من قال إن انتفاضة ضُربت بالعنف والتحايل ولم تستكمل بناء مؤسساتها أو تبلور برنامجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، تستطيع خوض معركة انتخابات المجلس النيابي اللبناني، وتُحدث من خلالها انقلاباً في موازين القوى السياسية؟
القوى التي تصدرت انتفاضة 17 تشرين دفعت إلى خوض الانتخابات النيابية بأدوات ناقصة، وتحالفات هشة، وبرامج ملتبسة، ولم يكن للأصوات التي ارتفعت محذرة من هذا الفخ أي أثر.
بأي منطق استدرج النظام حاملي شعارات إسقاطه إلى ملعبه؟
وماذا كانت النتيجة؟
13 نائباً أطلق عليهم صفة التغييريين، ذهبوا إلى مجلس نيابي مافيوي، ليجدوا أنفسهم تائهين في أروقته، وعاجزين ومهمشين، فاوضوا كل الكتل من أجل الوصول إلى توافق على رئيس للجمهورية، ثم وجدوا أنفسهم يتفككون.
رفعوا في الشارع شعار «كلن يعني كلن»، ثم دخلوا في دهاليز اللعبة، وحولوا الانتفاضة التي من أجلها أطفئت العيون بالرصاص المطاطي إلى كوميديا يديرها رئيس المجلس النيابي اللبناني.
أين يكمن الخلل؟
بالأمس خرج ميشال عون من قصر بعبدا بمشهدية أُعدت بعناية كي تضع الجنرال في مصاف الأبطال التراجيديين، فتحولت التراجيديا إلى مشهد كوميدي يثير الضحك والشفقة.
اللعبة اللبنانية ليست سوى كوميديا سوداء، اللصوص يديرون التفليسة، ويتحولون إلى أبطال يسعون لإنقاذ اللبنانيين من البؤس!
لا مثيل لهذه اللعبة، بدل توجيه أصابع الاتهام إلى العصابة التي قادت البلاد إلى الانهيار بشقيها السياسي والمصرفي، يلعبون غميضة الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي، في مشهد سادي لا مثيل له.
لماذا يتم إدخال تراث انتفاضة أُجهضت، إلى دائرة هذه اللعبة المضحكة؟
لا أمتلك جواباً على هذا السؤال سوى الافتراض بأن الخيارات الخاطئة تقود إلى نتائج خاطئة.
المسألة لا تتعلق فقط بالقبول بخوض الانتخابات في إطار قانون انتخابي طائفي فُصّل كي يلائم إعادة إنتاج السلطة لنفسها، بل أيضاً بهذا التشرذم الذي عجز عن صوغ برنامج جذري موحد.
لقد وجد النواب الفائزون أنفسهم في كتلة ليست كتلة، بل هي تجمع هلامي بلا ضوابط، ولا يملك مرجعاً سياسياً، أو حزباً أو تحالف أحزاب تتحكم ببعض أطرافه أوهام المشاركة في اللعبة السياسية، ويخضع آخرون إلى مزاجات شخصية لا تصلح لعمل سياسي من طبيعة جديدة.
كانت الانتخابات الرئاسية هي الفرصة الضائعة، بدلاً من أن يعلن التغييريون عن مرشح تغييري ويقوموا بحملة واسعة شعبية وإعلامية لتظهير برنامجهم من خلاله وكسر تقليد الترشيح الصامت الذي تحول إلى تقليد لبناني، سقطوا في الفخ.
فهم لا يملكون مرشحاً، لأنهم اعتقدوا واهمين أنهم يستطيعون أن يكونوا جزءاً من اللعبة، ففاوضوا كتل النظام قبل أن يجدوا أنفسهم في الفراغ. المعركة الرئاسية لا تهدف إلى إيصال مرشح معين، بل هدفها ربط الوجود البرلماني بالقاعدة الشعبية التي انطلقوا منها.
لماذا ذهبت خفة النواب التغييريين بهم إلى إخضاع المرشحين المحتملين إلى امتحانات وجدالات أوصلت في النتيجة إلى المشاركة في الحفلة الكوميدية المستمرة في مجلس النواب؟
ومن أوحى لهم بأنهم يساوون شيئاً من دون الشارع؟ هل حاولوا العودة إلى القاعدة التي انطلقوا منها؟ أم استساغ بعضهم اللعبة، فاعتقد أنه يستطيع أن يكون لاعباً في ملعب النظام؟
النظام عاد إلى قواعده القديمة؛ لعبة الكراسي الموسيقية مستمرة فوق الحطام. عاد الخطاب القديم وصراعات زمن ما قبل 17 تشرين إلى الواجهة. وهذا ليس بفضل عبقرية زعماء المافيات والطوائف، بل لأن الخطاب الجديد تبخّر وتم تغييبه.
أين الخطاب الذي يشدد على المسؤولية المشتركة للمافيا السياسية والمافيا المصرفية عن الانهيار؟ أين خطاب ضرورة المحاسبة؟ أين معركة استقلال القضاء؟
النظام يعيد تنظيم صفوفه وسط صراعات طاحنة بين أطرافه، والرئاسة مؤجلة في انتظار أن يبرد رأس جبران باسيل، ويتم الوصول إلى صفقة.
ما علاقة التغييريين بالصفقة؟
لا علاقة لهؤلاء النواب الجدد بهذه اللعبة كلها، إذا أرادوا أن يكونوا عاملاً مؤثراً فعليهم فرض قواعد لعببتهم والتمسك بها.
لا أحد ينتظرهم أو يحتاج إليهم في لعبة النظام إلا إذا أداروا ظهورهم للخطاب الذي أوصلهم إلى البرلمان، وعندها لن يجدوا لهم مكاناً سوى في طوائفهم.
ما يجري اليوم هو تحويل حلم التغيير إلى خيبة أمل. ألا يعي النواب أنهم يجهضون الكلام بعدما نجحت أطراف النظام في إجهاض الشارع؟
هل لا تزال صرخة سمير قصير «عودوا إلى الشارع تعودوا إلى الوضوح»، تجد لها الصدى المناسب وسط هذا الركام؟
لا أدري.
ربما صارت العودة إلى الشارع أكثر صعوبة اليوم، إن لم تكن قد فقدت زخمها. كانت العودة ممكنة بعد الانتخابات مباشرة، وهذا لم يحصل وسط التفكك الذي شلّ الكتلة، لكن العودة إلى لغة الوضوح لا تزال ممكنة.
هل فات الأوان؟
وهل كتب علينا أن نتفرج على كوميديا سياسية جديدة تدور فوق الخرائب التي صنعتها التراجيديا اللبنانية؟
انتفاضة 17 تشرين تبحث عن قائد له كاريزما للإستمرارية !
ثورة بلا قائد , كالحبر بلا قلم !! ولا حول ولا قوة الا بالله
“سقطوا في الفخ” ولاحقاً سينضمون الى اوركسترا الفلكلور الطائفي المذهبي… وتصبح مناصبهم النيابية مقدمة على كل إصلاح وتغيير وحقوق المواطنين