وزير الخارجية الأردني ناصر جودة ومشاعر سلبية متبادلة مع إيران: عمان «تغمز» طهران والأمل ألا تغضب الرياض

عمان ـ «القدس العربي»: لا يمكن الرهان على زيارة أولى يقوم بها وزير الخارجية الأردني ناصر جودة لإيران الأسبوع الماضي للتحدث عن خطوة حقيقية في إتجاه «بناء ثقة» بين عمان وطهران، فالعمل في هذا الإتجاه وبإجماع المراقبين جميعا يحتاج لأعمق من الزيارة الدبلوماسية ولأكثر من التواصل في لحظات طارئة.
«الإرتياب» المتبادل كان دوما الملمح الأبرز لملفات العلاقة بين الأردن والجمهورية الإيرانية وسجل وتاريخ هذه العلاقة مليء بالعروض الإيرانية التقاربية التي رفضت أردنيا تحت ذرائع أمنية في كل الأحوال وسياسية في بعضها.
إستراتيجية عمان تجاه طهران منذ سنين طويلة تستند إلى منع حصول أي تقارب سياسي أو إستراتيجي يمكن أن يلحق ضررا بالعلاقات الأردنية حصريا مع المملكة السعودية الحليف الأقوى والأهم للأردن وجزئيا مع الإدارة الأمريكية.
طوال الفترة الماضية حرص الأردن على إظهار اللامبالاة في كل خطوات التقارب الإيرانية والرسائل حصريا كانت سلبية في هذا الإتجاه عندما صدرت عن الوزير ناصر جودة وهو يستقبل قبل أشهر في عمان وزير الخارجية الإيراني محمد ظريف.
في الزيارة اليتيمة التي قام بها ظريف لعمان فوجئ المراقبون بلغة خشنة تصدر في مؤتمر صحافي عن الوزير المضيف ناصر جودة ينتقد فيها بقسوة موقف إيران من الجزر المتنازع عليها مع الإمارات.
كانت تلك مجاملة من الوزير جودة لأبو ظبي غير مطلوبة وغير مطروحة فقد لاحظ الوزير الإيراني نفسه وهو يلتقي لاحقا مثقفين أردنيين في جلسة حضرتها «القدس العربي» أن وزير خارجية الأردن يمارس مهام ووظيفة وزير خارجية الإمارات.
آنذاك قابل ظريف العاهل الأردني وإستمع إليه بإيجاز وخرج مرتاحا جدا من اللقاء ثم عبر عن الإنزعاج من الرسائل السلبية التي صدرت عن وزارة الخارجية خلافا لما حصل في القصر الملكي.
المسألة على الأرجح تندرج في إطار تبادل الأدوار والوزير جودة كان يعبر وقتها عن موقف بعض مستويات الدولة الأردنية خصوصا وأن تقاليد العلاقة مع إيران في المؤسسة السياسية الأردنية قائمة فقط على الإرتباط ولم تتطور يوما على الإطلاق بإتجاه البحث في المصالح وتبادل المنفعة السياسية كما يلاحظ السفير الأردني الأسبق في إيران الدكتور بسام العموش.
في كل الأحوال لم تعرف بعد الظروف والملابسات التي دفعت بشخصية رسمية أردنية معروفة بخصومتها مع الإيرانيين مثل الوزير جودة لتجاوز الموقف الشخصي والموقف العام في السياسة الأردنية وتنفيذ «مهمة» الزيارة الأخيرة والنادرة لطهران وهي صورة نادرة سياسيا بكل المقاييس ولا يمكنها أن تنجز بصورة مرجحة بدون «ضوء أخضر سعودي».
بعيدا عن الأسرار والخلفيات السعودية حصريا، يمكن القول أن مستجدات عناصر النفوذ الإيراني في المنطقة وسيطرة إيران على إيقاع أربع دول على الأقل ووجود قوات الحرس الثوري في أقرب نقطة لحدود مدينة الرمثا مع درعا والجولان شمال الأردن، هي الأسباب المباشرة التي دفعت الوزير جودة للإبتسام في طهران في محاولة لإظهار «مرونة» قد لا تكون جذرية وفقا لمقايس المصالح.
الإيرانيون وحسب مصادر «القدس العربي» لا يرتاحون إطلاقا للوزير جودة ولا يعتقدون أنه يشكل القناة الأمثل لإيصال ونقل وتبادل الرسائل المشفرة ويفضلون قنوات أخرى فعالة.
قبل الزيارة كان الوزير جودة قد عبر عن إنحناءة تكتيكية عندما تمنى الإيرانيين على الحكومة الأردنية إختيار «وزير سابق» لتمثيل الأردن كسفير في طهران بدلا من إختيار شخصيات إسلامية غير مؤثرة.
طلب طهران أوحى ضمنيا برغبتها في تفعيل حلقات التواصل مع سفير نافذ وبمرتبة وزير سابق. البوصلة عند التدقيق في الخيارات هنا ذهبت في إتجاه وزير الإعلام الأردني الأسبق عبدالله أبو رمان الذي إستلم مهام عمله فعليا في طهران منذ شهرين بعد إختياره بعناية من الفريق السياسي والدبلوماسي الأردني «المقرب من دمشق» والذي يستطيع التواصل مع شخصيات في القصر الجمهوري السوري.
معنى الكلام أن عمان أبلغت طهران بإختيار شخصية مناسبة للموقف الإيراني من الملف السوري وقبل سفره ومغادرته لإستلام مهام عمله لاحظت «القدس العربي» وفي جلسة جماعية مع نخبة من الإعلاميين أن السفير أبو رمان مطلع تماما على الأجندة السياسية والدبلوماسية لوظيفته الجديدة.
وهي أجندة من المرجح أنها إنتهت بترتيب الزيارة الأخيرة التي قام بها الوزير ناصر جودة لطهران على أمل إطلاق «تواصل» محسوب بين الجانبين يخلو من المغامرات السياسية.
بعض الأطراف ترى في الإنفتاح الأردني المباغت والخاطف على طهران خطوة «مناكفة» في الإتجاه المعاكس للعهد السعودي الجديد المتشدد في الملف الإيراني، لكن مثل هذه القراءة قد لا تصمد في ظل الوقائع التي ترجح أن من المبكر الحكم على طبيعة العلاقات بين الأردن والعهد السعودي الجديد وبالتالي من المبكر المجازفة بإغضاب القصر السعودي عبر خطوات موسعة من الإنفتاح على إيران.
السيناريو المنطقي أكثر هو ميل عمان لممارسة تقاليد اللعبة المعروفة عبر الإيحاء بإمكانية لعب دور تواصلي وتفاعلي وناقل بين طهران والرياض وهو دور مقترح بالنسبة للوزير جودة لا توجد ضمانات على تحوله لخط إنتاج فاعل خصوصا وان اللعب في مساحة ضيقة ما بين إزعاج أو إثارة إنتباه عواصم مثل الرياض وطهران معا هو في حد ذاته مجازفة.

بسام البدارين

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول تيمور:

    ايران مهمه لازم تواصل معها

إشترك في قائمتنا البريدية