“مدى الكرمل” عن انتخابات الكنيست.. صعد الإسلاميون وتراجع الشيوعيون وصوّت الإسرائيليون لليمين وضد إشراك العرب في صناعة القرارات

وديع عواودة
حجم الخط
0

الناصرة- “القدس العربي”: في مقدمة تقريرٍ له نُشر أخيراً، يقول مركز “مدى الكرمل” إن هذه الورقة ترمي إلى تحليل نتائج الانتخابات للكنيست الـ25 في المجتمع الفلسطينيّ في إسرائيل، وقراءة إسقاطاتها السياسيّة على مكانة الأحزاب والقوائم العربيّة.

تستعرض الورقة، بدايةً، نتائج الانتخابات في المجتمع الفلسطينيّ عموماً، والنتائج التي حصلت عليها الأحزاب والقوائم العربيّة خصوصاً، ومعدلات التصويت، ثم تحلل المعاني السياسيّة لأنماط التصويت لدى المجتمع الفلسطينيّ، وفي النهاية تعرض أهم الاستنتاجات من النتائج وتحليلها.

نتائج الانتخابات في المجتمع الفلسطينيّ

خاضت الانتخابات الأخيرة (2022) ثلاث قوائم وأحزاب عربيّة، أو ذات غالبية عظمى عربيّة: “القائمة العربيّة الموحدة”، تحالف “الجبهة الديمقراطيّة” و”العربيّة للتغيير”، و”التجمع الوطنيّ الديمقراطي”. وقد نجحت قائمتان في اجتياز نسبة الحسم (3.25% من الأصوات الصحيحة)، وهما “القائمة العربيّة الموحدة”، بحصولها على نحو 4.07% من الأصوات الصحيحة، مُمثلة بخمسة مقاعد في الكنيست، وتحالف “الجبهة” و”العربيّة للتغيير” بحصوله على 3.75% من الأصوات الصحيحة مُمثلاً بخمسة مقاعد أيضًا، بينما لم يتجاوز “التجمع الوطنيّ الديمقراطي” نسبة الحسم، إذ حصل على 2.91% من الأصوات الصحيحة.

وتشير نتائج الانتخابات الأخيرة إلى أن “القائمة العربيّة الموحدة” حصلت على 194,034 صوتاً، فيما حصل تحالف “الجبهة” و”العربيّة للتغيير” على 178,730 صوتاً، في حين حصل “التجمع الوطنيّ الديمقراطيّ” على 138,615 صوتاً. وتوضح هذه المعطيات أن ثمة ازدياداً في عدد ناخبي “القائمة الموحدة العربيّة” بنحو 30 ألف صوت، في حين تراجع تحالف “الجبهة” و”العربيّة للتغيير”، وهو ما تبقى من “القائمة المشتركة”، بنحو 32 ألف صوت، مقارنة بعدد الأصوات التي حصلت عليها “القائمة المشتركة” (آنذاك كان التجمع جزءاً من هذا التحالف) في انتخابات الكنيست الـ 24 عام 2021.  لم تكن انتخابات الكنيست الـ 25 (2022) المرة الأولى التي يخوض فيها تحالف “الجبهة” و”العربية للتغيير” الانتخابات، فقد سبقتها انتخابات الكنيست الـ 23 (2019)، حينها حصل هذا التحالف على 193,442 صوتًا، أي ما يعادل 6 مقاعد برلمانية، ومقارنة مع نتائج الانتخابات الأخيرة حصل تراجع ملحوظ في عدد الأصوات والمقاعد.

