تونس ـ «القدس العربي»: يعلق الفريق الحاكم في تونس آمالا كبيرة على القرض الذي وافق صندوق النقد الدولي على مستوى الخبراء على منحه للخضراء، وذلك في انتظار أن تقرر الهيئة الإدارية للصندوق موافقتها النهائية من عدمها بعد اجتماعها المقرر نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر من هذا العام. ويبدو أن الصندوق يربط موافقته على القرض وعلى صرف قسطه الأول بتنظيم تونس للانتخابات التشريعية يوم 17 كانون الأول/ديسمبر، ووجود برلمان منتخب، وانتهاء هذه المرحلة الإستثنائية التي بدأت يوم 25 تموز/يوليو 2021 تاريخ تجميد الرئيس قيس سعيد للبرلمان السابق وحل حكومة هشام المشيشي.
وللإشارة فإن صندوق النقد الدولي كان قد وافق على مستوى الخبراء على قرابة نصف المبلغ الذي طلبته تونس منه، ولم يقبل منح المبلغ المطلوب برمته والذي قدره 4 آلاف مليون دولار. ورغم ذلك فإن هذا القرض الذي لن يغطي كامل العجز في ميزانية السنة الماضية، قد نال رضا الفريق الحاكم وعديد خبراء الاقتصاد بما أنه سيجعل أطرافا أخرى مانحة تدعم الاقتصاد التونسي كانت تنتظر موافقة الصندوق لتعطي ثقتها لتونس وذلك على غرار البنك الأفريقي للتنمية.
كما يؤكد عديد الخبراء على أن موافقة الصندوق على منح تونس هذا القرض سيجعل الوكالات المتخصصة في التصنيف السيادي الإئتماني تحافظ للخضراء على ترقيمها الحالي دون النزول به مثلما لمح بعضها لذلك. ويجعل التخفيض في التصنيف السيادي الإئتماني الاقتصاد التونسي في مأزق كبير ويصبح البلد بحاجة باستمرار إلى ضامنين في كل عملية اقتراض. كما يجعل أي تخفيض جديد الحكومة مضطرة إلى الدفع المسبق بدون تأجيل في انتظار توفر السيولة، في حال أرادت إبرام صفقة شراءات لاقتناء مواد طاقية أو غذائية أو أولية صناعية أو غيرها.
وبالتالي يؤكد كثير من المتفائلين أن هذا القرض سيكون بادرة خير لمرحلة اقتصادية جديدة، والخطوة الأولى للخروج من المأزق الاقتصادي والاجتماعي الذي وجدت تونس نفسها فيه بعد ثورتها التي أدت إلى تعطل آلة الإنتاج بسبب كثرة الإضرابات وسوء التصرف والحوكمة. ويؤكد المبالغون في التفاؤل على أن هذه الموافقة المبدئية من قبل صندوق النقد الدولي على إقراض تونس ستكون الفيصل بين مرحلتين وأن الأمور سائرة نحو الاستقرار رويدا رويدا.
الثمن الباهض
بالمقابل يرى فريق أن الثمن الذي ستدفعه تونس لصندوق النقد مقابل هذا القرض سيكون باهضا وأن الدولة ستفقد معه صبغتها الاجتماعية التي عرفت بها منذ الاستقلال وسيؤدي هذا التخلي إلى الاحتقان المستمر. حيث سيتم على سبيل المثال رفع الدعم عن المواد الأساسية وهو ما سيؤدي إلى الإضرار بالطبقة الوسطى بالأساس، وكذلك التفويت في بعض المؤسسات العمومية والضغط على كتلة الأجور في الوظيفة العمومية. وسيؤدي ذلك إلى حرمان الأجيال الجديدة من الانتداب في الوظيفة وعدم تجديد الإدارة التونسية بالطاقات والكفاءات الشابة المواكبة لتحولات العصر والتقنيات الحديثة.
ويرى هؤلاء أن الحكومة كان بإمكانها إنقاذ الاقتصاد دون اللجوء إلى الاقتراض ولديها حزمة من الإجراءات يمكنها القيام بها في هذا الإطار على غرار إعادة إنتاج وتصدير الفوسفات بالنسق الطبيعي بعد أن تضاعف سعر هذه المادة ثلاث مرات أو أكثر في الأسواق العالمية في السنوات الأخيرة. ويؤكد كثير من خبراء الاقتصاد على قدرة الفوسفات على الخروج بتونس من أزمتها شريطة الرفع من الإنتاج والتصدير سواء خام أو مصنع في المجمع الكيميائي الصناعي التونسي في شكل أسمدة فلاحية أو غيرها خاصة وأن الطلب العالمي كبير على هذه المادة الحيوية في ظل أزمة الغذاء العالمية.
