استراتيجية القضاء على «منابع التهديد» تدفع بالطائرات والدبابات التركية نحو عمق الأراضي السورية والعراقية
إسطنبول ـ «القدس العربي»: عقب قرابة 40 عاماً من الحرب المتواصلة والتي خلفت قرابة 45 ألف قتيل، تقول تركيا إنها اقتربت من القضاء نهائياً على تنظيم «بي كا كا» في داخل البلاد بالتزامن مع تنامي قوة التنظيم والوحدات الكردية الداعمة له في دول الجوار. حيث تعمل تركيا عسكرياً في إطار استراتيجية جديدة قائمة على مبدأ القضاء على التهديدات من منابعها وهو ما فتح الباب أمام تعمق الطائرات والدبابات التركية في عملياتها بعمق الأراضي السورية والعراقية في السنوات الأخيرة.
فبعد سنوات من العمليات العسكرية والأمنية الدامية والواسعة في داخل البلاد، يقول وزير الداخلية التركي سليمان صويلو إن عشرات فقط من المسلحين التابعين لتنظيم «بي كا كا» ما زالوا يتحصون داخل بعض الجبال والمناطق النائية في تركيا، وإن بلاده اقتربت من القضاء عليهم بشكل نهائي وهو ما انعكس بشكل واضح على حجم ومستوى العمليات التي ينفذها التنظيم في الداخل، مع تصاعد قوته وتهديده من الخارج وهو ما ظهر مؤخراً من خلال تفجير شارع استقلال والضربات الصاروخية من داخل سوريا نحو جنوبي تركيا.
وللقضاء على التهديدات الأمنية، تقول تركيا في السنوات الأخيرة إنها تعمل ضمن استراتيجية جديدة قائمة على مبدأ «تجفيف منابع الإرهاب» من خلال عمليات عسكرية متواصلة داخل الأراضي العراقية والسورية براً وجواً، والتي كان آخرها عملية «المخلب-السيف» التي شملت ضربات جوية متزامنة غير مسبوقة على شمالي سوريا والعراق، وسط تهديدات بقرب إطلاق عملية برية واسعة في «أقرب وقت ممكن» في شمال سوريا، حسب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان.
داخل تركيا
إلى جانب العمليات العسكرية المتواصلة منذ سنوات، كثف الجيش والأمن التركي عملياتهم في السنوات الأخيرة ضد تنظيم «بي كا كا» في كافة أنحاء البلاد ونفذ عمليات عسكرية ضخمة في مناطق جنوب شرق تركيا التي كان يسيطر التنظيم على مناطق كاملة منها ونجح في إنهاء سيطرته على كافة المناطق قبل أن يبدأ عمليات أوسع في المناطق النائية والجبال والمغر تمكن خلالها من القضاء على معظم خلايا التنظيم.
وعملياً، لم يعد للتنظيم داخل تركيا أي منطقة يتمتع فيها بوجود عسكري مباشر أو قدرة على صناعة المتفجرات والتخطيط لشن الهجمات المسلحة الواسعة كما جرى على مدى عقود من كمائن وتفجيرات داخل المدن الكبرى وفي المحافظات الجنوبية والشرقية والتي كان يسقط فيها شهرياً العشرات من الجنود وقوات الأمن والمدنيين، حيث انحصر وجوده على بقايا خلايا في بعض المغارات في الجبال الموجودة قرب الحدود العراقية والإيرانية.
وحسب وزير الداخلية التركي فإن عشرات فقط من عناصر التنظيم تبقوا داخل حدود تركيا ولم يعد لهم القدرة على شن هجمات، وبالتالي فإن التركيز حول استراتيجيته وعلى قدراته العسكرية التي تزايدت في شمالي سوريا والعراق بفضل ما تقول تركيا إنه السلاح والعتاد الذي وصل إليهم عبر الوحدات الكردية في سوريا التي حصلت عليها من قوات التحالف الدولي، حيث عمد التنظيم إلى شن هجمات على الأراضي التركية انطلاقاً من سوريا والعراق.
ومع تغيير التنظيم استراتيجيته، غيرت تركيا استراتيجيتها في مواجهته لتصبح قائمة على نظرية «تجفيف منابع الإرهاب في الخارج» وبدأت تكثف عملياتها الجوية ضد قدرات التنظيم في سوريا والعراق بشكل كبير جداً، حيث تشن عمليات جوية وبرية متواصلة منذ سنوات وسعتها بشكل كبير ولا تزال تهدد بتوسيعها بشكل أكبر.
الوصول إلى جبال قنديل
ففي شمال العراق وسع الجيش التركي عملياته الجوية لا سيما عقب تطوير المسيرات المسلحة من طراز بيرقدار وأقنجي والتي باتت رأس الحربة في الحرب التركية على التنظيم الذي باتت عناصره وقياداته تتعرض لملاحقة لصيقة من هذه الطائرات وهوما حد من قدرته على المناورة والتحرك بشكل كبير جداً، وبشكل شبه يومي يعلن الجيش التركي عن شن ضربات جوية و«تحييد» عناصر وقيادات في التنظيم.
إلا ان الضربات الجوية أيضاً أخذت منحاً جديداً مع تركيزها على سياسة الاغتيالات المحددة حيث نشط عمل جهاز الاستخبارات التركي في مراقبة تحركات قيادات التنظيم، وفي الأشهر الأخيرة فقط أعلن عن اغتيال العشرات من كبار قادة الصف الأول والثاني في التنظيم ووصلت الضربات الجوية إلى عمق شمال العراق حيث نفذت ضربات جوية بعمق 300 كيلومتر، كما تنفذ ضربات في مناطق السليمانية وسنجار وغيرها.
وإلى جانب الضربات الجوية، وسع الجيش التركي من عملياته الجوية باستراتيجية مختلفة أيضاً تعتمد على البقاء في المناطق التي يجري الوصول إليها، حيث نشر الجيش التركي الكثير من النقاط والمعسكرات في عمق الأراضي العراقية ضمن خطة أوسع تهدف إلى الوصول لعمق جبال قنديل التي تعتبر المعقل الرئيسي لقيادات التنظيم وتقول أنقرة أنها تهدف للوصول إليه والقضاء على وجود التنظيم هناك بشكل نهائي.
حزام آمن شمالي سوريا
فمنذ عملية درع الفرات عام 2016 نفذ الجيش التركي سلسلة عمليات عسكرية منها «غصن الزيتون» التي سيطر فيها على منطقة عفرين منهياً وجود الوحدات الكردية هناك، أعقبها عملية «نبع السلام» في منطقتي تل أبيض ورأس العين إلى جانب الانتشار العسكري في إدلب ومحيطها وهو ما اعتبرته تركيا حزاماً آمناً يهدف إلى إبعاد خطر الوحدات الكردية عن الحدود التركية.
لكن هذه المناطق بقيت تتعرض لهجمات واسعة من الوحدات الكردية هناك وهو ما اعتبرته تركيا مبرراً للتلويح بمزيد من العمليات العسكرية لإنهاء وجود التنظيم على حدودها حيث تقول أنقرة إنها تهدف إلى إقامة منطقة آمنة بعمق 30 كيلومترا على طول الحدود السورية مع تركيا وصولاً إلى الحدود العراقية أقصى شرق سوريا.
وعقب تفجير شارع تقسيم الذي أودى بحياة 6 أشخاص وأصاب العشرات قالت تركيا إن قيادات من «بي كا كا» والوحدات الكردية أشرفوا عليه من منطقة عين العرب/كوباني شمالي سوريا، والتصعيد الأخير الذي رافقه إطلاق عشرات الصواريخ من شمالي سوريا نحو محافظات تركية حدودية جددت تركيا تهديداتها بشن عملية عسكرية برية جديدة هناك.
عملية عسكرية جديدة
على وقع استمرار الضربات الجوية والمدفعية للجيش التركي على مواقع الوحدات الكردية في شمالي سوريا، هدد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بتنفيذ عملية برية جديدة شمالي سوريا «قريباً» وذلك عقب أيام من عملية جوية واسعة نفذها الجيش التركي واستهدفت عددا كبيرا من المواقع في سوريا والعراق مخلفة عشرات القتلى في صفوف الوحدات الكردية، أعقبتها موجة قصف غير مسبوقة استهدف منشآت الطاقة التي تديرها الوحدات الكردية في شمالي سوريا.
وعقب يوم واحد من تأكيده أن العملية الواسعة التي نفذها الجيش التركي «لن تبقى جوية فقط» هدد اردوغان بعملية برية أوسع بالقول «منذ أيام نلاحق الإرهابيين بطائراتنا ومدافعنا وفي أقرب وقت سنقتلع جذورهم بدعم جنودنا ودباباتنا أيضاً» كما هدد بالقول: «سنقتلع جذورهم جميعاً بأقرب وقت إن شاء الله».
واعتبر اردوغان أن «القوات المسلحة التركية دمرت معاقل للإرهابيين شمالي سوريا والعراق، ردا على الهجوم الإرهابي الذي نفذوه في إسطنبول» وأضاف: «حانت نهاية الطريق لأولئك الذين يعتقدون أن بإمكانهم تشتيت انتباه تركيا عن طريق التلاعب بالحروف وتغيير اسم التنظيم الإرهابي» وتابع: «لا أحد يستطيع منعنا من سحب الخط الأمني إلى حيث يجب أن يكون، في الأماكن التي تتواصل فيها الهجمات على حدودنا ومواطنينا».
واعتبر اردوغان أن «صبر تركيا ليس نتيجة عجز أو عدم كفاءة، بل نابع عن حساسيتها بوصفها دولة قانون تجاه الالتزامات والاتفاقيات الدبلوماسية والوعود» مضيفاً أن «تركيا أوفت بالتزاماتها وواجباتها بكل اتفاق أبرمته حول تأمين الحدود السورية، وأنه من الآن فصاعدا فإن المقياس الوحيد لتركيا هو أمنها وسلامة مواطنيها.. من حق تركيا ضمان أمن حدودها وسلامة مواطنيها».