واشنطن بوست: ما بين مغازلة الديمقراطيات لنظام بيغاسوس وتحذير كيسنجر من تدمير الذكاء الاصطناعي للبشرية

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”: انتقدت صحيفة “واشنطن بوست” ما أسمتها “مغازلة” الديمقراطيات ببرمجيات التجسس التي ترفع من المخاطر على الحريات.

وقالت في افتتاحية بهذا الشأن: “لو أرادت الولايات المتحدة الحد من انتهاك الحكومات حول العالم لبرمجيات التجسس، فيجب عليها مراقبة سلوكها أيضا. وهذا ما يجعل التقرير الذي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” عن مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) الذي كاد أن يستخدم واحدا من أكثر وسائل القرصنة إثارة للجدل”. وأشارت الصحيفة إلى أن “نيويورك تايمز” فحصت عددا من الوثائق الداخلية وسجلات المحكمة حول تصرفات “أف بي آي” ومحاولة شراء بيغاسوس، وهي البرمجية التي أنتجتها الشركة الإسرائيلية “أن أس أو” ولديها القدرة على اختراق الأجهزة بدون أي نقرة من الجهاز المستهدف.

وتعلق الصحيفة أن الكشف يثير أسئلة حول ما قدمه مدير “أف بي آي” كريستوفر إي ري، في جلسة مغلقة العام الماضي للمشرعين. وزعم أن وكالته اشترت التكنولوجيا من أجل البحث والتطوير، و”محاولة معرفة كيف سيقوم الأشرار باستخدامه، مثلا”، إلا أن القصة الحقيقية تبدو مثيرة للقلق الكبير، ذلك أن عملاء الجهاز اعتقدوا، كما كشفت الوثائق، بإمكانية لعب البرنامج دورا في التحقيقات الجنائية. وكان قرار “أف بي آي” عدم المضي قدما وشراء البرنامج مطمئنا، ولكن إلى حد معين؛ لأن القرار جاء بعد تحقيق نشرته “واشنطن بوست” ومؤسسات إعلامية أخرى، كشفت عن استخدام أنظمة ديكتاتورية وديمقراطية على حد سواء، تكنولوجيا بيغاسوس للتجسس على مواطنيها، بمن فيهم صحافيين ومعارضون، وكان الصحافي السعودي جمال خاشقجي واحدا منهم. وكانت إدارة بايدن مصيبة بإضافة شركة “أن أس أو” إلى القائمة السوداء للشركات التي يحظر عليها تلقي التكنولوجيا الأمريكية.

والمشكلة هي أن القصة لم تنته هنا، فغزل “أف بي أي” مع برنامج التجسس لم يتوقف. فهناك مبررات لاستخدامه، نظريا، لوقف الإرهابيين أو تفكيك عصابات المخدرات. ومن الناحية العملية، فقد استخدمته حتى ديمقراطيات لكي تلتف على نطاق قوانينها ودساتيرها.

ولأن التكنولوجيا تقفز على حدود الأعراف والقيود القانونية، فإن مهمة الولايات المتحدة وبقية الديمقراطيات هي التأكد من أن شراء أو استخدام برنامج تجسس من طرف ثالث بطريقة لا تقوض الحريات المدنية حول العالم، علاوة على تعريض مصالح الأمن القومي للخطر. والقيام بهذه المهمة ليس سهلا ولكنه ضروري. فتجربة “أف بي آي” لشراء بيغاسوس تؤكد على سلبيات شراء هذه الأدوات الخارقة للخصوصية. ونفس النقاش ينسحب على الولايات المتحدة،  فمن حقها التعرف على التكنولوجيا الجديدة المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان.

