طرابلس – «القدس العربي»: رغم الركود الذي تمر به العملية السياسية في ليبيا والانقسام الذي وقعت فيه البلاد، ما زالت بعض الجهات الفاعلة في البلاد تحاول طرح مبادرات لحل الأزمة، ورغم عدم تعامل المسؤولين مع هذه المبادرات بشكل جدي لكنها تبقى خطوة إيجابية تحسب لمجتمع الفاعلين في ليبيا.
آخر هذه المبادرات تبنتها 120 شخصية ليبية، بينهم أعضاء في مجلسي النواب والدولة، وتنفيذيون وأعضاء مجالس بلدية وقضاة ونشطاء وأعيان، وكان الغرض منها تحريك البيئة السياسية الراكدة، فضلاً عن منع الساعين إلى الحفاظ على الوضع الراهن من خطف العملية الانتخابية.
وفي بيان أصدره الموقعون على المبادرة، قالوا: «منذ 2014، وعلى مدى ثماني سنوات لم يُسمح لليبيين باختيار قياداتهم السياسية، ولم تفلح اتفاقات تقاسم السلطة في الصخيرات وجنيف في تحقيق أي من وعودها سواء فيما يتعلق بتفادي الصراع أو توحيد المؤسسات أو إجراء الانتخابات، وانهارت خلال عام من إنشائها، والنتيجة المؤلمة هي خمس حكومات، بما في ذلك حكومات متوازية وأربعة حروب راح ضحيتها ما يقارب من 10 آلاف ليبي».
وتابع الموقعون على المبادرة أنه «حان الوقت لاستعادة الليبيين حقهم في اختيار قادة جدد وصنع غدٍ أفضل، مشيرين إلى ثلاثة دروس حاسمة قدمها «اتفاق تونس – جنيف لتقاسم السلطة» الذي انهار بعد إلغاء الانتخابات التي كانت مقررة في 24 كانون الأول/ ديسمبر 2021، وتشكيل حكومة موازية.
وقال الموقعون على المبادرة إن الدروس الثلاثة الحاسمة المستفادة من اتفاق تونس – جنيف لتقاسم السلطة هي «نجاح منتدى الحوار السياسي الليبي، عندما أوكلت له المهمة حصرياً وفي غياب مصلحة له في الحفاظ على الوضع الراهن، في الوصول لخارطة طريق واختيار سلطة تنفيذية موحدة، بينما أدى تهمیش دوره بخصوص الإطار الدستوري والقانوني للعملية الانتخابية إلى إفشالها بالكامل».
وتابع الموقعون أن الدرس الثاني تمثل في أنه «لا قيمة حقيقية لوعود بانتخابات في موعد لاحق مقابل سلطة تنفيذية جديدة، وأكد أن عملية انتخابية مستقلة مقترنة بمساعدة دولية أكثر فعالية هي أمر حيوي لضمان إجراء الانتخابات في موعده».
وأضافوا أن الدرس الثالث يتمثل في أهمية الدستور، حيث إنه دون دستور ومؤسسات تشريعية وقضائية يمكنها كبح جماح رئيس لاحتكار السلطة، تصبح الانتخابات الرئاسية بين مرشحين مثيرين للانقسام ومستقوين بالسلاح استباقاً للعملية الدستورية ووصفة للصراع.
وشددوا على المبادرة أن الليبيين سئموا عملية سياسية لم يعد فيها رجاء، مذكرين بتسجيل ما يقرب من 3 ملايين ناخب، بالإضافة إلى أكثر من 5 آلاف مرشح يتنافسون على 200 مقعد تشريعي، مضيفين أنه «وعلى عكس المسابقات الرئاسية التي يظفر فيها الفائز بكل شيء، تسمح الانتخابات التشريعية للجميع بالمشاركة في السلطة، وتعزيز السلوك التوافقي».
وقدم الموقعون من خلال هذا البيان مبادرة لتحريك البيئة السياسية الراكدة، ومنع الساعين إلى الحفاظ على الوضع الراهن من اختطاف العملية الانتخابية، وتضمنت 4 نقاط من أجل إيجاد صيغة مناسبة لتمثيل البلديات والأحزاب والأعيان في منتدى الحوار السياسي وتكليفه حصرياً.
وجاء في النقطة الاولى «اعتماد الإعلان الدستوري وقانون الانتخابات رقم (4) لسنة 2012 كأساس دستوري وقانون للانتخابات على التوالي».
كما طالب الموقعون في النقطة الثانية «بطلب المساعدة الدولية في الإشراف على الانتخابات كما هو محدد في سياسة الأمم المتحدة بشأن مبادئ وأنواع المساعدة الانتخابية».
وأضافوا أنهم يطالبون بتوفير الضمانات لاستقلالية وفعالية المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، وفي مقدمتها عدم خضوعها لأي من سلطات الأمر الواقع القائمة حالياً.
ودعا الموقعون إلى ضمان «منع تدخل سلطات الأمر الواقع، سواء منها التنفيذية أو التشريعية في الانتخابات، ومعاقبة كل من يعرقلها بأي صورة من الصور».
ولفت الموقعون على المبادرة إلى أن الانتخابات التشريعية قد لا تكون هي العصا السحرية لمعالجة الأزمة، لكنها ضرورية للخروج من هذا المستنقع السياسي، وهي عملياً قابلة للتحقيق في ظل استمرار الفترات الانتقالية والصراعات التي لا نهاية لها على مدى السنوات الثماني الماضية، والتي عانت خلالها ليبيا مع استمرار المؤسسات والسياسيين أنفسهم في إرجاء الانتخابات والتشبث بالسلطة.
وطالب الموقعون على المبادرة جميع الأطراف إلى احترام حقوق الليبيين في اختيار قادتهم من خلال انتخابات تشريعية توفر لها كل الإمكانات والظروف المناسبة كخطوة أولى ومحورية لعملية سياسية متجددة، محذرين من عواقب وخيمة وتصعيد للعنف السياسي إذا جرى تجاهل هذه الحقوق، وفق نص المبادرة.
وفي الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر، طالب 50 عضواً بالمجلس الأعلى للدولة، مكتب رئاسة المجلس بأن تكون الأولوية للتفاوض مع مجلس النواب للقاعدة الدستورية والقوانين الانتخابية وموعد إجراء الانتخابات، مشددين على ضرورة اعتماد هذه التراتبية في الجلسة المقبلة للمجلس.
جاء ذلك في رسالة وجهها الأعضاء الـ 50 إلى مكتب رئاسة المجلس الأعلى للدولة، الأحد، رتبوا فيها أولويات التفاوض مع مجلس النواب في إطار العملية السياسية.