قطر… مونديال العرب

قَطر بلد عربي مُقدم على أكبر حدث تاريخي في عالمنا المعاصر، وهو تنظيم أعظم تظاهرة في حياة العرب الحديثة والمعاصرة، ويتوقع أن تحدث الأثر المطلوب بمعناه الصحيح ومعناه المجازي، لأن التاريخ الراهن كما تقتضيه سيرورة العولمة يعلق كثيرا على ما هو معنوي ورمزي وعرفاني وديني وحتى أسطوري، كلُنُّا ينتظر الأهداف الأسطورية والخرافية، وهذا ما سوف يجري في ملاعب مونديال قطر الرائعة والفائقة الجمال.
في زمنا الحاضر، الحداثة وتجلياتها هي القدرة على صناعة الحدث، وقطر هذا البلد العربي الرائع صَنَع الحدث في كل مظاهره ومراحله وسايره في لحظاته القوية عندما صار الإنجاز يساوق معناه في اللحظة التي ينجز فيه ولا يحتاج إلى الانتظار.. ما بين مونديال روسيا 2018 ومونديال قطر 2022 لا توجد مسافة زمنية تقريبا، لأن الإنجاز تم حقيقة يوم منحت قطر شرف تنظيم المونديال. كما أن المونديال سوف يجري على غير العادة في مساحة مكانية تكاد تساوي مساحة منديل كما يقول الرياضيون. مجريات المونديال وفعالياته في مكان وزمان واحد، كل الملاعب متقاربة ومتجاورة.

في زمنا الحاضر، الحداثة وتجلياتها هي القدرة على صناعة الحدث، وقطر هذا البلد العربي الرائع صَنَع الحدث في كل مظاهره ومراحله

الإنجاز الذي سوف تضطلع به دولة قطر، بالأصالة عن العرب وباللغة العربية هو تقديم ليس صورة، بل تقديم واقع العرب وهم يدخلون التاريخ الكبير عبر الرياضة، كرة القدم، بعد ما أخفقوا سياسيا في ارتياد مكانة الدول القادرة على فِعْل الحدث والتواصل معه، إلى مصاف الدول الكبرى، حيث الأمة تتماهى مع الدولة. ومع حدث مونديال العرب القريب، نقترب أكثر من قيمة وأهمية ومكانة الرياضة كمجال جديد لما بعد السياسة، أو بالأحرى بعد إخفاقاتها المتوالية، على ما نلحظ ونشاهد في أكثر من بقعة في العالم. سوف يتأكد دور المجال الرياضي ليس كتسلية وترفيه، بل كمجال لفاعلية الإنسان والمجتمع، الفرد والجماعة على السواء، يضفي شرعية ومشروعية على الفعل الرياضي بما يملك من سلطة وفعالية، لأنه المؤهل الجاد إلى تحقيق الشعور بالديمقراطية، عندما يكون كل سكان العالم يتابعون بشغف وليس بإملاق، ملاعب كرة القدم في عاصمة قطر، مشدودين إلى فِرَق تبحث في غبطة وإصرار أكثر على تسجيل أهداف. ملاعب قطر، آية في الجمال والبهاء يليق بها المونديال وتليق به، لأن الإنجاز تم من صلب ما هو رائع وبخبرة ورصيد وجهد الجميع، أي كل أجناس العالم، التي تحتضنهم دولة قَطَر منذ عقود من الزمن الفائق والسريع. فالمونديال في حالة قَطَر البلد العربي الأصيل والحديث هو اسم على مسمى. فقد استقرت قطر في وعي العرب والعالم عبر إعلامها المتطور، وصارت اللغة العربية لغة عالمية ليس بمعنى ما، ولكن بكل معاني الكلمة، حيث يتكلم بها عبر قنوات «الجزيرة» الآلاف من الخبراء ورجال السياسة والفكر والاقتصاد والفنانين والمهندسين، ناهيك من الرياضيين الذين صنعت لهم قطر باقة من أبرز وأقدر القنوات الرياضية في العالم، يتداول فيها كل ما له القدرة على الإدلاء برأيه والتعليق على كل الفعاليات الرياضية. وهذا النوع من الإنجاز يندرج في ماهية تشكيل المجال الرِّياضي الجديد، الذي يضطلع بما عجزت وأخفقت فيه السياسة بمعناها المبتذل.
في قَطَر، هذا البلد العربي الرائع تتوحد عنده الثقافة والرياضة في وزارة واحدة، من أجل أن تأخذ الثقافة حيويتها وإبداعها المتواصل، ومن أجل أن تأخذ الرياضة سياقها وخلفيتها وبعدها الثقافي. فالملاعب الرياضية، على ما سوف نتابع هي أيضا مَعَابد من الطراز الجميل وأسلوب الصلاة هو التضرع الدائم بالثناء والشكر لله بلغات العالم المختلفة، بعد كل هدف يسجله فريق من الفرق. سوف تتكرر مشاهد رفع السبابة بكلتا اليدين، بعد ما يتمكن اللاعب من تسجيل في مرمى الخصم الهدف المفرح، وباعث الحماس للجماهير والمفعم بالارتياح والسرور على أنصاره. هذه اللحظات لم تعد تصنعها السياسة ورجالاتها الفاسدون، بل الرياضة في آخر دلالاتها عندما تعني السلطة الراشدة والحَكَامة السلسة والتسيير المعقول والقواعد المتَواضع عليها. وفي ملاعب أو معابد الدوحة تظهر أكثر الوطنية بمدلولها الإيجابي والإنساني عندما يستمع الجميع إلى كل أناشيد الدول المشاركة، ويقدر الجميع أيضا انتصاراتها وفوزها المستحق بكثير من الروح الرياضية والغبطة البشرية. قَطَر هي مونديال العرب لأنها سوف تؤكد أهمية وفعالية الثقافة العربية كعامل ورافد قوي في إعادة ترتيب العلاقة بين الإنسان العربي وأمته، لأنها استطاعت أن تستقطب العرب وتشكل منهم حالة عربية تنتظر الدخول إلى التاريخ عبر فعل عالي الدلالة على ما فعلت في مؤسسات التعليم في أطواره كافة وفي مجال الإعلام، اعتادت عليه الشعوب العربية من خلال باقتها «الجزيرة» ظاهرة العرب العالمية، ناهيك من الرياضة خاصة كرة القدم، حيث كانت مقصد كل لاعب يحسن فنيات الرياضة، وكل خبير رياضي يحسن التعليق والتحليل. وعليه، فلا نزايد على الحقيقة في شيء عندما نؤكد أن تنظيم قَطَر لمونديال 2022، هو تأهيل حقيقي لدخول العرب إلى العالم بما لديهم من خصوصية وقوة وجود ونفع عام وخلفية حضارية. قَطَر مونديال العرب، حقيقة لا يمكن إطلاقا الافتئات عليها بأي شكل من الأشكال، لأنها ستقدم نفسها إلى العالم كله باللغة العربية وأخلاقيات الدين الإسلامي في آخر عصور الإنسان المبدع، ومن نهاية تاريخ فائق الفعالية الحضارية، فقد تم إنجاز مرافق المونديال كافة من الألف إلى الياء وفق التصور الأول والمجسمات التي وضعت للملاعب ومرافقها ولوازمها، أي بتعبير آخر يفيد المعنى نفسه، فإن ما جرى إنجازه رافق الخيال والصورة والنمط في لحظته وبقابلية أن يصَدّر إلى الخارج عبر آلية التنمية المستدامة التي تحترم البيئة في أجلى وأنصع أشيائها وأرواحها عندما تعني الشيء والإنسان كليهما.
أخيرا، ولعلّه أولا، في حالة قَطَر، البلد المُتَقَدّم جدّا، لا تنفع الشَّمَاتة ولا الخِطاب المُخاتل ولا لغة الكراهية أو الحسد، لأن كل هذا يؤكد صلابة وصلاحية وجود قَطَر كبلد عربي وثقافة عربية وإمكانية عالمية، ولأنها جاءت أيضا إلى الحداثة وهي متمسكة بِلُبّ وروح العصر، تَأْتي قِيَمه ومُثُله ورُموزه بكل سلاسة وعفوية، ليس بداية من السياسة والاقتصاد وليس انتهاءً بالأخلاق والرياضة والثقافة عندما تعني التمسك باللحظة الأبدية كلحظة إبداع دائم وتنمية مستدامة، ترنو إلى تحقيق وجود العرب في العالم ليس نوعا من الوجود.. بل وجود حقيقي فاعل على ما يتطلع إليه الشعب العربي الواعد.
كاتب وأكاديمي جزائري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عمر:

    في زمنا الحاضر، الحداثة وتجلياتها هي القدرة على صناعة الحدث. لكن الآخر الناكر للعرب أي فعل تقدمي لا يستطيع إخفاء حنقه
    انها الإرادة الفعالة الشقيقة قطر يسطع نجمها رغم كيد الآخر. فهي تشرف الإخوة القطريين وتشرف أمة بأكملها.

  2. يقول علي الجزائري:

    فلسطين حاضرة في مونديال قطر2022 وغياب حظيرة الكيان الصهيوني..!! عجيب.

إشترك في قائمتنا البريدية