واشنطن بوست: هويات اللاعبين المغاربة جعلت إنجازهم للتخلص من آثار الاستعمار وليس مجرد كرة قدم

إبراهيم درويش
حجم الخط
2

لندن- “القدس العربي”:

قال غراهام كورنويل، المؤرخ في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بجامعة جورج تاون، إن إنجاز المغرب يتسامى على الرياضة.

وفي مقال نشره بصحيفة “واشنطن بوست” قال كورنويل إن مباريات كأس العالم الحالي هي تذكير بأن الاستعمار ليس ذكرى بعيدة، مشيرا للقاء المغرب مع فرنسا اليوم الأربعاء، بعد أن صدم كلا من البرتغال وإسبانيا، دولتان مستعمرتان سابقتان للمغرب، واستعمرت فرنسا المغرب ما بين 1912 -1956 و”هي ثلاثية استعمارية مثالية، وبالتأكيد من أكبر التقلبات السردية إقناعا في تاريخ كأس العالم”.

والمغرب هو أول بلد عربي وإفريقي يصل إلى مرحلة نصف النهائي في كأس العالم، ولكنها الدولة السابعة في دول حوض البحر المتوسط تصل إلى هذه المرحلة، وهو سباق يشبه قصة سندريلا، وتم الاحتفاء به في إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا، ويتحدث عن موقع المغرب الاستثنائي من مخطط فين (مجموعات مشتركة ممثلة بدوائر متداخلة) للهويات الإقليمية، فقد انتهى الاستعمار بشكل عملي في المغرب عام 1956، إلا أن حياة أفراد المنتخب المغربي تعكس ميراث التجربة الاستعمارية.

فهي عن العائلات التي تركت أوطانها بحثا عن لقمة العيش في مواطن المستعمرين السابقين، وعن نجوم كرة قدم لم يلعبوا أبدا في نواد مغربية، ولا يتحدثون جيدا اللغة العربية، نطقا أو كتابة، لكن روابطهم مع وطنهم لم تنكسر أبدا. ولفهم سبب الإنجاز وكيف تحقق تحديدا، يعني أن علينا فهم الجيوسياسة المعقدة للمغرب. وفي مرحلة خروج المغلوب، أو دور الـ16، تفوق المغرب على إسبانيا بركلات الترجيح.

ومع بداية القرن الخامس عشر، بدأت إسبانيا باحتلال الموانئ الإستراتيجية على الشواطئ المغربية. ثم قامت عام 1912 بحكم شمال المغرب، وحتى هذا اليوم، لا تزال إسبانيا متمسكة بسبتة ومليلية وحدودهما مع المغرب هي المنطقة الوحيدة التي لدى الاتحاد الأوروبي في القارة الإفريقية. وحتى يصلوا إلى مرحلة نصف النهائي، هزم المغاربة البرتغال 1-0.

ومن عام 1415 – 1767 احتل البرتغاليون مدنا مغربية على الشاطئ المغربي، ولا تزال آثار قلاعهم السابقة حاضرة حتى اليوم. وعلى مدى العشرين عاما الماضية، هيمنت رياضة كرة القدم على السوق المغربي. وهناك نكتة عندما يلتقي طفلان مغربيان فالسؤال هو “برشا أو ريال”. وتنقسم المقاهي المغربية بين فريقي برشلونة أو ريال مدريد الإسبانيين، ويتم تنظيم يانصيب أسبوعي حول مباريات الدوري الإسباني.

ويتساءل الكاتب: “ما هو الشيء الأكبر من هزيمة نجم المنتخب البرتغالي، كريستيانو رونالدو، البطل الأسطوري المحبوب لنسبة 50% من المغاربة بعد أيام من هزيمة المنتخب الإسباني، البلد الذي حكم شمال المغرب لنصف القرن العشرين؟”. يقول: “الشيء الوحيد الأكبر هي فرنسا. مقارنة مع جاراتها في شمال إفريقيا، فقد حكمت فرنسا المغرب لفترة قصيرة، ولكنها تركت آثارها التحويلية عليه”.

فقد تدفقت موجات من المغاربة إلى أوروبا للمشاركة في الحربين العالميتين والمساعدة في أوروبا القرن العشرين. ولم يمض على وجود الفرنسيين سوى عامين عندما بدأوا بتجنيد المغاربة للقتال في الجبهة الغربية أثناء الحرب العالمية الأولى. وفي السنوات اللاحقة، تبع الجنود مئات الآلاف من المغاربة للعمل في المصانع والمزارع وملء الفجوة في سوق العمل التي خلفتها الحرب. وجلبوا معهم ثقافتهم ونسجوها مع نسيج الثقافة والمجتمع الفرنسي، وبات “الكسكس” الوجبة المغربية المعروفة، جزءا أساسيا من  الطعام الفرنسي.

ولولا المغاربة ومواطني شمال إفريقيا، لما عرفنا فرنسا المعاصرة كما هي الآن. وتركت أربعون عاما رابطة ثقافية وسياسية واقتصادية في المغرب أيضا، فـ”الباغيت والكرواسون” متوفر في كل مكان، واللغة الفرنسية هي لغة النخبة، وتعشق البيروقراطية المغربية متاهة السجلات. وهاجر ملايين المغاربة إلى فرنسا، وحاولت أجيال منهم الاندماج في المجتمع الفرنسي مع الحفاظ على الروابط مع القرى والبلدات والمدن التي جاء منهم آباؤهم وأجدادهم. وتبنوا فرق كرة قدم جديدة مع مواصلة تشجيع فريق الحمر “الوداد” والأخضر “الرجاء” أو الأصفر “ماس”.

ويرى الكاتب أن نجاح الكرة الفرنسية، هو تذكير بالتعقيدات التي رافقت عمليات محو آثار الاستعمار، تماما كما فعل “فونتين” الذي سجل الرقم القياسي في الأهداف أثناء مباريات كأس العالم عام 1958 وكان مولودا في مراكش أثناء الحكم الفرنسي للمغرب. وأهم نجوم كرة القدم في فرنسا خلال العقدين الماضيين، هم كيليان إمبابي، زين الدين زيدان وكريم بن زيمة، وجميعهم جاءوا من أصول في شمال إفريقيا. وعليه، تظهر التعقيدات والتناقضات للاستعمار على الجانبين. وبعد كل مباركة، ينفجر تويتر وإنستغرام بصور المنتخب المغربي وهم يحتفلون مع آبائهم  وأمهاتهم.

والصورة الأشهر للمهاجم أشرف حكيمي، اللاعب في نادي سان جيرمان، الذي تحييه أمّه وتقبّله، وهي عاملة نظافة هاجرت مع والده وربّته مع إخوته في مدريد. واحتفل سفيان بوفال المولود في باريس، ونشأ في مدينة أنغر، بالانتصار على البرتغال بالرقص مع والدته في الملعب. وعاشت والدة مدرب الفريق وليد الركراكي، قرب باريس لمدة 50 عاما، ولم تسافر لمشاهدة ابنها يلعب أو يدرب إلا في مباريات كأس العالم، حيث صعد إلى المنصة بعد فوز المنتخب على البرتغال ليقبّلها. وصور اللاعبين وعائلاتهم تتردد مع المغاربة؛ لأنهم يعرفون قصتهم. فكل مغربي لديه أخ أو صديق يعيش في أوروبا.

وهم يعرفون تحديات العيش والاندماج في المجتمعات الأوروبية، وفي الوقت نفسه تنشئة أولادهم على تمتين الروابط مع الوطن الأم. وغادرت فرنسا وإسبانيا المغرب في الخمسينات، لكن الهجرة لم تتوقف، فقد كانت ضرورية لبنائهما. وتخلق الروابط المغربية- الأوروبية هوية فوضوية لكنها ضرورية. وفكّر بعض نجوم المغرب في اللعب مع منتخبات البلاد التي وُلدوا فيها، فقد انضم حكيم زياش اللاعب مع فريق تشيلسي الإنكليزي، لمنتخب الشباب في هولندا قبل انضمامه للمغرب. وقال إن والدته أخبرته: “استمع لقلبك… واختار قلبي المغرب”.

ولعب سفيان امرابط، مع فريق هولندي في شبابه، ولكنه قرر التحول للاعب دولي مغربي. وهناك لاعبون آخرون في المنتخب وُلدوا في المغرب لكنهم تدربوا ولعبوا في أوروبا مثل يوسف النصيري، الذي قضى حياته كلاعب محترف في إسبانيا. وفي سن الـ18 انضم لفريق ملقه ثم إشبيلية. وكانت رأسيته يوم السبت، بطاقة الفوز على البرتغال. ولو تابعت لقاءات ما بعد المباريات، للاحظت كم هي اللغات التي يتكلم بها الفريق المغربي، فلقاءات زياش تكون بالإنكليزية وحكيمي بالإسبانية وأمرابط بالهولندية والإيطالية والإنكليزية، وحتى من يتحدثون بالعربية، أحيانا يتعرضون للسخرية بسبب اللهجة الدارجة المغربية. وهذه الهويات المائعة/ السلسة هي مهمة لبلد جزء منه في الشرق الأوسط وآخر في إفريقيا، وعربي وأطلنطي وأمازيغي، والبحر المتوسط ومنطقة الصحراء.

ولعل إرث الاستعمار هو جعل الهوية هذه أكثر سلاسة. كما أن الحماسة لهذا الفريق المغربي زادت قوة رغم التناقض الذي تم تبنيه وتقبله. ويبدو أن القصص العابرة للهويات/ الجنسيات لهؤلاء اللاعبين وعائلاتهم، جعلتهم وبشكل جوهري، مغاربة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابن الوليد. المانيا.:

    طبعا .. خطاب ظاهره جميل .. باطنه سم ..
    .
    اولا و قبل كل شيئ مؤسسة محمد الخامس لكرة القدم موجودة و بقوة .. و بونو تعلم في المغرب .. و لعب لوداد الامة ..
    ثم التحق بنوادي اوروبا .. ناصري نفس الشيئ .. و الاكتشاف المذهل اوناحي .. كذلك الصابري .. و حمد الله .. و آخرون ..
    .
    و مغاربة الشتات أو المهجر هم مغاربة حتى النخاع .. مثل فلسطينيي المهجر .. و هم كذلك فلسطينيون حقيقيون ..
    .
    و قد رفضوا اللعب لمنتخبات اوروبية ..
    .
    و كل افراد المنتخب و المسؤولين ن بمن فيهم المدرب مغاربة بررة .. و لا يحتاجون لتأكيذ مغربيتهم .. فهم يفعلون فوق المستطيل.
    .
    عشت في اوروبا اكثر من وجودي في المغرب .. و تكونت في اوروبا .. و لذي جواز سفر اوروبي .. فهل سيجادلني أحد في مغربيتي ..هزلت ..

  2. يقول ابن الوليد. المانيا.:

    توضيح .. انتقادي موجه للواشنطن بوسط.

إشترك في قائمتنا البريدية