تراجع الأحزاب الصهيونية

في تحليل لمعطيات التصويت في البلدات العربية فقط (بدون المدن المختلطة)، فقد تراجعت نسبة التصويت للأحزاب الصهيونيّة من نحو 20% عام 2021 إلى نحو 15% في الانتخابات الحالية (2022)، في حين ذهبت، هذا العام، غالبيّة الأصوات العربيّة الصحيحة (نحو 85%) في التجمعات العربيّة للقوائم العربية الثلاث. وتبيّن المعطيات الواردة من “المدن المختلطة” (حيفا، اللد، الرملة، يافا- تل أبيب، نوف هجليل، معلوت ترشيحا، عكا) أن 40% من الأصوات التي حصلت عليها القوائم العربيّة ذهبت لحزب “التجمع الوطنيّ الديمقراطيّ”، ونحو 42.5% لتحالف “الجبهة” و”العربيّة للتغيير”، في حين حصلت “القائمة العربيّة الموحدة” على 17.5% فقط من هذه الأصوات. بلغ معدل التصويت لدى المجتمع الفلسطينيّ نحو 54%، مسجّلًا ارتفاعًا، مقارنة بنسبة التصويت في الانتخابات السابقة (الكنيست الـ 24)، والتي كان معدل التصويت فيها نحو 43%. للمقارنة فإن نسبة التصويت العامة في إسرائيل بلغت في هذه الانتخابات نحو 70.6% وهي الأعلى منذ عام 2015.

قراءة في نتائج الانتخابات:

يمكن استخلاص الملاحظات التحليلية التالية من نتائج انتخابات الكنيست الإسرائيلي:

أولاً؛ ارتفاع غير متوقع في نسبة التصويت لدى المجتمع الفلسطينيّ. ويعزو “مدى الكرمل” هذا الارتفاع لعوامل عديدة، أهمها: التخويف المكثف من صعود اليمين المتطرف متمثلًا في الصهيونيّة الدينيّة وإيتَمار بِن غفير، والذي مارسته الأحزاب العربيّة خلال الحملة الانتخابيّة، علاوة على هذا التخويف أو التحذير خلال يوم الانتخابات من سقوط القوائم العربيّة جميعها إذا لم يخرج العرب للتصويت. أما العامل الثاني فهو ارتفاع نسبة التصويت لدى المجتمع اليهودي في الساعات الأولى من التصويت، مما دفع العرب للتصويت. أما العامل الثالث فهو خوض “التجمع الوطنيّ الديمقراطيّ” الانتخابات البرلمانية منفرداً وطرحه بديلًا عن نهج القائمة “العربيّة الموحدة” وتحالف “الجبهة” و”العربيّة للتغيير”، حيث ظهر أن ثمة قطاعًا واسعًا من المجتمع الفلسطينيّ يرى في طرح “التجمع” ورؤيته للعمل البرلمانيّ، طرحًا ينسجم مع أفكاره، وهذا ما يفسر عدد الأصوات التي منحها الناخبون للتجمع (ما يربو عن 138 ألف صوت)؛ فضلًا عن ذلك جزء كبير من جمهور داعمي “التجمع” دعم المشروع والوجود السياسيين لـ “التجمع الوطنيّ الديمقراطيّ”، وليس بالضرورة مشاركته البرلمانية فقط.

ويتابع تقرير المركز: “إلى جانب ذلك كان واضحًا لمصوتي التجمع أن احتمال عدم اجتيازه نسبة الحسم عالٍ، ولا نعتقد أن حملات تشجيع التصويت كان لها تأثير كبير على رفع نسبة التصويت، بل كان لعامل التخويف من سقوط جميع القوائم العربية، وارتفاع نسبة التصويت في صفوف اليهود ودخول التجمع الوطني لوحده العوامل الأكثر تأثيرا على رفع نسبة تصويت العرب”.

ولم يتطرق “مدى الكرمل” في هذا المضمار إلى التصويت الاحتجاجي الذي استفاد منه “التجمع”، حيث صوتت له أوساط ليست تابعة له أو قريبة منه فكريا وسياسيا، لكنها احتجت عل سلوك تحالف الجبهة/التغيير وعلى “القائمة العربية الموحدة”، لكنه لاحقا أشار بشكل عرضي لوجود تصويت احتجاجي.

