تورط النظام بالعلاقة مع تنظيم «الدولة» وتسهيل عملها ودفعها لتحقيق مصالحه لم يعد خافيا، ولعل أبرز الشواهد على ذلك إجلاء مقاتلي التنظيم من مخيم اليرموك باتجاه بادية السويداء.
جاء مقتل زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية» أبو الحسن الهاشمي في محافظة درعا جنوب سوريا وتعيين أبو الحسين الحسيني القرشي فرصة للتأكيد على استمرار نشاط التنظيم وتوسع مناطق عمله وانتشاره خصوصا في أفريقيا. جاء تنصيب تنظيم الدولة الإسلامية للزعيم الجديد أبو الحسين الحسيني القرشي فرصة لإظهار قوة التنظيم، فنشرت معرفاته عشرات الصور التي تظهر «بيعة الجنود لأمير المومنين».
ونشرت معرفات التنظيم على تطبيق «تلغرام» عشرات الصور في ولايات الساحل الأفريقي وموزامبيق (أستحدثت قبل نحو أربعة شهور) وغرب أفريقيا والصومال وباكستان والهند والشام (سوريا) والعراق وخراسان (أفغانستان) ولبنان، تظهر مقاتلي التنظيم وهم يقسمون البيعة وسعى التنظيم إلى إظهار الجنود مدججين بالعتاد والسلاح وخصوصا في القارة الأفريقية، حيث يمتلك التنظيم عربات عسكرية ومدرعات كان قد سيطر عليها خلال هجماته على ثكنات الجيش النيجيري.
وفي تأكيد على تماسك التنظيم بث أول صور الولاء للزعيم الجديد من العراق وسوريا باعتبارهما المنطقتين الصلبتين لنشاط التنظيم وما زالتا تحتضنان قيادة الصف الأول حيث قتل قادته الثلاثة السابقين في سوريا وجميعهم عراقيو الجنسية. ويعتبر نشر صور بيعة خلايا التنظيم في لبنان سابقة في إعلان نشاط التنظيم هناك رغم عدم ظهور نشاط عسكري أو حوادث أمنية واضحة فيه.
وفي موازاة ذلك، يحافظ التنظيم على نشر أخباره الأسبوعية من خلال انفوغرافيك «حصاد الأجناد» وتوضح الإحصائية ازدياد نشاط التنظيم بشكل مطرد في أفريقيا حيث تأخذ ثلث حصة الهجمات ونحو نصف عدد القتلى. كما يسجل تواتر الهجمات في أفغانستان (ولاية خراسان) والتي كان أهمها استهداف السفارة الباكستانية في العاصمة كابول، حيث ادعى التنظيم إصابة السفير الباكستاني وعددا من حراسه في الهجوم الصاروخي على السفارة.
وتستمر هجمات التنظيم في سوريا ضد قوات سوريا الديمقراطية «قسد» والمتعاونين معها، سواء من المدنيين أو العاملين سرا مع قوى الأمن الداخلي «أسايش» أو علنا كمتطوعين عسكرين تحت لواء «قسد».
وكان قائد التنظيم قد قتل في هجوم مسلح على مزرعة في مدينة جاسم شمال مدينة درعا جنوب سوريا منتصف تشرين الأول (أكتوبر) ولم يتم التأكد من هويته، فقد استهدف الهجوم عبد الرحمن العراقي المعروف بانه من المقاتلين السابقين في جيش «خالد بن الوليد» الموالي لتنظيم «الدولة الإسلامية» حيث أسس الأخير محكمة شرعية في البلدة وهو أحد ذرائع النظام في عمليات الهجوم على قرى وبلدات ريف درعا الغربي بهدف فرض التسويات عليها.
وأعلن المتحدث الرسمي باسم تنظيم «الدولة» أبو عمر المهاجر، في تسجيل صوتي، نشرته وكالة «أعماق» أن أبو الحسن القرشي قتل، من دون أن يوضح أية معلومة أو تفاصيل، ولا أشار عن مكان مقتله. وأعلن المتحدث تعيين الخليفة الرابع للتنظيم والمسمى أبو الحسين الحسيني القرشي.
من جهته أخر «التحالف الدولي لمحاربة داعش» الذي تقوده أمريكا إعلان مقتل الهاشمي. وأعلنت القيادة المركزية للجيش الأمريكي، مقتل زعيم التنظيم منتصف شهر تشرين الأول (أكتوبر) بمحافظة درعا في جنوب سوريا.
وتأخر الإعلان الأمريكي عدة ساعات عن إعلان التنظيم فقط، وقال المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية «سنتكوم» جو بوتشينو أن الهاشمي قتل في «عملية نفذها الجيش السوري الحر» وهو إعلان يشكل سابقة منذ العام 2018 عندما تخلت واشنطن عن فصائل المعارضة السورية العاملة تحت اسم «الجبهة الجنوبية» وقامت روسيا بالهجوم الجوي على منطقة خفض التصعيد في درعا وجوارها.
