الممانعة الأمريكية للهجوم التركي ستدفع أنقرة إلى التقدم خطوة باتجاه النظام السوري، وكونها لا ترغب بانسحاب قريب من الشمال السوري، فإنها ستتجه إلى تقديم تنازل يرجح ان يكون مسار الدستور.
تتراجع فرص العملية العسكرية التركية المرتقبة ضد قوات سوريا الديمقراطية «قسد» بعد الرفض الأمريكي والفرنسي، وممانعة روسيا والنظام، إضافة إلى تصلب الأخير في مفاوضات علي مملوك وحقان فيدان، حيث يصر نظام الأسد على جدولة انسحاب القوات التركية من شمال سوريا قبل مناقشة باقي المطالب وأهمها قضية حزب العمال الكردستاني وذراعه السورية. ولعل المقترح التركي الداعي لانتشار قوات النظام السوري بدل المقاتلين الأكراد يأتي في محاولة تدوير الزوايا اثر إصرار النظام.
في التطورات، قالت وزارة الدفاع التركية في بيان أصدرته صباح الجمعة 2 كانون الأول )ديسمبر) الجاري، أنها مستمرة في مكافحة «الإرهابيين» بكل حزم، مشيرة إلى تحييد خمسة عناصر من قوات سوريا الديمقراطية «قسد» تم رصدهم شمال شرق سوريا، كما أفادت مصادر أمنية تركية بمقتل أحد قياديي «قسد» كمال بير في مدينة تل تمر في محافظة الحسكة خلال عملية نفذها جهاز الاستخبارات التركي في سوريا. وأضافت المصادر أن بير خبير صواريخ ومواد متفجرة ومتورط في عمليات وصفتها بـ «الإرهابية» ضد منطقة عملية «نبع السلام» (منطقتي تل أبيض وراس العين).
واستهدف الجيش التركي بالمدفعية الثقيلة مناطق عدة في شمال شرق سوريا خاضعة لسيطرة «قسد» وحسب وكالات أخبار محلية فقد طال القصف المناطق الواقعة غرب عين عيسى وصولا الرقة شرقاً، وشمل بلدات وقرى عين عيسى والمشيرفة وهوشان وصيدا وجديد وفاطسة واستراحة الخيل، كما استهدف القصف المدفعي من القاعدة العسكرية التركية في قرية السكرية بريف حلب الشمالي تلة قرية حيمر لابدة ومناطق أخرى في محيط مدينة منبج.
وأفادت وسائل إعلام مقربة من «قسد» أن القصف أسفر عن إصابة ثلاثة من عناصر قوات النظام السوري بعد استهداف نقطة عسكرية تابعة لها في قرية كوران شرق مدينة عين العرب كوباني.
وتأتي هذه التطورات ضمن العملية العسكرية التركية التي أطلقت عليها وزارة الدفاع التركية عملية «المخلب- السيف» والتي لا تزال مستمرة ضمن نطاق الاستهداف المدفعي والجوي لقوات «قسد» شمال شرق سوريا، ولم تصل لمرحلة الهجوم البري حيث تنتظر أنقرة نضوج التفاهمات بينها وبين الأطراف الدولية.
وكان مجلس الأمن التركي قد عقد مساء الخميس، جلسة برئاسة رجب طيب اردوغان استمرت أكثر من ثلاث ساعات ناقش فيها قضايا عدة، من أبرزها آخر التطورات المرتبطة بالعملية التركية البرية المرتقبة في شمال شرق سوريا.
وأصدر المجلس عقب الاجتماع بيانًا أكد من خلاله أن أنقرة ستنفذ الخطوات اللازمة لعدم السماح بوجود أي تنظيم «إرهابي» في المنطقة وعلى رأس هذه التنظيمات «قسد» ووحدات «حماية الشعب». كما ناقش المجلس التطورات الخاصة بالعملية والتدابير الممكنة مستقبلاً.
