الأردن: مقتل رجل أمن «كبير» وإصابة العشرات بينهم ضباط خلال احتجاجات على أسعار المحروقات في الجنوب

حجم الخط
0

معان – عمان: «القدس العربي» ووكالات: قُتل نائب مدير شرطة محافظة معان في جنوب الأردن خلال التعامل مع «أعمال شغب» أثناء تحرّكات تشهدها المنطقة منذ أيام احتجاجًا على ارتفاع أسعار المحروقات، وفق ما أعلنت مديرية الأمن العام الجمع وأصيب العشرات، وقالت المديرية في بيان «استشهد نائب مدير شرطة محافظة معان العقيد عبد الرزاق الدلابيح، إثر تعرضه للإصابة بعيار ناري بمنطقة الرأس أثناء تعامله مع أعمال شغب».
وأضافت أن أعمال الشغب تلك «كانت تقوم بها مجموعة من المخربين والخارجين عن القانون في منطقة الحسينية في محافظة معان» (نحو 218 كلم جنوب عمان).
وأكدت أنها «إذ تكفل حماية حرية الرأي والتعبير السلمي عنه، فإنها ستتعامل وفق أحكام القانون وباستخدام القوة المناسبة مع كل من يقوم بأعمال الشغب والتخريب». كما حذرت «سنضرب بيد من حديد على كل من يحاول الاعتداء على الارواح والممتلكات العامة ويهدد أمن الوطن والمواطن».
ولاحقاً الجمعة، أعلنت «إصابة ضابط وضابط صف بعيارات نارية أثناء التعامل مع مخربين قاموا بأعمال شغب واحتجاجات في منطقة الحسينية بمحافظة معان». وأشارت الى أنه جرى إسعافهما وهما قيد العلاج.

إدانة الملك وتعزيته: هذا ابني

ودان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الجمعة هذا الاعتداء وقدم العزاء لأسرة القتيل. ونقل بيان صادر عن الديوان الملكي عن الملك قوله خلال تقديمه واجب العزاء الى أسرة وعشيرة الضابط القتيل في محافظة جرش «هذا ابني وابن كل الأردنيين، ولن يهدأ لنا بال حتى ينال المجرم عقابه أمام العدالة على جريمته النكراء». وأضاف «لن نقبل بالتطاول أو الاعتداء على نشامى أجهزتنا الأمنية الساهرين على أمن الوطن والمواطنين» و»سيتم التعامل بحزم مع كل من يرفع السلاح في وجه الدولة ويتعدى على الممتلكات العامة وحقوق المواطنين».
وأكد الملك أن «الاعتداءات وأعمال التخريب مساس خطير بأمن الوطن ولن نسمح بذلك» وأن «مؤسسات الدولة ستتخذ كل الإجراءات لمحاسبة الخارجين عن القانون». وأشار إلى «الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المواطنون، وحقهم في التعبير عن الرأي بالوسائل السلمية ضمن القانون». وكان وجهاء وأبناء معان أصدروا الجمعة بيانا نعوا فيه العقيد الدلابيح مؤكدين «رفضهم واستنكارهم أي فعل خارج عن القانون». كما أكدوا أن «من يرفع سلاحه في وجه أي أردني عسكري أو مدني فقد برأت ذمة معان منه، فلا عشيرةَ له ولا نسب» متّهمين من أطلقوا النار بأنهم «ثلة ضالة وأياد جبانة، شواذ عن العرف والدين والأصول، من أصحاب أجندات أو مهربين وخارجين عن القانون» حسب خبر الوكالة الفرنسية (أ ف ب).
إيقاف «تيك توك» ووسط أنباء عن «إجراءات أمنية» خاصة وجديدة في محيط مناطق البادية الجنوبية في الأردن، قررت الجهات المختصة إيقاف العمل بتطبيق «تيك توك» الشهير وقطع شبكة الإنترنت عن بعض المناطق في مدن جنوبي المملكة بهدف السيطرة على «التحريض الإلكتروني». واستعمل السائقون المضربون عن العمل تطبيقات «تيك توك» بصورة خاصة في ترويج روايتهم للإضراب. من جهته، قال وزير الاتصال الحكومي الناطق الرسمي باسم الحكومة فيصل الشبول في مؤتمر صحافي ان «منصة تيك توك نشرت كما كبيرا من الفيديوات التي تحرض على القتل والفوضى».
وانتقلت أمور الإضراب إلى مستويات مختلفة بعد الإعلان عن وفاة العقيد برصاص «مخربين» جنوبي البلاد، حيث جرى العديد من الاجتماعات الأمنية والعسكرية والقبلية والعشائرية بعد الحادث المأساوي وسط حالة تعاطف غير مسبوقة مع «العقيد الشهيد» وعائلته. وشوهد ثلاثة من جنرالات الأمن العام والدرك في صلاة الجنازة على العقيد لكن عائلته وقبيلته «بني حسن» أعلنا أن الحكومة «غير مرحب بها» للمشاركة في الدفن والعزاء.

