باريس: قلّل ناشطون إيرانيون ودول غربية الاثنين من أهمية تصريح رسمي عن إلغاء السلطات الإيرانية جهاز شرطة الأخلاق المثير للجدل، مشددين على أن أي تغيير لم يطرأ على القيود المشددة التي تفرضها الجمهورية الإسلامية على النساء.
من جهة أخرى، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي دعوات لتنفيذ إضراب مدته 3 أيام يبلغ ذروته الأربعاء تزامنا مع “يوم الطالب”، بعد نحو 3 أشهر على اندلاع موجة الاضطرابات التي أثارتها وفاة الإيرانية الكردية مهسا أميني (22 عاما) بعد توقيفها من جانب شرطة الأخلاق في طهران بحجة عدم التزامها بقواعد اللباس الإسلامي.
وقالت الخارجية الأمريكية “لم نرَ ما يدل على أن القيادة الإيرانية تحسّن طريقة معاملتها للنساء والفتيات أو توقف العنف الذي تتعامل به مع المتظاهرين السلميين”.
بدورها، ذكرت الخارجية الألمانية بأن المتظاهرين الإيرانيين “يريدون العيش بحرية واستقلالية” وبأن إلغاء شرطة الأخلاق “في حال تطبيقه، لن يغير هذا الأمر إطلاقا”.
وأشعلت وفاة أميني في 16 أيلول/سبتمبر احتجاجات قادتها النساء تحوّلت إلى أكبر تحد يواجه النظام منذ الثورة الإسلامية عام 1979. وقتل مئات الإيرانيين، بينهم بعض عناصر قوات الأمن في الاحتجاجات.
وفي تصريح مفاجئ نهاية الأسبوع، قال المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري إنه تم إلغاء شرطة الأخلاق. لكن ناشطين شككوا في تصريحاته التي جاءت في إطار ردّه على سؤال طُرح عليه خلال مؤتمر صحافي بدلا من أن يصدر إعلان كهذا عن وزارة الداخلية.
وتتبع شرطة الأخلاق لوزارة الداخلية، لا لوزارة العدل. وأنشأها في العام 2006 المجلس الثقافي للثورة الإسلامية الذي كان يرأسه الرئيس الإيراني آنذاك محمود أحمدي نجاد. ولم يصدر أي تصريح حتى الآن عن الموضوع عن المجلس الذي يرأسه اليوم الرئيس ابراهيم رئيسي.
وقالت المؤسسة المشاركة لمركز عبد الرحمن بوروماند لحقوق الإنسان ومقرّه الولايات المتحدة رؤيا بوروماند لفرانس برس “ما لم يرفعوا جميع القيود القانونية على لباس النساء والقوانين التي تتحكم بحياة المواطنين الخاصة، فلا تنصب هذه الخطوة إلا في إطار العلاقات العامة”.
“إشاعة الخوف”
اعتبر ناشطون أن إلغاء شرطة الأخلاق لن يمثّل أي تغيير في سياسة إيران بشأن الحجاب، إنما سيعكس تغييرا في التكتيكات التي تتبعها السلطات لفرضه. ويعتبر الحجاب ركيزة أساسية في نظام إيران.
وذكرت بوروماند أن إلغاء وحدات شرطة الأخلاق سيشكّل خطوة “ضئيلة جدا ومتأخرة جدا على الأرجح” بالنسبة للمحتجين الذين باتوا يطالبون بتغيير النظام بأكمله. وأضافت أن “لا شيء يمنع (أجهزة) إنفاذ القانون الأخرى” من مراقبة تطبيق “القوانين التمييزية”.
وكان مشهد دوريات شرطة الأخلاق مألوفا في شوارع طهران منذ العام 2006 عندما أُدخلت في عهد أحمدي نجاد. لكن فرض الحجاب بدأ قبل ذلك بكثير من قبل القيادة الدينية التي تولت السلطة بعد سقوط نظام الشاه العلماني عام 1979.
وكان الغضب بشأن الحجاب الإلزامي هو ما أطلق شرارة أولى الاحتجاجات على وفاة أميني التي ذكرت عائلتها بأنها قضت نتيجة ضربة على الرأس تعرّضت لها أثناء احتجازها، وهو أمر نفته السلطات.
لكن الحراك الذي تغذيه أيضا سنوات من الغضب المرتبط بالوضع الاقتصادي والقمع السياسي، بات يشمل حاليا دعوات لإسقاط نظام الجمهورية الإسلامية بزعامة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.
وأفادت منظمة حقوق الإنسان في إيران ومقرها النرويج فرانس برس الاثنين أن 504 أشخاص على الأقل أُعدموا في إيران هذه السنة، وهو عدد أعلى بكثير من ذاك المسجّل العام الماضي بأكمله.
وتفيد التقارير الواردة من طهران بأن دوريات شرطة الأخلاق اختفت تقريبا من الشوارع منذ اندلاع الاحتجاجات.
وبحسب شهود عيان، فإن العديد من النساء في شمال طهران الذي يُعتبر عصريًا كما في جنوب المدينة التقليدي والأكثر تواضعًا، أصبحنَ يخرجنَ بدون حجاب في خطوة احتجاجية.
“ركائز”
ويقول المحلل البارز المتخصص في شؤون إيران لدى منظمة “الديمقراطية الآن للعالم العربي” أوميد ميماريان إن “الإلغاء المفترض لشرطة الأخلاق الإيرانية لا معنى له إذ أنه بات غير ذي صلة بالفعل بسبب المستوى الهائل للعصيان المدني الذي تقوم به النساء وتحدي القواعد المرتبطة بالحجاب”.
ووصف الحجاب الإلزامي بأنه “أحد ركائز الجمهورية الإسلامية”، ولفت إلى أن “إلغاء هذه القوانين والهيكليات سيعني تغييرا جوهريا في هوية ووجود الجمهورية الإسلامية”.
واعتُبر إعلان منتظري والإرباك الذي أثارته تصريحاته مؤشرا على الاضطراب في صفوف النظام بشأن كيفية التعامل مع الاحتجاجات المتواصلة في أنحاء البلاد رغم الحملة الأمنية التي تفيد منظمة الحقوق في إيران بأنها أودت بحياة 448 شخصا على الأقل.
وشهدت الجامعات تحرّكات احتجاجية. وأفادت وكالة “إرنا” للأنباء أن الرئيس المحافظ المتشدد ابراهيم رئيسي سيزور كليّتين في طهران بمناسبة يوم الطالب الأربعاء.
وتجاهلت وسائل الإعلام المحافظة في إيران الاثنين إلى حد كبير التصريحات بشأن إلغاء شرطة الأخلاق، وهو موضوع تناولته الصحف الإصلاحية في صفحاتها الأولى.
وتساءلت صحيفة “شرق” “هل هذه نهاية الدوريات؟”، مشيرة إلى أن قسم العلاقات العامة التابع للشرطة لم يؤكد الأمر.
ويقول ميماريان “يجب ألا تنطوي على أحد الخطوات المخادعة التي توظفها الجمهورية الإسلامية في أوقات اليأس، إذ إنها قد تعود بسياسات وإجراءات أخرى مقيّدة”.
وتذكّر الناشطة في مجموعة “العدالة من أجل إيران” في لندن شادي صدر بأن الحجاب “ما زال إلزاميا”. وترى أنه بينما بدأت الاحتجاجات على خلفية وفاة أميني، إلا أن “الإيرانيين لن يهدأوا إلى حين رحيل النظام”.
(أ ف ب)