إنجاز “التجمع”

ثانيا؛ يرى “مدى الكرمل” أن حزب “التجمع” حقّق إنجازا انتخابيًّا كبيرًا في الانتخابات الأخيرة، على الرغم من عدم اجتيازه نسبة الحسم. فقد حصل على نحو 138 ألف صوتا، وذلك أمام الحملات التي بثّت وسوّقت أن “التجمع” لن يحصل إلا على بعض عشرات آلاف الأصوات. ويشير التصويت للتجمع إلى أن قطاعا اجتماعيا واسعا في المجتمع العربي يرى في طرح “التجمع الوطني” والبرلماني خيارا سياسيا مناسبا له، ولا يخلو التصويت للتجمع أيضا من أبعاد احتجاجية على سلوك القوائم العربية الأخرى، وتفكيك “القائمة المشتركة” واقصاء “التجمع” بالطريقة التي حدثت عشية تقديم القوائم في شهر أيلول.

ظهر جليًّا كذلك تأثير رئيس قائمة “التجمع الوطني الديمقراطي”، سامي أبو شحادة، على رفع نسبة التصويت وعلى المشهد الانتخابي عمومًا. حيث مثّل للكثير من المصوتين صوتًا وطنيًّا جريئًا وواضحًا، وصاحب قدرة لافتة على مواجهة عنصريّة وعنجهيّة الإعلام العبريّ بمضمون ثاقب وأسلوب هادئ.

 ويضيف “مدى الكرمل” في قراءته: “يبقى تحدي التجمع الأساس ما بعد الانتخابات، في إعادة بناء بنيته التنظيمية، والحفاظ على الكوادر الحزبية التي التأمت من جديد حوله، والحفاظ على الزخم الجماهيري الذي دعم الحزب في الانتخابات، وطرح خطاب سياسي يعيد مكانته السياسية في الحقل السياسي الفلسطيني، فإذا لم يفعل “التجمع” كل ذلك، فسيكون مصيره مصير جميع القوائم والأحزاب العربية التي خسرت في انتخابات الكنيست ولم تستعد مكانتها، لأنها ارتهنت للعمل البرلماني فقط.

صعود التيار الإسلامي

ثالثا؛ ويتنبه “مدى الكرمل” إلى صعود التيار الإسلامي بقوله: “تحوّلت القائمة العربيّة الموحدة للقوة العربيّة البرلمانية الأولى في المجتمع العربي من حيث عدد الأصوات التي حصلت عليها. وتنسجم قوة القائمة العربية الموحدة مع تأييد قطاع واسع من المجتمع العربي لفكرة الدخول في الائتلافات الحكومية والتأثير من داخل الحكومة على السياسات تجاه المجتمع العربي. وكان شعار القائمة الموحدة في الانتخابات “أقرب إلى التأثير” منسجماً مع توجهات في المجتمع العربي تؤيد دخول القوائم العربية للائتلاف الحكومي، كما بينت استطلاعات للرأي أجراها “مدى الكرمل” في السنوات الأخيرة. علاوة على ذلك فالقائمة الموحدة لا تزال القائمة الأولى في النقب، وتحمل توجهات محافظة في القضايا الاجتماعية تخاطب من خلالها قطاعات اجتماعية في المجتمع العربي ترى في خطاب التجمع والجبهة من الناحية الاجتماعية مخالفا لتوجهاتها المحافظة.

المدن الساحلية والمختلطة

رابعا؛ ووفقاً لقراءة “مدى الكرمل”، تشير أنماط التصويت في المدن المختلطة إلى أن قوة “القائمة الموحدة” كانت الأضعف (17.5%)، بالمقارنة مع قوة “التجمع” وتحالف الجبهة والعربية للتغيير، ويعود ذلك في رأينا إلى أن تداعيات هبة الكرامة في أيار 2021، والتي كانت بالأساس في المدن المختلطة ولّدت موقفا سياسيا فيها لا يرى في خيار الشراكة في الائتلاف الحاكم خيارا سياسيا ينسجم مع ما يعانيه سكان هذه المدن من التضييق عليهم، والاستيطان في أحيائهم، والعنصرية الفظة تجاههم.

خامسا؛ كما يتوقف عند تراجع الأحزاب الصهيونية بنسبة 5%: تراجعت نسبة تأييد الأحزاب الصهيونية في المجتمع العربي من 20% إلى 15%، ويعود ذلك بالأساس لحالة الإحباط من حكومة بينيت- لبـيد، ومن الأحزاب الصهيونية التي كانت ضمن الحكومة مثل ميرتس وحزب العمل، وجزئيًّا لأن “القائمة العربيّة الموحدة” مثّلت الصوت الاندماجي بامتياز، ويأتي غالبية المصوتين للأحزاب الصهيونية من التجمعات العربية الدرزية.