تشييع الجثمان

ووري العقيد عبد الرزاق الدلابيح الثرى في قريته بمدينة جرش شمالي البلاد وسط تساؤلات حرجة جداً عما سيحصل لاحقا، وسط صمت رسمي في سياق العصيان المدني ووقوع حوادث قطع وإغلاق طرق ثم الإعلان عن إصابة رجلي أمن أيضا بالرصاص. وبدأت بسرعة اتصالات بين قادة ورموز عشائر في البادية الجنوبية وبين نظراء لهم من قبيلة العقيد القتيل وهي قبيلة بني حسن التي تعتبر أضخم وأكبر القبائل الأردنية.
وفيما أعلن وجهاء مدينة معان جميعاً أنه «لا غطاء لمن أطلق الرصاص على الأمن» صدر بيان شديد اللهجة من قبيلة بني حسن أمهلت فيه السلطات «3» أيام للكشف عن قاتل ابنها العقيد الدلابيح، ثم اعتذرت عن استقبال أي ممثل للحكومة في العزاء، في خطوة أعقبها تلويح نواب القبيلة وعددهم 12 نائباً بالاستقالة أو حجب الثقة عن حكومة الرئيس الدكتور بشر الخصاونة التي أفلتت منها التفاصيل الآن تماما بعد واقعة وجريمة قتل العقيد بالرصاص وأصبحت متهمة بالتوتير والتأزيم. ولم يعرف بعد ما إذا كانت قوات الجيش ستظهر لاحقاً لفرض الأمن والقانون في محيط البادية الجنوبية.
وقال وزير الداخلية مازن الفراية في مؤتمر صحافي إن «هذه الجريمة لن تمر بدون عقاب والأجهزة الأمنية تعمل لضبط الجاني وتقديمه للعدالة بأسرع وقت ممكن». واضاف «لقد شهدنا في الأيام الماضية تطورا في اعمال العنف شمل قطع طرق وتكسير زجاج سيارات واضرام نار في مؤسسات حكومية وخاصة وإسقاط 48 عمود كهرباء في معان». وأوضح أن «الحكومة تعي صعوبة الظروف المعيشية وتعي أن التأقلم معها ليس بالأمر السهل، ولكن العنف لا يخفف هذه الصعوبات، بل بالعكس يزيدها».
وأكد الفراية أنه «بعد هذا الحادث سيكون هناك اجراءات أمنية مشددة في المناطق التي تشهد مثل هذه الأعمال ولن نسمح لأي شخص يستغل الاحتجاجات السلمية لأخذ البوصلة باتجاه العنف والإضرار بالممتلكات ومس أمننا وأمن أسرنا»، داعيا المواطنين إلى «الابتعاد عن الأماكن التي تشهد أعمال عنف».
من جهته، أكد مدير الأمن العام اللواء عبيد الله المعايطة في المؤتمر «إصابة 49 رجلا من الأمن العام خلال أعمال الشغب». وأشار إلى أنه «تم الاعتداء على 70 آلية للأمن العام وأكثر من 90 آلية لمواطنين». وشدد المعايطة «سنضرب بيد من حديد كل من يريد التعدي على الأمن الوطني».

