محزن جدا رصد مواطنين أو سياح آمنين وهم يتصايحون خوفا بعدما أوقف حجر كبير مسيرة حافلتهم على طريق دولي يربط عمان العاصمة بالعقبة جنوبا. أطلق الحجر غاضبون أو قطاع طرق، إن شئتم، قرروا التحدث باسم الشعب الأردني وإضراب سائقي الشاحنات فتصرفوا مع حافلة سياحية لا ذنب لها في كل المسألة.
مقلق وللغاية مشهد ذلك السائق المواطن الذي حمل على شاحنته بضاعته مقابل عدة دنانير فعالجه المضربون على الطريق بعدة أحجار أوقفت مسيرته ثم بدأ يتوجه علنا بسؤاله للسائقين: هل أنا من رفعت عليكم أسعار الديزل؟
أحدهم يصيح أمام رجال الأمن مطالبا بإطلاق الرصاص على الطريق الدولي ضد أي شاحنة أو سيارة تتحرك وحملة تشكيك غير منصفة تخون «دم الشهداء الأمنيين» بالمقابل.
المفجع وطنيا أكثر تلك التضحيات الكبيرة من خيرة الشباب الأمني بسبب «زعران وبلطجية ومجرمين».
بعض التفاصيل على هامش المشهد الذي عايشناه كأردنيين مفجعة حقا، ومقابل كارثتنا الوطنية في وجود فئة قليلة تريد إخضاع الشعب برمته لبرنامجها التصعيدي ضد الدولة والحكومة رصدنا جميعا فاجعة وطنية فكرتها أن فئة قليلة من المستحكمين بالقرار تتمسك بتشدد بآرائها وكأنها لا تحترم الشعب الأردني أو تمثل سلطة لا علاقة لها بالأردنيين.
مجددا مغامرون في السلطة مراهقون أحيانا يقابلهم أشقياء وأشرار يميلون إلى العنف في الشارع والمواطن عالق بين الإقليتين. الغاضبون المحتجون في جزء حيوي منهم وأصيل يريدون فرض الاحتجاج والإضراب والتمنع والعصيان على بقية خلق الله وهؤلاء لا يؤمنون بالديمقراطية وحدود التعبير السلمي إلا إذا خضع الجميع لرغبتهم وطريقتهم وتقنياتهم. ورسميون موظفون متشددون بالمقابل يريدون ولو قيض لهم حبس الهواء.
معادلة مختلة بامتياز: سلطات تمنع وتقمع ولا تؤمن أحيانا بحق التعبير السلمي وتريد من المواطنين الصمت أو الموت فقط، وسلطات أخرى تزعم تمثيل الشارع والشعب ولا تعترف بحق المواطن الفرد في أن لا يحتج ان أراد ذلك لأي سبب.
من يتجبر، باسم السلطة، بالمواطنين ويتحدث معهم من فوق السحاب لا بل يظهر إزدراءه لاحتياجاتهم وآلامهم مكانه الحقيقي بعيدا عن الدولة وعن الموقع العام
وقع الفرد بين «حانا ومانا» لكن على الطريقة الأردنية فمن جهة تقول السلطات بكل اللهجات للمواطنين إنها ستقمع حرياتهم، ومن جهة أخرى يفتي غاضبون أو محتقنون أو حراكيون بأن على الجميع تبني روايتهم للأحداث قسرا.
يشعر المراقب بالخجل من هذا الفهم الخاطئ لدور السلطة والإضراب كأسلوب للتعبير عن المظلومية. ويشعر بالخجل لأن الإنسان العادي الطبيعي والبسيط يحكم مسار يومه بانفعالات الطرفين اللذين يشكلان أقلية بكل حال.
تحتاج ثقافة التعبير السلمي إلى الكثير بين جموع الأردنيين حتى تشطب من ذاكرتنا تلك المشاهد التي يحرق فيها المواطن مكتب البريد أو شاحنة جمع القمامة أو محول وعامود الكهرباء في منطقة احتجاجه.
وتحتاج ثقافة السلطة لمعالجة أزمة الأدوات فمن حق المواطنين رؤية مسؤولين في الإدارة والحكم راشدين وعقلاء ويجيدون الإصغاء للأردنيين ويتلمسون أوجاعهم بعيدا عن مطالبة المنظومة الأمنية فقط ودوما بملء الفراغ أو تعويض الفاقد من النقص الهائل في الكوادر والأدوات والرموز.
تخفق الحكومة في الشرح والتوضيح ويخفق المحتجون والمعترضون أحيانا في الرد والتحرك والتعليق ونسبح جميعا في دوامة من حوار الطرشان لا أحد يسمع فيه الآخر.
ما الذي لا يمكن فهمه على مستوى اي مسؤول محلي أو رجل سلطة من حكاية الشعب الأردني مع العوز والحاجة؟ ما الذي لا يمكن فهمه بالمقابل عندما يتعلق الأمر بتواطؤ اجتماعي غريب مع فئة قليلة تحرف المطالب المعيشية عن سياقها ومسارها وتخدش قيمتها النبيلة؟
الجزء العنيف من المحتجين حجة على الاحتجاج نفسه وعدالة قضيته. والحصة العنيفة المتشددة من رجال السلطة بالمقابل تسحب من رصيد النظام والدولة عند الجموع.
لا بد من معادلة وسطية متزنة بعد الآن يمكن أن تبدأ من الإقرار بأن خريطة النخبة التي تتولى الأمور اليوم لم تعد تمثل الناس ولا هويتهم ولا أوجاعهم وأن تلك الخريطة أصبحت حجة ضد الثوابت والمقدسات الشعبية لأنها تراكم في عملية السحب في عملية الدولة والنظام. الحاجة ملحة جدا لطبقة من السياسيين والبيروقراطيين والمفكرين والمهنيين والنواب يحترمها الشارع وسجلها نظيف ولا يشعر بالاستفزاز كلما تحدثت أو قررت. والحاجة ملحة أيضا بالتوازي إلى أن تقرر حواضن الاحتجاج السيطرة بين الحين والآخر لوقف التواطؤ مع المنحرفين وفلترة الأداء والخطاب في الاتجاه المعاكس لسياسة جدع الأنف، فالبلطجي والأزعر ومن يخالف القانون ويعتدي على الآخرين بحجة الحراك لا يمكنه أن يكون حراكيا أو مسؤولا لا بل يخدش الحراك ويسيء اليه.
ومن يتجبر، باسم السلطة، بالمواطنين ويتحدث معهم من فوق السحاب لا بل يظهر إزدراءه لاحتياجاتهم وآلامهم مكانه الحقيقي بعيدا عن الدولة وعن الموقع العام. ثمة باختصار نقطة تلاقي وطنية يمكن اللجوء اليها.
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»
*نعم للتعبير (السلمي) للمواطن وألف لا
للفوضى والتخريب واستخدام السلاح
ضد الأمن والدولة.
حسبنا الله ونعم الوكيل في كل الزعران والبلطجية.
قولوا كما قالت المطربه ديانا كرزون.. هذه بلدنا لا نخون عهودها…
أبدعت مقال رائع يصف الحالة التي نعاني منها في الأردن و الوطن العربي
مقال اكثر من رائع استاذ بسام… تحليل دقيق ووصف واقعي للحالة بين المواطن والمسؤول
والحاجة أصبحت ملحة للتدخل (ولو بآخر العلاج الكيّ) بازاحة مَنْ سَحَبَ مِنْ رصيد الدولة وهيبتها لإعادة التوازن بين مَنْ في السلطة وبين المواطن