وكان جو بايدن حكيما عندما وضع الشركة على القائمة السوداء، وبالتالي رفع مستوى المواجهة مع مرتزقة صناعة برامج التجسس. وهي بحاجة لعمل لنهج أكثر شمولية. وعلى الولايات المتحدة العمل مع الدول التي تشاركها القلق، ومنع استيراد بيغاسوس من أي دول لديها سجل واضح في انتهاكات حقوق الإنسان أو ليس لديها إطار لمنعها. ومنع تصديرها أيضا من الدول التي تسمح باستخدام منتجاتها من منتهكي حقوق الإنسان حول العالم. وهذا يعني تقديم الولايات المتحدة استراتيجية واضحة حول كيفية منع استخدام برامج التجسس. وهناك حاجة لوضع خريطة طريقة لكيفية استخدام قوى حفظ النظام للبرامج بطريقة لا يتم فيها التجسس على المواطنين الأمريكيين.

والشفافية مهمة إلى جانب الحوار والحصول على موافقة من المشرعين على شراء البرامج، وأي منها يتم استخدامه. وعلى الرأي العام معرفة الطريقة التي يتم فيها استخدام برامج التجسس هذه. ولا بد من وضع حدود على طريقة استخدامها وحصرها في القضايا التي تهم الأمن القومي ومنع الإرهاب المحلي. ومع كل هذه المحددات، يجب على الولايات المتحدة الموازنة بين ما ستحصل عليه منافع لو قامت بشراء هذه البرامج من الخارج. وهناك مخاطر من أن الولايات المتحدة لو اشترت البرامج هذه، وحتى من لاعبين يتحلون بمسؤولية، تمنحها الشرعية وللصناعة التي تحاول الدفع بحدود الرقابة إلى مجالات لا نهائية. فالدول التي يتوقع أن تستغل انتشار هذا النوع من التكنولوجيا هي الدول، مثل أمريكا ممن لديها قدرات داخلية تستطيع منافسة ما تقدمه “أن أس أو” أو أكثر. وبالمقارنة، فالدول التي قد تستخدم هذه التكنولوجيا بطريقة عدوانية وقاسية هي تلك التي ليست لديها قدرات مهمة في التجسس. والمهم في كل هذا، أن قوى حفظ النظام مطالبة بالتفكير مليا قبل أن تقرر شراء واستخدام برنامج التجسس، وكذا الدول الأخرى.

الذكاء الاصطناعي

وذكر الكاتب ديفيد إغناطيوس بمقال نشرته “واشنطن بوست” حول مخاطر الذكاء الاصطناعي الذي أصبح بمثابة هوس للسياسي الأمريكي هنري كيسنجر، وهو الذي قضى معظم حياته محذرا من مخاطر الأسلحة النووية.

وفي سن الـ99 عاما، أصبح همّ كيسنجر، هو كيفية تحديد من المخاطر التدميرية للذكاء الاصطناعي والذي قد تكون قوته أكبر من أي قنبلة. ووصف كيسنجر الذكاء الاصطناعي بالجبهة الجديدة للتحكم بالسلاح، وذلك في كلمة ألقاها في كاتدرائية واشنطن الوطنية يوم 16 تشرين الثاني/ نوفمبر. وقال إنه في حالة لم تتوصل القوى الرئيسية إلى طرق للحد من مدى الذكاء الاصطناعي “فسيكون ببساطة سباقا مجنونا نحو الكارثة”.

وجاء التحذير من كيسنجر، الذي يعد من أهم الساسة والمنظرين الإستراتيجيين في العالم، كإشارة على مظاهر القلق العالمي حول قوة “الآلات المفكّرة”، حيث تتفاعل مع الحرب والتجارة والمال. وعبّر عن نفس مظاهر قلق كينسنجر، المشارك الآخر في الندوة، إريك شميدت، المدير التنفيذي السابق لغوغل، ورئيس اللجنة الوطنية حول الذكاء الاصطناعي في الكونغرس، التي أصدرت تقريرها العام الماضي، إلى جانب المشاركة الثالثة وهي آن نيوبرغ، مستشارة الرئيس جو بايدن لشؤون السايبر والتكنولوجيا الصاعدة.