أوضاع اقتصادية صعبة

وفي الأيام الأخيرة، شهدت محافظات في جنوب الأردن إضرابات سلمية في الغالب، احتجاجا على ارتفاع أسعار المحروقات، بدأت بسائقي الشاحنات وانضمّ إليهم سائقو سيارات أجرة وحافلات عمومية أحيانًا، وصولا إلى إغلاق الأسواق والمحلات التجارية الأربعاء في كل من معان والكرك (نحو 114 كلم جنوب عمان) ومحافظة مادبا (35 كلم جنوب عمان) تضامنا. وفي معان، شاهد مراسل وكالة فرانس برس مدرعات وآليات الدرك في الشوارع الرئيسية للمدينة، وآثار الاطارات المحروقة والحجارة في الحسينية حيث وقع الحادث. وساد الهدوء في كل مكان.
وقال ماجد الشراري (56 عاماً) الذي كان مع سائقي نقل عام مضربين اوقفوا عشرات الحافلات في ساحة على جانب الطريق في معان ورفعوا لافتات كتب على بعضها «إضراب الكرامة»، «لسنا دعاة فوضى، ولا مثيري شغب، نحن هنا فقط لتوجيه رسالة واضحة للحكومة حرصاً منا على الوطن وعلى قوت المواطن». وأضاف «15 يوما ونحن هنا لم يتواصل معنا أي مسؤول، قدمنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي حلولاً ولم نجد تجاوباً». وتابع «نعلن براءة محافظة معان من دم الشهيد ونحمل المسؤولية للحكومة»، مشيرا الى أن «مطالبنا تتلخص بخفض سعر المحروقات او إلغاء الضريبة عن المحروقات وربطها فعليا بالسعر العالمي». وأكد أن «إضرابنا سلمي وهناك تعاون بيننا وبين رجال الأمن».
وجرى الحديث مرات عدة عن اتفاق مع الحكومة لانهاء الإضراب. لكن يبدو أن تصريحا لرئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة قبل أيام قال فيه إن «الحكومة لا تملك ترف دعم المحروقات»، استفز المحتجين.

تحذير السفارة الأمريكية

وكانت السفارة الأمريكية في عمان بعثت برسالة لمواطنيها الخميس في الأردن محذرة إياهم من أن «حتى الاحتجاجات التي يُقصد منها أن تكون سلمية يمكن أن تتحول إلى مواجهة وربما تتصاعد إلى أعمال عنف». وأشارت الى «منع موظفي الحكومة الأمريكية من السفر بصفة شخصية أو رسمية إلى محافظات الكرك والطفيلة ومعان والعقبة حتى إشعار آخر».
لكن الأحداث في الإضراب الناتج عن رفع أسعار الوقود تمضي بسرعة أكثر وحالة العصيان دخلت في إطار حساس قوامه البيانات العشائرية والجهوية في مرحلة تحتاج الآن لقرارات «سيادية». وتقارب أسعار المحروقات ضعف ما كانت عليه العام الماضي خصوصاً السولار الذي يشكل الوقود الأساسي للشاحنات والحافلات، والكاز الذي يعد وقود التدفئة الرئيسي للفقراء. وقدمت الحكومة بعض الحلول بينها زيادة أجور الشحن، وتوزيع مبالغ مالية دعما للأسر الأكثر تضررا، لكن يبدو أنها لم تكن مرضية بشكل كاف للمضربين. ويعاني الأردن أوضاعا اقتصادية صعبة فاقمتها ديون فاقت 50 مليار دولار.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية