نشأت شركة «أكوا باور» القابضة كشركة خاصة عام 2004 بعد السماح للقطاع الخاص السعودي بالعمل في مشروعات المرافق الكبرى للمياه والكهرباء. وبعد رحلة طويلة في تطوير أعمالها وتوسيع أسواقها، أصبحت الآن شركة عالمية رائدة في قطاعات تحلية المياه، ومحطات توليد الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح، وصناعة الهيدروجين الأخضر. وقد حصلت أكوا باور على دفعة قوية بدخول صندوق الاستثمارات العامة السعودي شريكا في رأس المال منذ عام 2018 وتوسيع مشاركة القطاع الخاص في العام الماضي. وتنتشر مشروعات «أكوا باور» حالياً في 13 دولة بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ووسط آسيا وجنوب شرق آسيا، كما تشارك في ترتيبات مشروع إمداد بريطانيا بالكهرباء بواسطة كابل بحري يمتد من المغرب ليربط أفريقيا بأوروبا. وتبلغ القيمة الاستثمارية لمشاريع الشركة القائمة فعلا حوالي 66.5 مليار دولار أمريكي، وتصل طاقتها الإنتاجية اليومية 42.7 غيغاواط من الكهرباء، و6.2 مليون متر مكعب من المياه المحلاة. وتعمل الشركة مع الدول المضيفة في مرحلة التشغيل وفق عقود شراء طويلة الأجل، بنموذج الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص.
وتمثل السعودية قاعدة الانطلاق الرئيسية وركيزة أعمال «أكوا باور» حيث تستهدف السعودية زيادة إنتاجها من الطاقة المتجددة إلى ما يعادل 50 في المئة من احتياجات استهلاك الكهرباء بحلول عام 2030. أما خارج السعودية فإن «أكوا باور» تنفذ مشروعات متنوعة في: سلطنة عمان، والبحرين، والإمارات، وأذربيجان، وأوزبكستان، وكوريا الجنوبية، وفيتنام، وتايلاند، وإندونيسيا، والأردن، وتركيا، وجنوب أفريقيا، ومصر. وهي تهدف لبدء تصدير الهيدروجين الأخضر من مشروعها الضخم في «نيوم» بحلول العام 2026. وتعود أهمية الهيدروجين الأخضر إلى أنه يعتبر حاليا مفتاح التحول العالمي من الوقود الاحفوري إلى الطاقة المتجددة، مع كل من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، حيث إن استخدامه لتوليد الكهرباء، لا يولد انبعاثات كربونية، وإنما ينتج عنه بخار الماء فقط، ما يجعله أنظف من الوقود الأحفوري (الغاز والنفط والفحم). وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا» أن يستحوذ الهيدروجين الأخضر على ما يقرب من 12 في المئة من استخدامات الطاقة على المستوى العالمي بحلول منتصف القرن الحالي. هذه النسبة قد ترتفع عن ذلك بكثير، مع تطور تكنولوجيا فصل الهيدروجين عن الماء، والنجاح في التوصل إلى طرق مبتكرة لتخزين الغاز ونقله وإعادة إطلاقه.
مشروع نيوم التصديري
تستهدف «أكوا باور» في العام المقبل تحقيق استثمارات بقيمة 13 مليار دولار، سيتم تمويل 10 في المئة منها ذاتياً، ونسبة مماثلة من الشركاء، في حين تتوقع تمويل نسبة ال80 في المئة المتبقية بقروض طويلة الأجل من خلال آلية تمويل المشاريع. ويعتبر مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر في مدينة «نيوم المستقبلية» أكبر وأهم مشروعات «أكوا باور» حتى الآن. وتبلغ قيمة الاستثمارات المقدرة له بحوالي 5 مليارات دولار، بالمشاركة مع شركة «نيوم السعودية» و «أير برودكتس» الأمريكية. ويهدف المشروع لإنتاج 650 طنا من الهيدروجين الأخضر يوميا، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء منه، وبدء التصدير في عام 2026. وبذلك سيكون مشروع نيوم هو المشروع السعودي الأول لتصدير الهيدروجين الأخضر، وواحد من أكبر المشاريع في العالم، بطاقة إنتاج سنوية تصل إلى 240 ألف طن. كما تستهدف «أكوا باور» وشركاؤها استخدام الهيدروجين في صناعة الأمونيا السائلة بكمية تصل إلى 1.13 مليون طن سنويا. وللأمونيا استخدامات صناعية متعددة من أهمها صناعة الأسمدة.
أكوا باور في كوريا الجنوبية
تتطور العلاقات الاقتصادية بقوة بين السعودية وكوريا الجنوبية، خصوصا في ثلاثة مجالات رئيسية هي الطاقة المتجددة، والصناعات الهندسية، والاستثمارات في مدينة نيوم. وقد سجلت الزيارة الأخيرة لولي العهد السعودي نقلة كبيرة في مستوى التعاون المشترك، حيث تم توقيع 26 اتفاقية ومذكرة تفاهم، بشأن عدد كبير من المشروعات، تصل قيمتها إلى 30 مليار دولار، أهمها إقامة مصنع ضخم للهيدروجين الأخضر والأمونيا في مدينة ينبع السعودية بطاقة إنتاجية تبلغ 1.2 مليون طن سنويا، بتكلفة استثمارية تبلغ 6.5 مليار دولار. ومن المتوقع أن يبدأ العمل في إنشائه عام 2025 على أن يبدأ الإنتاج عام 2029.
وكانت شركة «أكوا باور» قد وقعت منذ أسابيع مذكرة تفاهم مع شركة الطاقة الكهربائية الكورية «كيبكو» لتطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر ومشتقاته من الأمونيا الخضراء، وذلك في إطار الإستراتيجية الكورية لإنتاج حوالي 20 في المئة من احتياجاتها من الهيدروجين الأخضر محليا. يهدف المشروع إلى فصل غاز الكربون من عمليات توليد الطاقة التي تنتجها «كيبكو» في كوريا الجنوبية، وتعتزم الشركة الكورية استخدام المنتج النهائي من الهيدروجين الأخضر لتشغيل محطات الطاقة المحلية المملوكة لها.
ويغطي التعاون بين البلدين مساحة مهمة في قطاع الصناعات الأساسية، حيث كان صندوق الاستثمارات العامة السعودي، المالك الرئيسي لشركة «أكوا باور» قد وقع في بداية العام الحالي مذكرة تفاهم ثلاثية مع شركتي «سامسونغ» و«بوسكو» الكوريتين، لتطوير مشروع لإنتاج الهيدروجين الأخضر يخصص إنتاجه للتصدير. وبموجب مذكرة التفاهم يتم إجراء دراسات جدوى لتطوير المشروع، حسب تقرير أصدرته منظمة «أوابك» في شهر أيار/مايو الماضي. وكان صندوق الاستثمارات العامة السعودي قد استحوذ، في عام 2015 على 38 في المئة من أسهم شركة «بوسكو» إحدى أكبر الشركات المنتجة للصلب في كوريا الجنوبية، التي تسعى لأن تصبح ضمن أكبر 10 منتجين للهيدروجين في العالم، بطاقة إنتاج تصل إلى 7 ملايين طن سنويا، بحلول عام 2050.
شراكة محورية
في آسيا الوسطى
من خلال المشاركة في الأعمال الكبرى للبنية الأساسية في آسيا الوسطى، توسعت «أكوا باور» في مشروعات توليد الطاقة النظيفة لتغذية شبكات الكهرباء، في كل من أوزبكستان وأذربيجان، مما فتح الباب لإقامة شراكات إقليمية مهمة مع مؤسسات كبرى، مثل صندوق طريق الحرير الصيني، الذي يمول عددا كبيرا من مشروعات البنية الأساسية عبر آسيا إلى أوروبا، والبنك الأوروبي للإعمار والتنمية، الذي خصص جزءا مهما من محفظته التمويلية لمشروعات الطاقة المتجددة.
وتعتبر أوزبكستان ثاني أكبر محفظة استثمارية لمشروعات الطاقة المملوكة للشركة حول العالم، حيث توجد لها أربعة مشروعات لتوليد الطاقة هناك، بقدرات تتراوح بين 100 ميغاواط إلى 1.5 غيغاواط، وتكاليف استثمارية تتراوح بين 108 ملايين دولار إلى 2.4 مليار دولار. وقد وقعت الشركة في اب/أغسطس الماضي اتفاقية تعاون استثماري جديدة مع حكومة أوزبكستان بقيمة 10 مليارات دولار، تضمن لها فرص المشاركة في تنفيذ استراتيجية الطاقة المستقبلية التي تستهدف زيادة قدرة البلد على إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتصل إلى 8 غيغاواط بحلول العام 2026. وفي شهر أيلول/سبتمبر الماضي دخل الصندوق الصيني شريكا في مشروع «سيرداريا» المملوك لـ «أكوا باور» في أوزبكستان، من خلال شركته «سي في إكس إف» بنسبة 49 في المئة، في صفقة بلغت قيمتها 130 مليون دولار. وبذلك أصبحت الصين واحدا من الممولين الرئيسيين للمشروع. وستكون الشبكة الكهربائية الوطنية في جمهورية أوزبكستان هي المستفيد الحصري من المشروع لمدة 25 عاماً، ومن المتوقع إتمامه وبدء الإنتاج في أوائل العام 2024.
