كان المونديال هذه المرة فرصة لأن أشاهد «بي إن سبورتس»، لا سيما قنواتها المفتوحة، وقد أصبحت شبكة لا قناة، ودولة لا محطة تلفزيونية، فمنذ أن لعبت مباراة الاعتزال في نهاية السبعينيات، لم تعد لي اهتمامات كروية، وذلك من أيام أن كان نجوم الملاعب الكباتن: بيبو، وشطة، ومختار مختار، وحسن شحاتة، ونجم التعليق كابتن لطيف، صاحب المقولة التراثية: «الكرة أجوان»، يقصد أهدافاً، فلا معنى للحديث عن فريق لعب أفضل من الآخر وخرج من المباراة يجر خلفه أذيال الهزيمة! وحتى قبل اعتزالي للملاعب، لم يحدث أن شاهدت مباراة كاملة، ونفس الأمر في الفترة القصيرة، التي شجعت فيها نادي الزمالك، مدفوعاً بالانحياز للأقليات، فقد بدت لي مدرسة محمد فريد الإعدادية في جهينة، وكأن كلها أهلاوية، إلا «صلاح»، الذي كان زميلي في نفس السنة الدراسية، ولأن المباريات كانت عصر يوم الجمعة، فيكون يوم السبت مناسبة أسبوعية لأن يحيط الطلاب بزميلنا «صلاح»، ويدخلون معه في مناظرات حادة، في عام بدا لي أن ظروف الزمالك لم تكن مواتية فيه. ويرد عليهم بحدة تضيع وسط هذه الأصوات الهادرة، ومن المؤكد أن هناك مشجعين غيره للزمالك، لكنهم كانوا في مرحلة استضعاف يكتمون فيها إيمانهم، أيامها قررت أن أكون زملكاوياً، وإن كنت أجادل دون حضور المباريات، وتأكدت أن الأمر لا يستدعي المشاهدة، لتقول كلاماً مقنعاً، فيكفي أن تكون «مفتول» الأحبال الصوتية، بجانب استخدام عبارات رائجة في هذه الفترة لتنتصر في المناظرة، فأقول إن «الماتش متباع»، ليذهب النقاش في اتجاه آخر، فالمنتصر لم ينتصر عن قدرة عنده، ولكن لأنه اشترى الذمم؛ ذمة الحكم، أو ذمة الفريق المنافس!
هزيمة قطر وانتصارها
وفي مباراة قطر والأكوادور، ظهر أحد المشجعين الأكوادور في البداية، يحرك أصابع يده بما يشير أن المباراة بيعت، وأن الفريق القطري اشترى ذمة الحكام، بينما يحتج عليه أحد المشجعين القطريين في المدرج، ثم انتهت المباراة إلى فوز المنتخب الأكوادوري، وعلم المشجع أنه أخطأ التقدير، واعتذر للقطري، وخرجا من هناك معاً، أصدقاء، وقد نزعت النتيجة ما في قلوبهم من غل، الأكوادوري لفوز منتخب بلاده، فلا بيع ولا شراء، والقطري لأن عنده نصراً كبيراً تحقق فبلاده تستضيف المونديال. وعندما روج أحدهم حسداً، أن المنتخب القطري سينال هزيمة كبيرة، كان الرد عليه أن انتصار قطر، ليس لفوز منتخبها، فلو أن ملايين الأهداف اخترقت مرماه فلا أزمة لدى القطريين الذين انتصروا نصراً مؤزراً بأن يكون المونديال هنا، لأول مرة في بلد من بلدان المنطقة، وها هم ينجحون في تنظيمه، رغم تربص العدو والشقيق!
ولا تزال ذاكرة السوشيال ميديا تحفظ لأحد الإعلاميين قوله قبل سنوات قليلة إن قطر لن تنظم كأس العالم، وأن ما يقوله خبرا، وانفرادا. وتحفظ الذاكرة لمذيع تلفزيوني آخر قوله إن قطر نفسها لن تكون موجودة في 2022، أهم يقسمون رحمة ربك؟! بلاء أهون من بلاء، فهزيمة المنتخب القطري، مثلت قيمة مضافة لملف تنظيم كأس العالم، فماذا لو انتهت المباراة بهزيمة منتخب الأكوادور، فمن المؤكد أن صورة المشجع الأكوادوري بإشارة يده ستكون صورة هذا اليوم في إعلام الأعداء، وسيكون الأمر مثار جدل، وإذ كانت عبارة «الماتش متباع» لواحد لم يشاهد المباراة، أو أي مباراة، ولكن ليخفف الضغط على «صلاح» في مدرسة محمد فريد الإعدادية، كافية بإثارة الارتباك في صفوف الأعداء المنتصرين، فكيف يمكن أن يكون الحال، لو أثير هذا الدفع الذي تعجل به مواطن الأكوادور، وهناك من يتربصون بالمونديال الدوائر، حسداً من عند أنفسهم؟!
اعلان الحرب على الجزائر
المباراة الوحيدة التي شاهدتها كاملة، هي التي كانت بين مصر والجزائر في السودان، فلم أكن أشاهد تفاصيل ما يجري في الملعب بل كنت أنظر إلى وجوه المشجعين من الجانبين عندما تذهب اليهم الكاميرا، فقد نظمت المباراة بعد شحن وطني هائل في القاهرة، وبعد مباراتين سابقتين واحدة في الجزائر والثانية في مصر، وهو شحن كان يستهدف الفتنة، لخلق تأييد شعبي للوريث جمال مبارك، والذي سافر إلى الخرطوم وشقيقه الأكبر علاء في مهمة وطنية ليقتربا من الشعب، ومن نبض الجماهير المصنوع، وسافر إلى هناك ثلة من الفنانين والفنانات والمذيعين والمذيعات، الأحياء منهم والأموات!
وكنت أنتظر لحظة اندفاع المشجعين إلى الملعب، ولم يحدث شيء من هذا، لكن البرامج التلفزيونية قامت بالواجب، بالفبركة والتأليف عن اعتداءات حدثت في شوارع السودان على المصريين، وقام بدور مهم في التأليف الفنان محمد فؤاد، وبدا أن ناصحاً نصح أسرة الرئيس بأن الدخول إلى قلب الجماهير من هنا، ولأن جمال مبارك كان صاحب ملامح جامدة لا تتسم بالعاطفية، وتشي بشيء من التعالي، فقد تخطى الرقاب الابن الأكبر علاء!
كان الإعلام قد صنع مأتماً وعويلاً، ليجعل من وفاة ابن علاء مبارك (الحفيد الأول للرئيس)، حزناً عاماً، ومن هنا بدأت المداخلات الهاتفية للابن الأكبر من الباب الإنساني، ثم من الباب الوطني في موقعة الجزائر، وهو الباب الذي استضافه منه من يمثل دور المعارض على خشبة المسرح إبراهيم عيسى في برنامج تلفزيوني له، دون أن يخدش هذا رونقه، فالاستضافة لأسباب إنسانية ووطنية! بدت صناعة رأي عام بقوة الإعلام، على أساس أن ما بيننا وبين الجزائر، معركة حربية، وليست مناوشات مفتعلة في مباريات لكرة القدم، وكنت مع ما أشاهده في الشارع من حماس، أدرك أنه ليس رأيا عاما حقيقيا، ولن أصدق مهما سمعت أن تكون هذه مصر، وقد ارتبط في وجدان عموم المصريين عن الجزائر أنها بلد المليون شهيد، هكذا درسنا في المدارس!
وبثورة يناير / كانون الثاني 2011، تبين أنها دعاية الطغيان، وأن الرأي العام المنهزم صدقها ضمن مسايرته للاستبداد، فسقطت الخصومة بسقوط من افتعلوها، وبدا الناس وقد كانوا في سكرة وقد حلت الفكرة!
من نحس المنتخب القطري؟
ومنذ هذه المباراة المفصلية في تاريخ الاستبداد المصري، لم أشاهد مباريات أخرى، لكني عرفت الآن الطريق إلى «بي إن سبورتس»، فشاهدت افتتاح كأس العالم، وما تيسر من مباريات، وشجعت قطر، والسنغال، وغانا، والمغرب، وإن كان المنتخب القطري لم ينتصر في المباراة الأولى، فلم يكن هذا نحس خاص بي، فغيري من نحس المنتخب القطري، وإن كنا نحمد الله، أن مفعول النحس كان في حدود المنتخب، ولم يمتد أثره لحفل الافتتاح.
سيُرد علينا دينيا بأنه «لا عدوى ولا طيرة»، وهو حديث نبوي، لكن هذه رواية مبتورة ففيها قول الرسول صلى الله عليه وسلم «ويعجبني الفأل»، الأمر الذي يؤكد أن الموضوع بحاجة إلى التعمق لا التفسير من ظاهره، ومهما يكن فقد ذكرتنا وفاة الفنان سامي فهمي مؤخراً بمسلسل شارك فيه هو «برج الحظ»، بطولة الفنان محمد عوض أو «شرارة»، الذي يتلخص دوره في شخص «منحوس»، أصاب نحسه كل ما حوله!
لم تعد «بي إن سبورت»، هي «الجزيرة الرياضية»، وكان بعض الموظفين في الجزيرة بعد 2013 عندما يسألون في مطار القاهرة عن مكان عملهم بالتحديد في الشبكة بعد النظر في بيانات الإقامة، فيقولون: «الجزيرة الرياضية»، وشعر أحد الضباط أنها ليست حجة الخائف، ولكن يتم التلاعب بهم مع سبق الإصرار والترصد، اعتماداً على أنهم أصحاب كفاءة ذهنية محدودة، وهم لديهم عقدة من هذه الدعاية! وأذكر أنه في واحدة من تجليات ثورة يناير، وكان الشباب يهتفون ضد المجلس العسكري، وكان هناك سجع لا أحفظه عن أبو 50 في المئة، فوجدت أحد الضباط، يتدخل وعلى غير العادة، وهو يهتف من على أرضية الرجاء أن يتوقفوا عن هذا الهتاف الذي قال إنه يغضب الضباط جداً، ولو كان البديل لهم أن يهتفوا بسقوط حكم العسكر.. هكذا طلب!
ضابط المطار، وكله عند العرب ضباط، قال لأحد الصحافيين الذين يعملون في قطر، بلغ صحافيين الجزيرة إننا لسنا جهلاء، ولا نصدق ما يقولون، فقط نتركهم لأنهم ليسوا مطلوبين، وليس لأننا صدقنا عملهم في «الجزيرة الرياضية»، فنحن نعلم أن اسمها تغير قبل سنوات إلى «بي إن سبورتس»!
بالمشاهدة اكتشفت أن الجزيرة الرياضية سابقاً، ابتكرت «آخر خبر» بديلاً لـ «عاجل» الذي جرى استباحته والتمثيل بجثته، بعد أن صار كل خبر يسبقه على الشاشة «عاجل». وعنوان «آخر خبر» كان يميز جريدة «الأخبار» المصرية قديماً، ويُعرف أنه الخبر الأخير قبل الطبع!
شكراً «بي إن سبورتس» على هذا الاكتشاف!
صحافي من مصر
قطر إنتصرت في تنظيم البطولة !
وهذا ما يقوله معظم الحضور !!
ولا حول ولا قوة الا بالله
*يكفي قطر فخرا انها نجحت بتفوق
بتنظيم كأس العالم لكرة القدم.. وكل التوفيق لها.