وحذر كيسنجر من أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تستطيع تغيير الحروب لأن لديها ألعاب شطرنج أو غيرها من الألعاب الإستراتيجية، ولأنها قادرة على القيام بتحركات لا يفكر بها الإنسان نظرا لتداعياتها المدمرة. ويقول كيسنجر: “ما أتحدث عنه هو طرح أسئلة مشروعة نطرحها عليها، فإنها تتوصل لنتائج ليست بالضرورة كنتائجنا وعلينا العيش في عالمها”. وأضاف: “نحن محاطون بالكثير من الآلات التي لا نعرف تفكيرها الحقيقي”، مضيفا: “كيف يمكنك بناء قيود على الآلة؟ حتى اليوم لدينا مقاتلات تستطيع القتال في حروب جوية بدون تدخل إنساني. ولكنها بداية هذه العملية. إنها مدارسة لطريق طوله 50 عاما وسيكون محيرا للعقول”.

ودعا كيسنجر الولايات المتحدة والصين، عملاقيْ التكنولوجيا، للتباحث من أجل وضع محددات أخلاقية حول الذكاء الاصطناعي. وربما بدأ الحوار بالرئيس جو بايدن، لإخبار نظيره الصيني شي جينبنغ: ” لدينا الكثير من البرامج للنقاش، لكن هناك برنامج ملحّ، وأنا وأنت وفي وضع استثنائي نستطيع تدمير العالم بقراراتنا حول هذا (الحرب التي يحركها الذكاء الاصطناعي) ومن المستحيل الحصول على نفع من طرف واحد. ولهذا، فيجب علينا البدء بالمبدأ رقم واحد، وهو أننا لن نخوض حربا تكنولوجية ضد بعضنا البعض”.

وربما بدأ القادة الأمريكيون والصينيون حوارا حول الأمن التكنولوجي، وتوقيع اتفاق “لخلق مؤسسات صغيرة نسبيا بهدف إخبار القادة الوطنيين حول المخاطر، تكون على تواصل لإخبار كل طرف حول كيفية تخفيف المخاطر”، كما قال كيسنجر.

ورفضت الصين أي مفاوضات حول التحكم بالسلاح النووي كذلك الذي أجراه كيسنجر مع السوفييت أثناء عمله في مجلس الأمن القومي ووزير للخارجية. ويقول المسؤولون الأمريكيون إن الصينيين لن يوافقوا على مناقشة الحد من السلاح النووي حتى يكونوا في مستوى التكافؤ مع الولايات المتحدة وروسيا التي حدّت من أسلحتها عبر سلسلة من الاتفاقيات مثل “سالت 1972” التي تفاوض عليها كيسنجر.

ويرى إغناطيوس أن تغير القوة العالمية للذكاء الاصطناعي أصبحت شغل كيسنجر الشاغل في تسعينياته، إلى جانب شميدت كمرشد له. وكتب الاثنان العام الماضي كتابا بالتعاون مع البروفسور في معهد ماساتشوستس التكنولوجي (أم أي تي): “عصر الذكاء الاصطناعي: ومستقبلنا الإنساني” ووصفوا فيه الفرص والمخاطر من التكنولوجيا الجديدة. وكان أول تعليق لكسينجر حول الموضوع في مجلة “ذي أتلانتك” عام 2018: “كيف سينتهي التنوير؟”، ولخص العنوان بـ”فلسفيا وفكريا وبكل الطرق، الإنسان غير جاهز لصعود الذكاء الاصطناعي”.

وقارن كيسنجر في كلمته امام الكاتدرائية الوطنية، بين الخطر النووي والذكاء الاصطناعي، قائلا إن الأسلحة النووية “ليست لديها قدرة ( الذكاء الاصطناعي) لتشغيل نفسها بناء على تفكيرها/ مفهومها، وتفكيرها الخاص، الخطر أو اختيار أهداف”. وسئل إن كان متفائلا حول قدرة الإنسانية على تحديد القدرات التدميرية للذكاء الاصطناعي عندما يستخدم في الحروب، أجاب: “أحتفظ بتفاؤلي من ناحية أننا لو لم نحل المشكلة فستدمرنا فعليا، وليس لدينا أي خيار”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية