دمشق – «القدس العربي»: اختتمت منظمات “الرابطة السورية لكرامة المواطن” و”المعهد الأوروبي للسلام” و”رابطة المحامين السوريين الأحرار” مؤتمراً عقدته على مدار يومين في مدينة جنيف السويسرية، ناقشت خلاله خريطة الطريق لبيئة آمنة سورية مؤكدين على أن جوهر الملف الصلب هو عدم التسامح مع أي مجرم ارتكب جرائم ضد الإنسانية.
وحسب جدول أعمال المؤتمر، الذي عقد يومي الأربعاء والخميس، فإن الهدف منه هو “العودة الآمنة والكريمة والطوعية، مع ضمان جميع الحقوق الأمنية والإنسانية والقانونية والسياسية والاجتماعية، كما أن المخرج الوحيد في سوريا لا يزال هو الحل السياسي الشامل المستدام”. بينما طالبت المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني، محاسبة المجرمين كملف “لا يمكن أن ينحني ليناسب أي حل سياسي أعوج”.
وألقى الكلمة الختامية للمؤتمر الدولي الذي جاء تحت عنوان “خريطة طريق لبيئة آمنة في سوريا” مساء الخميس، عضو المجلس السوري الأمريكي طلال سنبللي، حيث أكد أن رسالة المؤتمر واضحة وهي التأكيد على “العودة الآمنة والكريمة للنازحين السويين، على أنها أساس لأي حل مستدام في الأزمة السورية” لافتاً إلى أن “تداعيات المقاربات الحالية المدفوعة من القصور الذاتي واضحة للجميع من خلال الأعداد المتزايدة من السوريين الذي يحاولون الفرار من سوريا وبعض البلدان المضيفة، بطرق بائسة ويخاطرون بحياتهم للوصول إلى الأمان المتوقع في أوروبا، وإن غياب البيئة الآمنة التي حددها السوريون أنفسهم هو العقبة الرئيسية التي تحول دون عودة المهجرين السوريين إلى بلادهم، وهو العائق الأساسي الذي يواجه أي حل سياسي شامل ومستدام، والقضايا الأخرى كالمعتقلين وجرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان”.
ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب
وقدم مدير ممارسات السلام والابتكار في المعهد الأوروبي للسلام بول سيل، جدول أعمال المؤتمر الذي تمحور حول مناقشة التدابير والتغييرات والمتطلبات المتعلقة بالحقوق والحريات، والتأكيد على وضع منظومة قضائية وقانونية موحدة تمارس صلاحياتها على كامل الأراضي السورية بطريقة حيادية ومستقلة وشفافة. ونوه إلى ضرورة إلغاء كل القوانين التي تنتهك حقوق الإنسان والحريات العامة التي يكفلها الدستور السوري الجديد أو المعدل، وإلغاء أي قوانين تمنع عودة المهجرين وأي التزامات تم فرضها عليهم بما يخص ملكياتهم تحت التهديد أو أي نوع آخر من الضغوط. بالإضافة إلى التركيز على إعادة الملكيات التي تم الاستيلاء عليها منذ 2011 أو قبل ذلك التاريخ، ومنح السوريين الحق في بيع ممتلكاتهم وشراء ممتلكات في أي منطقة في سوريا دون أي ملاحقة جسدية أو إدارية أو أمنية أو قانونية.
وناقش المؤتمر مجالات عدة أخرى مثل حرية الإعلام والحق في المشاركة السياسية وفي المعارضة السلمية للسلطة وفي الحقوق المطلقة دون قيود والاعتراف بالقوانين والمعاهدات الدولية والالتزام بها وحماية الحقوق والحريات الأساسية من التعديلات. وفي هذا السياق، يجب التأكيد على أهمية ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية من قبل كل أطراف النزاع في سوريا، ووضع آليات للمحاسبة وتحري الحقائق، ومنع التحريض في الإعلام ونشر خطاب الكراهية والعدوانية والتمييز ضد أي مجموعة محددة.
وركز المؤتمر الدولي “خريطة طريق لبيئة آمنة في سوريا” على قضية المعتقلين والعفو العام، وضرورة إلغاء المحاكم الاستثنائية بما في ذلك محاكم مكافحة الإرهاب والمحاكم العسكرية الميدانية، ووضع آليات لتقصي ومتابعة مصير المختفين قسراً. واعتبر القائمون على المؤتمر أن نجاح العفو المقترح يشكل “بداية لمجموعة من تدابير بناء الثقة الحقيقية التي توحي للشعب السوري بالالتزام الجاد للدول الداعمة للعملية السياسية وتحقيق بيئة آمنة لجميع السوريين ويجب تنفيذ العفو العام بشكل شامل قبل عودة اللاجئين والنازحين لأماكنهم الأصلية”.
مطالب المؤتمر
وطالب المؤتمرون بإطلاق سراح السجناء السياسيين، والعفو عن الإدانات في الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات العسكري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 61 لسنة 1950، معتبرين أن “الإعلان عن العفو سيتم من أجل كبح ومنع سلطات الدولة من فتح أو متابعة التحقيقات أو الاتهامات المتعلقة بالمسائل المذكورة”.
وأكد المؤتمر الدولي “على حق جميع السوريين اللاجئين والنازحين داخلياً بالعودة الطوعية والآمنة وبكل حرية إلى ديارهم دون التعرض لخطر المضايقة أو الترهيب أو التمييز أو الاحتجاز بسبب آرائهم أو مواقفهم أو بناءً على أصلهم أو عرقهم أو معتقدهم الديني. ولا يكتمل حق العودة إلا بعودة اللاجئين والنازحين إلى أماكن سكنهم الأصلية قبل التهجير والنزوح، ولا يجب أن يتم محاسبتهم لمغادرتهم البلاد بطريقة نظامية أو غير نظامية، بالإضافة إلى حق التحرك ضمن الأراضي السورية بحرية ودون أي قيود إدارية، أمنية أو قضائية”.
وناقش مفهوم “العودة المجتمعية” وعودة المجموعات العائلية بعين الاعتبار، وحق المهجرين في الحفاظ على وحدة وتماسك عائلاتهم وأن يكون قرارهم في العودة مرتبطاً بعودة العائلة بأكملها إلى مناطق سكنهم الأصلية. ويجب على الدول المستضيفة للاجئين والمجتمع الدولي المتمثل في الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، اتخاذ كافة التدابير اللازمة لمنع أية أنشطة تعيق العودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين، كما يجب أن تسعى تلك الدول والمنظمات لتقديم الدعم المادي والمعنوي لهم. معتبراً أنه من حق اللاجئين السوريين والنازحين السعي للحصول على أي نوع من المعلومات المتعلقة بظروف العودة والحصول عليها من جميع الأطراف. كما يحق لهم كذلك وبدون قيود نشر أي معلومات يحصلون عليها من أجل إبلاغ جميع الأطراف المعنية. ويحظر على جميع الأطراف الداخلية والخارجية فرض قيود تمنع الوصول إلى المعلومات المتعلقة بشروط العودة. ويجب على السلطات والمؤسسات المحلية والدولية المعنية تسهيل الوصول إلى المعلومات الدقيقة.
ملف صلب
رئيس مجموعة ملفات قيصر أسامة عثمان قال في مداخلة له “يؤسفني في الوقت ذاته، أننا للعام الحادي عشر على التوالي نجلس تحت الأضواء ونتبادل ابتسامات المجاملة اللطيفة. بينما يقبع عشرات الألوف من المدنيين السوريين رجالا ونساء واطفالا في سجون رطبة معتمة يراقبون بأعينهم كيف ينخر الدود عظامهم ويحفر جلودهم وجراحهم المتقيحة يوما بعد يوم، فقط لأن النظام في دمشق قرر أن يجعل رسائله للمجتمع الدولي مكتوبة بدماء السوريين”.
وأضاف: لقد انتهت الحرب العالمية الثانية منذ 77 عاماً، ولا تزال ملفات الضحايا مفتوحة إلى يومنا هذا ولم تتم مسامحة أي مجرم ارتكب جرائم ضد الإنسانية، فلماذا تسعى بعض الجهات لطي صفحة المحاسبة قبل أن تبدأ؟