الخرطوم ـ «القدس العربي»: دعت مجموعات حقوقية لوقفة احتجاجية صباح اليوم السبت، أمام مقر اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، في وقت لا تزال تمنع فيه الشرطة الدخول للمقر الذي تعرض قبل أيام لهجوم من قبل أنصار النظام السابق، ما استدعى إدانات، كان آخرها ما صدر أمس الجمعة عن الأمم المتحدة و«الترويكا»، الذين دعوا السلطات لتهيئة الأوضاع في البلاد لعملية سياسية.
وبينت مجموعة «محامو الطوارئ»، والتحالف الديمقراطي للمحامين، أن الوقفة تأتي رفضا لاستمرار منع الشرطة المحامين من دخول مقر نقابتهم.
وقال أحد محامي الطوارئ، منتصر عبد الله لـ « القدس العربي» إن منع الدخول إلى الدار انتهاك واضح للقانون والحقوق الدستورية للمحامين، مشيرا إلى أن قرار السلطات بإعادة نقابة النظام السابق بغض النظر عن إشكالاته القانونية، هو قرار غير نهائي، وغير قابل للتنفيذ حتى يمر عبر دوائر الاستئناف.
وأضاف: «وقفتنا الاحتجاجية للتأكيد على أن من حق جميع المحامين أن يدخلوا إلى مقرهم ويقوموا بمهامهم».
والثلاثاء الماضي، هاجمت مجموعات مسلحة تابعة للنظام السابق، مقر اللجنة التسييرية للمحامين السودانيين، وأطلقت الرصاص والقنابل الصوتية والحجارة، وحاصرت الموجودين حتى ساعات متأخرة من الليل. وصبيحة اليوم التالي، منعت قوات تابعة للشرطة المحامين من دخول مقرهم في الخرطوم، وطالبت الموجودين هناك بالمغادرة، بينما أغلقت الطريق المؤدية للدار من الجهتين بسيارات ومصفحات عسكرية.
وتوعدت اللجنة ردا على ذلك، باتباع الإجراءات القانونية.
وبينت أنها لم تتسلم صورة من أي قرار يمنعها من مزاولة مهامها والمحامين من دخول دارهم من الجهات المختصة حتى الآن، مؤكدة أنها ستقاوم وتناهض أي قرار بالخصوص شكلاً وموضوعاً بكافة الوسائل، معتبرة أي قرار من ذلك النوع «غير قانوني»، ويأتي في «إطار سياسي».
وقالت إنها فوجئت، مساء الثلاثاء، باحتشاد بعض أعضاء النقابة المحلولة وبصحبتهم مجموعات بزي مدني مسلحة بالعصي والهراوات والسلاح الناري، واستخدمت القوة وإطلاق الأعيرة النارية وعبوات الغاز المسيل للدموع في مواجهة المحامين الموجودين في الدار، وأتلفت بعض ممتلكات النقابة والمحامين.
الرّدة مستحيلة
وفي الأثناء، عبرت 20 نقابة ولجنة تسييرية مهنية، في بيان مشترك أمس الجمعة، عن غضبها من محاولة استيلاء النظام السابق على النقابات المهنية، بينها نقابة الصحافيين السودانيين، ولجنة المعلمين، وتجمع المصرفيين، واللجنة المركزية لوزارة الري والموارد المائية، وتجمع العاملين في قطاع النفط.
وأصدرت بيانا مشتركا مقتضبا، قالت فيه: «الردة مستحيلة. نحن العمال أصحاب الحق».
كذلك قالت لجنة أطباء السودان المركزية إن «سلطات الانقلاب، وهي تتعامل مع المحامين والمحاميات بهذا التهاون، إنما تثبت أنها لا تولي أهتماماً للقانونيين والقانونيات الذين يمثلون حائط صد للدفاع عن قضايا جماهير شعبهم في هذا الظرف الوطني العصيب».
وحذرت السلطات مما وصفته بـ « التماهي» مع منسوبي نظام الرئيس المخلوع عمر البشير المعروفين بـ «انتهاجهم للعنف»، مضيفة أن «العسكر يضعون لهم الحبل على الغارب، وأن الشرطة تتفرج عليهم وتساعدهم».
وتابعت أن «القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان، يثبت كل يوم أنه الوجه الحقيقي الذي يمثل حزب المؤتمر الوطني المحلول»، مشيرة إلى أنه «في ظل تواصل الضغوط لتنحيه، يحاول إعادة تمكين منسوبي النظام السابق في مؤسسات الشعب ليواصلوا عبثهم الذين ابتدأوه قبل أكثر من ثلاثة عقود». وشددت على «ضرورة أن تهب كل القطاعات المهنية في البلاد دفعة واحدة لصد هجمات النظام السابق على دور النقابات ولوقف تمكينهم الذي يقف البرهان وراءه». وكان نظام الرئيس المخلوع عمر البشير قد قام بصناعة نقابات واتحادات عديدة، تقودها كوادر من حزب المؤتمر الوطني المحلول، لضمان تمكين الحزب الحاكم وقتها في مؤسسات الدولة. لكن هذه النقابات تم حلها جميعا عقب الثورة الشعبية التي أطاحت بالبشير، كما صدرت قرارات بحل حزب المؤتمر الوطني ومنع أعضائه من العمل السياسي.
وأدانت الأمم المتحدة والترويكا الهجوم على مقر نقابة المحامين، داعية السلطات لتهيئة الأوضاع في البلاد لعملية سياسية.
وقالت الترويكا (الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والنرويج) في بيان أمس إن «السلطات السودانية يجب أن تهيئ الظروف المواتية لحوار سياسي شامل»، مشيرة إلى إن «اللجوء إلى العنف لتسوية الخلافات القانونية أو السياسية أمر غير مقبول».
واعتبرت «الهدف من الاعتداء على نقابة المحامين، تعطيل الجهود المبذولة لتعزيز حوار شامل للمساعدة في التوصل إلى اتفاق بشأن حكومة جديدة بقيادة مدنية».
وأضافت: «تقف الترويكا ضد أولئك الذين يرفضون قبول مطالب الشعب السوداني بالحرية والسلام والعدالة والذين يحبطون التقدم نحو اتفاق سياسي وحكومة بقيادة مدنية. أي اعتداء على حرية التعبير والتجمع غير مقبول».
قلق أممي
كما أعرب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان ورئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) فولكر بيرتس عن قلقه العميق من الهجوم.
وقال في بيان الأربعاء، إنه يدين الهجوم وأي عمل من أعمال العنف لتسوية الخلافات السياسية أو القانونية، مشيرا إلى أن اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين قامت بدور مهم في الدعوة إلى خطاب شامل في سياق العملية السياسية الحالية.
واعتبر الهجوم إشارة واضحة مرسلة ضد الجهود الجارية للتوصل إلى إجماع مقبول بين القوى السياسية والعسكريين نحو انتقال ديمقراطي حقيقي في السودان، لجهة طرح نقابة المحامين السودانيين مبادرة للعمل على مسودة إطار دستوري تم اعتمادها من قبل العديد من الجهات الفاعلة السودانية، وكانت بمثابة أساس للمشاورات بين جميع أصحاب المصلحة.
وأكد أن يونيتامس ستواصل تيسير جميع المبادرات التي يقودها السودانيون والتي تدعم الانتقال السلمي، لافتا إلى أنه مع تدهور الوضع الأمني والإنساني يومًا بعد يوم في جميع أنحاء البلاد، أصبح التوصل إلى حل مقبول على نطاق واسع أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى لصالح جميع السودانيين.
ولم يكن الهجوم الذي تعرض له مقر النقابة الأول من نوعه، فقد هاجمت مجموعة من انصار النظام السابق بالعصي والحجارة، في أغسطس/ آب الماضي، الورشة التي نظمتها اللجنة التسيرية للمحامين لمناقشة الإطار الدستوري بحضور واسع للقوى السياسية وممثلي المجتمع الدولي.
ولاحقا، تطورت النقاشات التي بدأها المحامون إلى مشروع للدستور الانتقالي، الذي طرحته اللجنة التسييرية في سبتمبر/ أيلول الماضي، وحظيت بدعم محلي ودولي واسع، فيما رأت أطراف مدنية وعسكرية إمكانية أن يكون أساسا لعملية سياسية تنهي الأزمة الراهنة في البلاد.
وكان المجلس العسكري قد قدم الشهر الماضي عدداً من الملاحظات حول مشروع الدستور الانتقالي، الذي طرحته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، وأبدى في اتصالات غير رسمية مع «الحرية والتغيير»، موافقته المبدئية على المشروع كأساس للحل السياسي.
وشكلت «الحرية والتغيير» لجنة تلقت هذه الملاحظات، ونقلتها لهيئات التحالف للبت فيها ودراستها. وقد قررت هذه الهيئات صياغة ورقة تشكل موقفها من قضايا إنهاء الانقلاب وتأسيس السلطة المدنية الديمقراطية الكاملة، على أن تخضعها للتشاور مع قوى الثورة والقوى المتوافقة على مشروع الدستور الانتقالي لتشكل أساساً متوافقا عليه بين أوسع قاعدة من أصحاب المصلحة في التحول المدني الديمقراطي.
وفي الأسابيع الأخيرة، اتخذت المحكمة العليا السودانية، ولجنة الاستئناف لقرارات لجنة إزالة التمكين، قرارات متسارعة قضت بإعادة منظمات ونقابات تابعة للنظام السابق، كانت لجنة إزالة التمكين في فترة الحكومة الانتقالية أصدرت قرارات بحلها. فإضافة إلى إعادة نقابة المحامين، أصدرت قرارات بإعادة الاتحاد العام للصحافيين السودانيين، واتحاد المرأة وغيرهما من الأجسام المهنية.كما أعادت موظفين في أجهزة الدولة المختلفة فصلتهم لجنة إزالة التمكين.