هل أجّلت قمة العشرين الصراع بين واشنطن وبكين؟

خطف لقاء الرئيسين الأمريكي جو بايدن والصيني شي جي بينغ، الأضواء المُسلّطة على قمة العشرين التي عُقدت الأسبوع الماضي في إندونيسيا، بل تفاجأ المراقبون من سلوك الرئيس الأمريكي الذي قدم مهرولا إلى الرئيس الصيني، مادا يده إليه مع ابتسامة عريضة ومصافحة حارة ولهجة مهادنة. بينما بقي الرئيس شي واقفا في مكانه.
وتُقرأ كل هذه على أنها مؤشرات إيجابية من الطرف المُبادر في الأعراف الدبلوماسية. وإذا ما علمنا بأن بايدن عند وصوله إلى الحكم، كان قد صنّف الصين في عالم السلطات الاستبدادية، فإن تصرفاته في هذا اللقاء أصبحت مثارا للكثير من الأسئلة. فهل أراده بايدن لقاء استعراضيا؟ أم بداية صفحة جديدة بين البلدين؟ ما المطلوب أمريكيا من الصين في الحرب الأوكرانية الروسية؟ وما الذي يمكن أن تقدمه واشنطن لبكين في سبيل إعادة بناء الثقة بعد أزمة تايوان؟
لا شك بأن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين قد وصلت إلى أدنى مستوى لها، خاصة بعد زيارة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي إلى تايوان. لكن التمعن في ما قاله بايدن (أنا متأكد من أنه ليس هنالك حاجة إلى حرب باردة جديدة)، تدفع بفكرة أن هنالك مصلحة مشتركة بين واشنطن وبكين إلى أمام. وبالتالي يمكن القول، إن التأزم في العلاقات عرضي وليس مرضيا، في الوقت الحاضر، وإن إدارة التنافس هو مطلب يحرص عليه الطرفان. كما يبدو أن الولايات المتحدة بات لديها يقين، بأن النظام الدولي سائر لا محالة باتجاه ثنائية قطبية أمريكية صينية، وليس تعددية قطبية تشمل روسيا وأوروبا. وأن القرار في واشنطن هو، لا حاجة لأن تكون هذه الثنائية القطبية تصادمية، فبغض النظر عن الخلافات والتنافس بين الطرفين، هنالك شبه تكامل اقتصادي بينهما على مستوى الثروة. فالثروة الصينية جزء كبير منها بعملة الدولار، والدين الأمريكي بالدولار أيضا. وهذا يؤسس لمصلحة مشتركة بينهما وهي الحفاظ على الاستقرار الدولي. لذلك يمكن القول بأن لقاء بايدن وشي، وضع اللبنات الأولى والأساسية، لإعادة منصة الحوار والثقة بين أمريكا والصين، والدفع باتجاه إدارة التنافس بشكل إيجابي على المدى القريب، وربما المتوسط والبعيد أيضا. ويأتي كل هذا وفق نظرية قائمة في العلاقات الدولية تقول، بأن العجز عن حل الخلافات ليس معناه حتمية الحرب، بل يمكن إدارة الصراع باتجاه تنفيس الاحتقان السياسي. فهل معنى هذا أن الصين قد تتخلى عن فكرة استعادة تايوان؟

النظرية القائمة في العلاقات الدولية تقول، بأن العجز عن حل الخلافات ليس معناه حتمية الحرب، بل يمكن إدارة الصراع باتجاه تنفيس الاحتقان السياسي

إن قضية تايوان هي بؤرة الخلاف الكبير بين أمريكا والصين، وإعادتها إلى الوطن الأم ليست رغبة، بل عقيدة شيوعية بالنسبة للحزب الحاكم. كما أن الاستعادة ليست مقتصرة على تايوان وحسب، بل كل الأراضي التي تم الاستيلاء عليها من الصين في الماضي، مثل هونغ كونغ ومكاو. وهذه العودة مقررة لدى صانع القرار، سواء بالطرق السلمية أو الطرق العسكرية، لكنها مؤجلة لحين توفر الظروف السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، ما يعطي فكرة بأن الصدام حتمي لكنه مستقبلي، لأن الحزب الحاكم يعتمد في شرعيته على التنمية الاقتصادية، وضرورة أن تكون الصين دولة قوية اقتصاديا، في حين تقوم السياسة الأمريكية على احتواء الصين اقتصاديا. عليه يمكن القول بأن الصدام بين الطرفين مؤجل، ولكن من خلال هذا التأجيل يمكن تنفيس هذا الانسداد، خاصة في القضية التايوانية، ويبدو أن هذا هو المسعى الأمريكي في الوقت الحاضر.. لماذا؟ لأن واشنطن غير راغبة في إغضاب بكين، وهي لا تريد الذهاب إلى صراع مع ثاني اقتصاد في العالم، وثاني إنفاق عسكري في العالم. فالانزلاق في هذا التيه له تداعيات كبرى على الولايات المتحدة نفسها وعلى العالم أجمع، بما فيه الصين نفسها. نقطة أخرى تضاف إلى هذه المحاذير هي، أن واشنطن حذرة من أن تدفع سياساتها بكين إلى أحضان موسكو، بينما هي تعمل جاهدة على إفساد المحور الروسي الصيني وإبعاد الصين. فهل طلب بايدن من تشي تغيير موقفه من روسيا والحرب الأوكرانية؟
يجدر القول إن كلا من الصين والهند رغم عدم إدانتهما لروسيا في غزوها للأراضي الأوكرانية، لكنهما أكدتا في أكثر من محفل دولي، أن المسألة لا بد أن تحل سلميا. وفي قمة منظمة شنغهاي كان موقفهما متميزا في الطلب من روسيا العمل على وقف الحرب. أما في قمة العشرين الأخيرة فكان موقف بكين أكثر وضوحا من قبل، عندما أكد الزعيم تشي الحاجة إلى التوصل إلى حل سلمي على اساس الشرعية الدولية. ولان هذا هو المطلب الأمريكي أساسا، فيمكن القول بأن بايدن ربما تمنى على تشي أن يكون موقف الصين من هذه المسألة أكثر وضوحا من قبل، فجاء هذا التصريح. وهنا لا بد من القول بأن من مصلحة بكين عدم توسع الحرب، لذلك لم نشهد لحد الآن وجود أسلحة صينية دخلت الحرب الأوكرانية. هذا يعني بأن الصداقة الصينية الروسية غير المحدودة تقف عند حدود المصالح العليا للصين. ربما تريد الصين لهذه الحرب أن تكون وفق توقيتاتها، وليس وفق توقيت موسكو. كما أنها تعرف جيدا بأن المستفيد الوحيد من هذه الحرب هي الولايات المتحدة، بينما تم تهميش أوروبا ولم يعد لها وجود في القاموس الاستراتيجي، لذلك هي اتخذت قرارا بعدم تأييد هذه الحرب. يقينا أن زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي إلى تايوان، قد قطعت آخر خيوط الوصل والثقة بين بكين وواشنطن. لذلك كانت الصين تنتظر اللقاء بين تشي وبايدن، لترى ما الذي يمكن أن تقدمه واشنطن لإعادة بناء الثقة. ويبدو أن تعامل بايدن مع تشي كان مختلفا تماما عن تعامل الرئيس السابق ترامب مع تشي، كما أن واشنطن أعطت الصين صورة إيجابية بأنها تسعى للبناء التدريجي للعلاقات وعودة الثقة والتنسيق، خاصة أن وزير الخارجية الأمريكي بلينكن سيتوجه قريبا إلى الصين، لإتمام المشاورات مع الجانب الصيني. هذا ربما أعطى الصين فكرة بأن واشنطن تسعى لعلاقة مع الصين، قائمة على إمكانية توظيف الاحترام المتبادل من أجل الحديث عن شراكة في إطار التنافس، لذلك جاء تصريح الرئيس الصيني بالقول إن (بلاده مستعدة للعمل مع الولايات المتحدة الأمريكية لحل قضايا العالم الاستراتيجية). يبدو واضحا أن الجانب الأمريكي هو المتحمس أكثر لبناء الثقة مع الصين، لذلك سنرى الخطوات الأولى ستكون أمريكية أكثر، لأن الخطوات الأولى في التهجم على الصين كانت أمريكية.
كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    لا يمكن للصين أن تقف خارج الفلك الأمريكي !
    يكفي الحصار الإقتصادي , كما هو حاصل ضد روسيا !! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    هناك غواصات نووية أمريكية ببحر الصين , بإمكان صواريخها محو الصين من الخريطة !
    هناك أيضاً حلف إنجلو ساكسوني بالمنطقة (أوستراليا , نيوزلندا بريطانيا , كندا , أمريكا) !!
    سر هذا التخفيض الإعلامي الآن هو :
    بسبب الولاية الثالثة للرئيس الصيني ونجاحه بإبعاد منافسيه !!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول الياس الجزائر:

    السلام عليكم..أمريكا ليست الاه العالم..أمريكا دولة تهوى ببطء و لكن بدون القدرة على وقف هذا الهبوط المحتم..إنها سنة الحياة التي جعلها الله سارية في مخلوقاته..فكل قوة آءلة إلى الضعف ثم الاندثار..ففي قوله عز اسمه إشارة واضحة لهذا المعنى: (“‘ الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا و شيبة يخلق ما يشاء و هو العليم القدير..'”)..و في صحيفة التاريخ و منذ بدأ الخليقة ،تسري هذه السنن,بلا توقف او محاباة،بل عمر الإمبراطوريات الظالمة و المتجبرة قصير و لو بدا طويلا للادمي الضعيف.. فالبقاء لله وحده..و السلام على من اتبع الهدى..

إشترك في قائمتنا البريدية