وكما فعل «المهاجر» فضل المتحدث الأمريكي عدم الخوض في تفاصيل الحادثة أو إيضاح ملابساتها. مشيرا ان مقتل الهاشمي يشكل «ضربة جديدة للتنظيم وما زال يشكل خطرا على المنطقة».
ميدانيا، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان في تقرير لرصد هجمات التنظيم أنه نفذ 189 عملية وهجوما مسلحا منذ مطلع 2022 في مناطق الشمال السوري وخلفت الهجمات مقتل 139 شخصا بينهم 53 مدنيا، منهم طفل وسيدتان.
كذلك قتل خمسة عناصر من الميليشيات الإيرانية في هجوم على بلدة السخنة بريف حمص الشرقي وهو الطريق الواصل بين تدمر ودير الزور. وفي الوقت ذاته هاجم التنظيم نقطة حراسة للمبليشيات الإيرانية قرب محطة الضخ النفطية الثالثة والمعروفة باسم «T3».
وهاجم التنظيم موقعا عسكريا للنظام السوري في محيط مطار الطبقة العسكري بريف الرقة الغربي، موضحاً أن الهجوم أدى إلى مقتل عنصرين من قوات النظام وجرح خمسة آخرين.
وفي منتصف الشهر الماضي أيضا، هاجم مقاتلو التنظيم رتلا عسكريا لقوات النظام في بادية السبخة شرقي الرقة. وفي اليوم ذاته قتل عنصرين من الميليشيات الإيرانية خلال تفجير سيارة عسكرية بلغم أرضي في قرب بلدة التبني غربي دير الزور.
وما زال الهجوم الذي شنه مقاتلو التنظيم في تموز (يوليو) ضد قوات النظام هو الأعنف على الإطلاق خلال الستة أشهر الأخيرة، أسفر عن مقتل 13 عنصرا وجرح آخرين بعد مهاجمة حافلة عسكرية تقلهم. وجرى الهجوم في غرب جبل البشري في المناطق التابعة إداريا لمحافظة الرقة.
وأخفقت قوات النظام في حملات تمشيط البادية السورية والقضاء على خلايا تنظيم الدولة النشطة هناك والتي ابتدأت في الربيع وانتهت في شهر تشرين الأول (أكتوبر) ونشرت وكالة «أعماق» التابعة للتنظيم عدة مقاطع مصورة تظهر جثث عناصر قوات النظام في كمائن مختلفة في البادية السورية منها قرب حقل الورد النفطي.
ان مقتل زعيم التنظيم أبو الحسن الهاشمي في درعا، ومقتل الزعيم الأسبق أبو إبراهيم القرشي في إدلب مطلع شباط (فبراير) الماضي، يعزز فرضية أن التنظيم لا يتأثر بمقتل قائده، على العكس يستمر نشاط الولايات الأمنية في كل من سوريا والعراق دون تأثر، رغم الجهود الاستخباراتية والعسكرية المبذولة من قبل التحالف الدولي للقضاء على التنظيم. واللافت في الأمر، أن يكون الهاشمي مستمرا بنشاطه في درعا ويسعى جاهدا إلى إقامة «محكمة شرعية» رغم دخول المنطقة في حالة تسوية مع النظام السوري وبقاء بلدة جاسم كآخر البلدات الرافضة لدخول قوات الفرقة الرابعة في جيش النظام إليها.
في السياق، يطرح دور النظام في الإخبار عن موقع عبد الرحمن العراقي لفصائل المعارضة في الجنوب علامات استفهام كبيرة. خصوصا وأن العراقي اتخذ من المزرعة التي قتل فيها ورفاقه مقرا بوساطة من أحد المخبرين الأمنيين لصالح النظام، حسب ما أكد مصدر مطلع في درعا لـ «القدس العربي». وهل كانت الأجهزة الأمنية في درعا على معرفة بحقيقة «العراقي» أم لا؟ فكما هو معلوم أن النظام سهل خروج مقاتلي جيش «خالد بن الوليد» من حوض اليرموك في 2018 بل الاصح أنهم «تبخروا» كما يفضل الكثير من أبناء درعا وصف حالتهم. وهم الذين كانوا يسيطرون على أهم نقطة قرب الحدود مع الأردن غرب درعا.
سلم عدد كبير من مقاتلي جيش «خالد ابن الوليد» الموالي لتنظيم الدولة الإسلامية أنفسهم ومن ثم أطلق النظام سراحهم ليشاهدوا مرة أخرى في درعا.
ان تورط النظام المباشر وغير المباشر بالعلاقة مع تنظيم «الدولة» وتسهيل عملها ودفعها لتحقيق مصالحه لم يعد خافيا، ولعل أبرز الشواهد على ذلك هو إجلاء مقاتلي التنظيم من مخيم اليرموك باتجاه بادية السويداء واستخدامهم في الضغط على الدروز في السويداء من الجهة الشرقية كلما رفضوا تقديم التنازلات.