كما أنه يمكن تشجيع المهاجرين التونسيين على الترفيع من قيمة تحويلاتهم من خلال تقديم حوافز لهم لتشجيعهم على الاستثمار في بلادهم وتحويل جزء من أرباحهم إلى بلدان إقامتهم. مع العلم أن تحويلات المهاجرين شهدت ارتفاعا كبيرا خلال السنتين الأخيرتين مقارنة بالمعتاد وفاقت مداخيلها مداخيل السياحة بأربع مرات. ويفسر البعض ذلك بأن العشرية الماضية دفعت بنسبة هامة من الشباب التونسي خريج الجامعات إلى الهجرة وهو ما خلق جيلا جديدا من المهاجرين من النخب من ذوي الدخل المرتفع خلافا لما كان عليه الحال قبل الثورة حيث كانت الهجرة تستقطب عموما أصحاب المستوى التعليمي المنخفض الذين كان يصعب ادماجهم في الدورة الاقتصادية للبلد.
إصلاحات ضرورية
كما أن القطاع الصناعي يشهد تطورا لافتا بعد أن برزت صناعات جديدة في السنوات الأخيرة ولم يعد النسيج الصناعي التونسي يقتصر على الصناعات المألوفة التي عرف بها في السابق، فقد أصبح التونسيون بفضل القطاع الخاص واليد العاملة الكفوءة والمهندسين البارعين يصنعون السيارات وقطع غيارها، بالإضافة إلى قطع غيار الطائرات والصناعات التكنولوجية المتعلقة بالطاقات البديلة. كما يمكن للتونسيين مواصلة المراهنة على قطاع صناعة الأدوية وتطويره بالاعتماد على السمعة الطيبة للدواء المصنع في تونس عربيا وأفريقيا ودوليا. كما وجبت المراهنة على تطوير الصناعات الكهرومنزلية والنسيج والتعدين وعجين الحلفاء والورق والصناعات الغذائية والصناعات الكيميائية وغيرها من الصناعات المألوفة في تونس منذ عقود.
ولا بد كذلك من إصلاح القطاع السياحي ويكون ذلك من خلال توجيه المداخيل من العملة الصعبة لتضخ في الاقتصاد التونسي عوض ضخها في حسابات بنكية في الخارج يمتلكها أصحاب الفنادق. وكذلك محاربة ظاهرة حصول السائح المغاربي على الدينار التونسي في السوق السوداء في بلده والدخول به إلى تونس واستهلاك المواد المدعمة التونسية من دون أن تنتفع منه تونس بالعملة الصعبة. فمن المفروض أن يحول السائح المغاربي أمواله المحلية إلى عملة صعبة في بلده وحين يأتي إلى تونس يقوم بشراء الدينار التونسي بالعملة الصعبة من البنوك التونسية مثلما يحصل في كل دول العالم.
كما وجب العمل على التخفيض من الواردات الطاقية على مستويين، الأول هو العمل على الاستغلال الأمثل للمخزون النفطي والغازي المحلي من خلال الترفيع في طاقة إنتاج بعض آبار البترول والغاز، ومن خلال إدخال الآبار المكتشفة حديثا حيز الاستغلال، ومن خلال مواصلة التنقيب. أما المستوى الثاني فيتمثل في تطوير الطاقات البديلة بنسق حثيث حتى يخفض البلد من نزيف العملة الصعبة التي تذهب لاستيراد مواد طاقية لتغطية العجز الناتج عن تراجع الإنتاج المحلي في السنوات الأخيرة وارتفاع الاستهلاك.
كما وجب تطوير الصادرات الفلاحية على غرار زيت الزيتون الذي يباع في أغلبه غير معلب بسعر زهيد إلى دول تقوم بتعليبه وإعادة بيعه بأسعار مرتفعة. ويشمل الأمر كذلك التمور والغلال والأسماك مع الذهاب بعيدا في خطة تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب الذي أصبح ضرورة بعد الحرب الروسية الأوكرانية.