وأشار البيان إلى أن القوات التركية تولي الاهتمام بمبدأ العمل بإخلاص للقانون الوطني التركي والدولي وحقوق الإنسان فيما أسماها «حربها البطولية ضد الإرهاب» مؤكدًا على أن عمليات الجيش التركي المستمرة على الحدود الجنوبية لتركيا تندرج في إطار المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة لضمان أمن البلاد. مشددا على ان تركيا لن تبدي أي تسامح بشأن استهداف قواتها من قبل الجهات التي وصفها البيان بأنها «تلجأ للكذب».
وجاءت التصريحات الصادرة عن اجتماع مجلس الأمن القومي التركي بعد بيان أصدرته وزارة الدفاع الأمريكية قالت من خلاله أن وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن أبلغ نظيره التركي خلوصي أكار معارضة «البنتاغون» للعملية التركية في شمال شرق سوريا. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية بات رايدر أن أوستن قدم تعازيه لنظيره التركي أكار في ضحايا تفجير إسطنبول وضحايا الهجمات التالية على جنوب تركيا، معربًا عن قلقه من التصعيد في شمال شرق سوريا وتركيا، ولم يستثن الهجمات الجوية التركية التي هددت القوات الأمريكية العاملة مع «شركاء محليين» هدفهم إلحاق الهزيمة بتنظيم «الدولة الإسلامية».
وفي سياق اللقاءات والمباحثات التي يجريها الجانب التركي تمهيدًا لعمليته العسكرية شمال شرق سوريا، جرى لقاء الخميس الماضي، جمع وزير الدفاع التركي خلوصي أكار مع المبعوث الأمريكي الخاص السابق إلى سوريا جيمس جيفري، في مقر وزارة الدفاع التركية، حيث تناول الاجتماع آخر تطورات العملية التركية المزمعة شمال شرق سورية، وقال أكار عقب الاجتماع إن أمريكا تطلب من تركيا النظر في إعادة تقييم عمليتها العسكرية، وبالمقابل طلبت أنقرة من واشنطن الوفاء بوعودها والتزاماتها.
وأضاف أكار، ان تركيا حذرت حلفاءها من دعم حزب الاتحاد الديمقراطي، وحزب العمال الكردستاني، لأي سبب، بما فيها «ذريعة محاربة تنظيم داعش».
وفي هذا السياق، نقلت وكالة «الاناضول» الحكومية أن جهاز الاستخبارات التركي وبالتنسيق مع «الجيش الوطني السوري» الموالي لأنقرة، ألقى القبض على خمسة أشخاص منتمين لتنظيم «الدولة» على رأسهم مسؤول منطقة «نبع السلام» في التنظيم، محمد خالد علي المعروف بـ «أبو سيف التدمري» بالإضافة إلى محمد صالح كوراني، وخالد الحلو «أبو إسلام سالو» وعلي حسين علي «أبو حسن الشامي» وشادي العلي.
وفي إطار المواقف الدولية من العملية التركية المزمعة، حذر وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو من ان العملية التركية من شأنها أن «تساعد على فرار مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، نتيجة تهديد سلامة أفراد التحالف الدولي ضد داعش في شمال شرق سوريا» وجاء ذلك خلال اتصال هاتفي الأربعاء الماضي مع نظيره التركي خلوصي أكار.
من جانبه قال المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون في إحاطة له أمام مجلس الأمن الأربعاء الماضي أن «التوتر تصاعد مجددا في سوريا، وامتد حتى الأراضي التركية» مذكرا بدعوة الأمين العام للأمم المتحدة جميع الأطراف لضبط النفس وتجنب التصعيد جوا أو برا.
بالمقابل انصبت الجهود الروسية كما جاء على لسان المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا في مؤتمر صحافي أجرته في موسكو مساء الأربعاء، على تشجيع الحوار بين الإدارة الذاتية والنظام السوري، لإعادة منطقة شرق الفرات إلى لواء الدولة السورية، حسب تعبيرها، واصفة الوجود الأمريكي في مناطق شمال شرق سوريا بـ «العقبة الأساسية» في المصالحة بين «الإدارة التي نصبت نفسها في جزء شمال شرق سوريا» وبين النظام. وفيما يخص العملية التركية المحتملة قالت زاخاروفا أن بلادها تتابع عن كثب «مع شركائها الأتراك والسوريين لمنع حدوث تصعيد».
وجاءت التصريحات الروسية المتعلقة بالمصالحة بين «قسد» والنظام، بعد اشتراط تركي لوقف العملية يقضي بانسحاب «قسد» من تل رفعت وعين العرب/كوباني ومنبج، لتحل مكانها قوات النظام السوري. وحسب مصادر محلية، فقد أجرى ممثلون من الجانب الروسي مفاوضات مع قيادات «قسد» بريف الرقة الغربي، لحثها على الانسحاب من المدن الثلاث، إلا ان المفاوضات تزامنت مع انتشار كثيف لقوى الأمن الداخلي التابع لقسد «أسايش» في مراكز المدن.
الجدير بالذكر، أن المفاوضات الروسية مع «قسد» تزامنت مع وصول تعزيزات عسكرية روسية إلى محيط مدينة تل رفعت بريف حلب الشمالي، وانتشرت التعزيزات الروسية على حاجز جديد أنشأته على خط تماس يفصل قوات سوريا الديمقراطية «قسد» عن فصائل الجيش الوطني السوري المدعوم من أنقرة، وتأتي هذه التعزيزات لأول مرة بعد بدء العملية التركية «المخلب- السيف».
وكان القائد العام لـ «قسد» مظلوم عبدي، قد دعا روسيا إلى تحمل المسؤولية لإيقاف العملية والتصعيد التركي -شمال شرق سوريا- باعتبارها إحدى الدول الضامنة لاتفاق خفض التصعيد في سوريا، وطالب عبدي الجانب الروسي بأن يكون أكثر حزمًا في جهوده ومطالبة تركيا بالالتزام باتفاقية خفض التصعيد، والسعي لإنهاء الخلافات بالحوار لا بالحرب.
وفي إطار اتفاق خفض التصعيد، فقد رفضت القوات التركية الخميس الماضي، تسيير دورية مشتركة مع القوات الروسية في ناحية الدرباسية شمال محافظة الحسكة، حيث وصلت أربع عربات عسكرية روسية إلى معبر شيريك في محيط الدرباسية وهو نقطة انطلاق الدورية وبعد انتظار دام لساعات وصل الرد التركي بأن القوات التركية لن تشارك في الدورية المشتركة، لترجع القوات الروسية إلى مطار القامشلي.
في الغضون، قال المتحدث العام باسم «قسد» آرام حنا، ان قواته علقت عمليات مكافحة الإرهاب المشتركة مع قوات التحالف الدولي بعد الهجمات التركية على شمال شرق سوريا، وأكد حنا، على ان «كل عمليات التنسيق والعمليات المشتركة لمكافحة الإرهاب مع التحالف» الذي تقوده أمريكا توقفت. وفي ضوء المستجدات والمواقف الدولية والمحلية المختلفة فيما يخص العملية العسكرية التركية يبدو ان أنقرة قد وصلت بعملياتها الجوية «المخلب- السيف» لمرحلة واقع لا يمكنها الرجوع منه مهما كانت تكلفة العملية من الناحية الدولية.
ان الممانعة الأمريكية للهجوم التركي ستدفع أنقرة بطبيعة الحال إلى التقدم خطوة باتجاه النظام السوري، وكونها لا ترغب بانسحاب قريب من الشمال السوري، فإنها ستتجه إلى تقديم تنازل من نوع آخر أما عسكري مرتبط بدعم فصائل المعارضة وهو غير متوقع حاليا بسبب استمرار وجود وحدات «حماية الشعب» الكردية الأمر الذي يرجح ان يكون التنازل في العملية السياسية وأهمها مسار الدستور.