سادسا؛ ويتوقف “مدى الكرمل” عند نقطة هامة تتعلق بموقع الريادة السياسية داخل أراضي 48 فيشير لتراجع معدل التأييد لتحالف الجبهة والعربية للتغيير في هذه الانتخابات، بالمقارنة مع عدد الأصوات التي كانت لهذا التحالف في انتخابات نيسان 2019. وتبين النتائج أن أيًّا من الحزبين لا يستطيع تجاوز نسبة الحسم إذا خاض الانتخابات لوحده. وتدل هذه النتيجة إلى فقدان “الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة” مكانتها كالقائمة العربية (اليهودية) الأقوى في السياسة البرلمانية العربية. وحسب “مدى الكرمل” لم يُسهم إقصاء “التجمع” في خسارة هذا التحالف ثلاثة مقاعد، بل خسارة مقعد واحد، حيث لو بقيّ “التجمع” ضمن “القائمة المشتركة” لبقي تمثيل هذا التحالف ستة مقاعد، عدد الأصوات التي حصل عليها “التجمع” جاءت بالذات لأنه خاض الانتخابات لوحده مستقطباً قطاعات شعبية أرادت مقاربة العمل البرلماني بما ينسجم مع ما طرحه “التجمع الوطني الديمقراطي”، ولا سيما أن “التجمع” عاد مجددا للتشديد على مشروع سياسي المواجه لطبيعة الدولة اليهودية والمطالب بتحويل الدولة إلى دولة لجميع مواطنيها.

تيار المقاطعة المبدئية

سابعا؛ ووفقاً لـ “مدى الكرمل” يشير تباين معدلات التصويت في الدورات الانتخابية المتكررة خلال الأعوام الثلاث الأخيرة، أن تيار المقاطعة الأيديولوجية لا يملك مشروعاً سياسياً متماسكاً يستطيع من خلاله إقناع الناس بالعزوف عن التصويت لأسباب فكرية أو أيديولوجية، فكما أن حملات تشجيع التصويت المُمولة خارجيا لا تقنع الناس بالتصويت، ولا تتأثر نسب المشاركة بهذه الحملات، كذلك الأمر فإن الامتناع عن التصويت لا يتعلق بوجود تيار سياسي يدعو للمقاطعة الأيديولوجية لانتخابات الكنيست، فلا تزال غالبية المواطنين الفلسطينيين ترى في العمل البرلماني ساحة سياسية هامة، ومشاركتها أو عزوفها عن التصويت يتعلق بعوامل أخرى وحدة القوائم العربية، أو بسلوك القيادة السياسية، ومدى تأثيرها في الكنيست على سبيل المثال.

خلاصة: الإسرائيليون صوتوا لليمين وضد إشراك العرب في صناعة القرار

 ويخلص “مدى الكرمل”، الذي يديره الباحث الدكتور مهند مصطفى، للقول إن نتائج الانتخابات الحالية وضعت خطاب التأثير من خلال المشاركة في الحكومة أو الانخراط في ميزان القوى بين المعسكرات الحزبية في إسرائيل أمام تحدٍ كبير. فعملياً سوف ينتهي هذا الخطاب مع تشكيل حكومة يمينية متطرفة. صّوت المجتمع اليهودي عملياً ضد مشاركة العرب في لعبة التأثير وموازين المعسكرات الحزبية التي كانت في الماضي بين الأحزاب اليهودية والصهيونية، وذلك على الرغم من الخطاب والسلوك العربي الذي كان مستعدا للتنازل عن طرح خطاب سياسي يربط بين قضية الفلسطينيين في إسرائيل والقضية الفلسطينية عموما. فلم يقبل المجتمع اليهودي خطاب “التأثير بكرامة”، ولا خطاب “أقرب إلى التأثير”، وعاد النظام السياسي إلى طبيعته بعد لحظة طارئة مكنت القوائم العربية من التأثير على ميزان القوى بين المعسكرات السياسية في إسرائيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية