين عاما، طالبان، وكذلك تعرض مشروعها في العراق، البوابة المفترضة للشرق الأوسط الجديد، لنكسة منحت القوى الشيعية المقربة من إيران اليد العليا، مستفيدين من أغلبيتهم السكانية وتكاتف مرجعياتهم السياسية والدينية، بينما لم نعد نسمع بإياد علاوي الشيعي العلماني المقرب من الأمريكيين، فقد تلاشى حضوره أمام حلفاء طهران، وهكذا خرجت أمريكا من أكبر حربين خاضتهما آخر عقدين خالية الوفاض، وجاء النزاع في سوريا وأوكرانيا، ليظهر الولايات المتحدة أكثر ترددا من تكرار أخطاء العراق وأفغانستان، وفي الحالتين كانت روسيا في الجبهة المقابلة لواشنطن.

المشهد الجديد للشرق الأوسط، منزوع الهيمنة الأمريكية باطراد، لم تعد واشنطن قادرة وراغبة في التورط بمواجهات مكلفة وبلا نتائج مجدية

هذه التجارب جعلت الولايات المتحدة أكثر حذرا في الانخراط بنزاع مسلح مباشر «ما دامت مصالح أمريكا المباشرة» كما قال بايدن في خطاب أخير له، وكما قال رئيسه السابق أوباما في خطاب حالة الاتحاد يوما، بأن الولايات المتحدة تعلمت درسا قاسيا بأنه لا يمكن فرض إرادتها بالقوة العسكرية. ومع هذا المشهد الجديد للشرق الأوسط، منزوع الهيمنة الأمريكية باطراد، لم تعد واشنطن قادرة وراغبة في التورط بمواجهات مكلفة وبلا نتائج مجدية، وكان من تبعات ذلك، ترددها في نصرة حليف قديم لها في الشرق الأوسط هو، السعودية، وبدا ذلك واضحا في الضربة الإيرانية السابقة لمنشآت النفط شرق السعودية، إذ لم تتدخل واشنطن أبداً، ولم تزج بنفسها في مواجهة كادت أن تقع أكثر من مرة. ولعل الموقف الـ«انسحابي» لواشنطن في المواجهة الإيرانية السعودية على أرض الأخيرة، جاء امتدادا لحالة «النفوذ المتآكل» لواشنطن في ساحات النزاع بين حلفاء طهران والرياض، ففي اليمن وسوريا، ثم لبنان والعراق، كانت إيران غالبا ما تدعم الطرف الشيعي، والسعودية تدعم الطرف السني، أو المواجهة للقوى المتحالفة مع إيران، وفي كل هذه الصراعات الإقليمية أخفق حلفاء الرياض، وثبّت حلفاء طهران أقدامهم بقوة، وفي كل هذه الصراعات من العراق للبنان لسوريا واليمن، كانت واشنطن إلى جانب حلفاء السعودية، داعما رئيسيا لهم في وجه محور إيران، ومع ذلك لم تستفد لا السعودية ولا حلفاؤها بالمحصلة من الحليف الأمريكي، وطبعا لا يعني هذا أن العيب بالحليف الأمريكي، لكننا نذكر الوقائع ونترك تفسيرها. وهكذا فإن واقع التقدم لروسيا ومحور طهران مقابل التراجع لأمريكا ومحور الرياض في المنطقة، وتردد واشنطن في اتخاذ موقف تصعيدي عسكري ضد إيران يتجاوز العقوبات الاقتصادية، دفع بالرياض ربما للتساؤل عن جدوى هذه العلاقة التاريخية في تأمين مصالح السعودية في المنطقة، والانفتاح أكثر على الأقطاب الأخرى مثل روسيا والصين، ومحاولة اللعب بأوراق جديدة لتعويض الدور الأمريكي، وهنا تأتي التهديدات الإيرانية للسعودية لتضعها في موقف مرتبك جديد، فالأمريكيون لم ولن يدخلوا بحرب مع إيران، دون تهديد لاحتلال مباشر من إيران ضد السعودية»، كما وضح أوباما في حديث له لمجلة «أتلانتيك» قبل سنوات، واليوم فإن السعوديين يواجهون ابتزازا كبيرا من الإيرانيين، وصل لمرحلة إيصال رسائل تهديد رسمية للسعودية تبدي استياء من الإعلام السعودي المناصر للمتظاهرين في إيران.
ولتعويض «الحماية الأمريكية» ذهبت السعودية لتعزيز علاقاتها بموسكو وهي للمفارقة حليف طهران! وهذا سيضع الرياض في مأزق كبير مستقبلا، إن استمرت هذه المعادلة، وسيمنح الروس دورا وسيطا لحل الخلافات بين السعودية وإيران، لكنه في الحقيقة منحاز للحليف الإيراني، وهنا يذكرنا هذا المشهد بوضع تركيا التي اضطرت بعد تراجع دور الأمريكيين شمال سوريا، للسير في منظومة أستانة في سوريا برعاية حليفي الأسد طهران وموسكو، وجنوبا في درعا أمكن لنا متابعة سيناريو مشابه، عندما ظنت بعض فصائل المعارضة، أن غياب الداعم الأمريكي يعني التعلق بداعم روسي، فتحولت روسيا في نظرهم لوسيط مع الأسد، مكنه في النهاية من استعادة معظم درعا!
ولا أعرف إذا كانت الأحداث ستتطور، على هذا القياس، لنرى يوما قوات روسية على الحدود اليمنية السعودية كـ»وسيط» مع الحوثيين. فهل سيؤدي تراجع واشنطن في الشرق إلى انتقال حلفائها لـ»مظلة حماية» روسية «مثقوبة» لصالح الإيراني؟!

 كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ???الحفيد العثماني الرضوي صوت العوائل السورية المغربية البريئة المحظورة في المغرب مرآة لعصر وصورة لزمن!:

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحرب السعوديه في اليمن لا معنى لها وكذلك وجهة النظر السعوديه من الشيعه ومن ايران ايضا هي وجهة نظر خاطئه وتحتوي على توتر كبير. الشيعه اصلا جزء من المنطقه وحسن الجوار مطلوب بالاضافه لانهم من صميم المسلمين واذا كانت السعوديه تضع نفسها في مواجهه ايران فهذا من الغباء لانه لا تستطيع في اي مواجهه ان تصمد امام ايران اكثر من دقائق.وكما يقول المقال ان امريكا لا تريد مساعده السعوديه لان امريكا تتراجع عالميا وبالمقابل السعوديه تريد الدعم الروسي وروسيا هي حليف تقليدي لايران ولذلك ان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وضع نفسه في مزالق كبيره والحل هو بازاحته عن الحكم ووصول امير آخر اكثر انفتاحا على جميع دول الجوار

    1. يقول ???الحفيد العثماني الرضوي صوت العوائل السورية المغربية البريئة المحظورة في المغرب مرآة لعصر وصورة لزمن!:

      صباح الخير
      شكرا جزيلا بحق المحرر على الاحترام لنص التعليق كاملا وكذلك على احترام نص التعريف باسمي كاملا وهذه اساليب حضاريه تجتذب الناس للكتابه في القدس العربي ولقراءتها شكرا جزيلا

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    ” فهل سيؤدي تراجع واشنطن في الشرق إلى انتقال حلفائها لـ»مظلة حماية» روسية «مثقوبة» لصالح الإيراني؟! ” إهـ
    لا أظن ذلك !
    التمدد الروسي بسوريا كان برغبة الأمريكان لكي يتم القضاء على الثورة السورية لصالح الصهاينة !!
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول بدهاش توزبط:

    ايران مولعه و تصيح كل يومين من اختراق السعودية لها و بالاخص ايران انترناشونال لدرجة كل يوم نسمع مقتل عسكري ايراني ، و كل الدول اللي تسيطر عليها يعيش شعوبها بأفقر حال و كلها احتجاجات شعبية عكس حلفاء السعودية في الخليج و غيره ، الواقع ان كلام ولي عهد السعودية بنقل الحرب داخل ايران قد تحقق و لا نسمع من قادة ايران الا النحيب

  4. يقول سامح //الأردن:

    *تستطيع السعودية بإيجاد حلول وسط
    مع إيران بعيدا عن الضباع الكبار.
    *الضباع الكبار لا تهتم الا لمصالحها فقط.
    حسبنا الله ونعم الوكيل في كل فاسد وظالم وقاتل.

  5. يقول ابن الاردن:

    المقالة تتسم بالتحليل العميق والمنطقي ووضع النقاط فوق الحروف ، و فعلا يخشى ان سياسة المحاور الجديده التي تتطلع اليها السعوديه تكون مدخلا. كالمستجير من النار بالرمضاء. ،

  6. يقول جسوس محمد:

    روسيا؟ دخلت مستنقع أوكرانيا وتحاول الان الخروج منه بأقل الخساءر.. روسيا هي قوة متوسطة وامكانياتها العسكرية تشبه الي حد كبير قوة دولة متل إيران او اقل. الان هي في مفترق اما تستعمل القنابل الذرية وبدالك لا نعلم ماذا سيحدت او تنسحب مهزومة ويبدأ بدالك العد العكسي لاحتواذها وتفتيتها.. وانت لا تاخد كل هذا في الحسبان

إشترك في قائمتنا البريدية