وإلى جانب أوزبكستان يمتد نشاط «أكوا باور» إلى أذربيجان، حيث بدأت في بناء محطة «خيزي-أبشيرون» لتوليد الطاقة من الرياح، شمال العاصمة باكو، التي تصل طاقتها الإنتاجية إلى 240 ميغاواط. ومن المتوقع تشغيلها في العام المقبل، وتبلغ تكاليفها الاستثمارية حوالي 300 مليون دولار.
الربط الكهربائي
بين أفريقيا وأوروبا
يعتبر مشروع الربط الكهربائي بين أفريقيا وأوروبا عن طريق المغرب أحد أهم المشروعات العالمية الطموحة التي تشارك فيها «أكوا باور». ويهدف المشروع إلى إمداد بريطانيا بالكهرباء عن طريق مد كابل بحري بواسطة شركة «إكس لينكس» هو الأطول في العالم (3800 كم)، بطاقة تبلغ 3.6 غيغاواط، بما يغطي احتياجات الاستهلاك لحوالي 7 ملايين منزل في بريطانيا، حسب تصريحات أدلى بها كل من ديفيد لويس؛ الرئيس السابق لشركة «تيسكو» أحد مؤسسي «إكس لينكس» وبادي بادماناثان، الرئيس التنفيذي لشركة «أكوا باور». وتصل التكلفة الاستثمارية للمشروع، الذي يعتمد على توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في المغرب، إلى 22 مليار دولار. ولا يقتصر المشروع على مد الكابل البحري فقط، وإنما يتضمن أيضا إقامة مصانع لإنتاج الكابلات، اعتمادا على ثروة المغرب من المعادن، وإقامة محطة ضخمة لتخزين الطاقة المولدة من محطات إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بقدرة تخزين تصل إلى 5 غيغاواط، إضافة إلى خطوط للربط حتى موقع انطلاق الكابل البحري، الذي من المتوقع أن يبدأ مده في عام 2025 على أن تكتمل مرحلته الأولى بعد ذلك بعامين، كما يرتبط المشروع كذلك بإقامة مرافق الاستقبال والربط مع الشبكة القومية الموحدة في بريطانيا عام 2029.
ومن المتوقع البدء في أعمال المشروع بمجرد الانتهاء من ترتيبات التمويل في العام المقبل. وستكون بريطانيا هي المستفيد الحصري من خط «إكس لينكس» اعتمادا على مصادر الطاقة المتجددة الوفيرة في المغرب، حيث تعتزم «إكس لينكس» إنتاج ما يصل إلى 10.5 غيغاواط باستخدام طاقة الشمس والرياح. وتسعى الشركة المنتجة للاتفاق مع الحكومة البريطانية على سعر تقريبي للكهرباء بواقع 48 جنيها لكل ميغاواط/ساعة، وهو ما يقرب من نصف السعر المتفق عليه بين الحكومة وبين شركة المفاعل النووي «هينكلي-C» الذي تملكه شركة الكهرباء الفرنسية في بريطانيا. ورغم أن شركة «أوكتوبوس» البريطانية للطاقة، التي تخدم 3.1 مليون مستهلك قد انضمت إلى قائمة ممولي «إكس لينكس» إلا أن المشروع قد يواجه صعوبات شديدة بعد أن أعطى وزير الخزانة البريطاني جيرمي هانت، يوم الخميس الماضي، الضوء الأخضر لمشروع المفاعل النووي.
إن قصة نجاح «أكوا باور» تكشف إلى أي حد يستطيع القطاع الخاص في العالم العربي أن يتحول إلى كيانات عالمية قادرة على كسب معركة المنافسة، عندما يتخلص من القيود والمعوقات. القطاع الخاص ليس في حاجة للدعم أو الوصاية. القطاع الخاص في حاجة إلى الحرية.