انتهت نسخة مونديال 2022 بكل نجاح، لتكون النتيجة أن أولى النسخ العربية تدعو للفخر والسعادة، برؤية المونديال يمضي كما خطط له من حيث التنظيم، ويحمل في طياته الكروية الكثير من الذكريات التي لن تنسى، كروعة المغرب بوصوله إلى نصف النهائي، أو مشاهدة ما يمكن وصفه أفضل نهائي في تاريخ كأس العالم.
بدأ هذا المونديال عربياً بحفله الافتتاحي، ولمسات ثقافتنا الواضحة، وما زلت أرى ظهور الجمل “سفينة الصحراء” في مطلع الحفل رسالة واضحة لمن اعتاد التصرف بعنجهية ضدنا والسخرية من رمزنا الصحراوي، بأن من تسخر منهم، يستضيفون اليوم كأس العالم.
وخلال المونديال أعطت المغرب البطولة بعداً كروياً عربياً أيضاً، فكانت أعظم تجربة عربية على الإطلاق، وتحقق بأقدام لاعبيها الإنجاز الأفريقي الأفضل، وكانت الصحف الغربية وحسابات السوشيال ميديا العالمية تصف المغرب كلما تقدم في البطولة، بأنه المنتخب الذي يقف خلفه جمهور كل الدول العربية.
وفي نهاية المونديال كان البشت يزين قميص الأرجنتين بعد المباراة النهائية، ليرسم بصمة عربية أخيرة على هذه النسخة، البصمة التي كشفت شيئاً من عدم قناعة الغرب بقدرة أحد غيرهم على تنظيم حدث عالمي، فاندفع بعض المتفلسفين منتقدين هذه الحركة، متناسين معناها بالنسبة لنا، ومتجاهلين حركات مشابهة في التاريخ، وكأن تلك العقلية الاستعمارية تم استئصالها عسكرياً فقط، وما زالت حية فيهم ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً.
وفي هذا المونديال كان تتويج ليونيل ميسي بمثابة إعلان تتويجه على عرش كرة القدم، فبات في نظر غالبية مشجعي اللعبة بأنه الأفضل في التاريخ بلا منازع، رغم وجود بعض الرافضين حتى اللحظة لهذه الفكرة، لكن الغالبية تحكم كما يقال.
وفي المانيا تعلموا درساً مما فعلوه، فقد طالب مدربهم هانزي فليك بعد نهاية المونديال صراحة بفصل كرة القدم عن السياسية والظواهر الاجتماعية، واعترف بمنعهم من التركيز على اللعبة فقط، وأن الحل الوحيد لتحقيق نجاح رياضي هو جعل كل العقل في المسابقات ومن أجلها. فلم يستطع الألمان متسلحين بفكرة قيادتهم للاتحاد الأوروبي الفعلية أن يفعلوا ما أقدمت عليه فرق دول كبرى أخرى، فأمريكا لم تفعل شيئاً في أرض الملعب ولا فرنسا ولا بريطانيا، وجميعهم أرادوا من اللاعبين ممارسة كرة القدم، وترك نشر أفكارهم ومبادئهم للسياسيين والاقتصاديين والإعلاميين.
ولعل ما جرى مع المانيا، والصراع الكبير الذي تعلق بقضية رفع شارة قيادة ملونة خلال المونديال، ورفض الدولة المستضيفة قطر لهذا الفعل، وتلقيها الدعم الكبير من العرب أولاً، والمسلمين ثانياً في شبكات التواصل الاجتماعي، وانضمام عدد من مفكري المجتمع الغربي الداعمين لاحترام ثقافة الآخر، كان وجهاً من أوجه عروبة هذا المونديال.
ومن عروبتنا أن ندعم اخوتنا، وأن لا نفكر بالصغائر عندما يكون وقت الأمور الكبيرة، ولعل هذا تجلى مع محاولة البعض التلاعب بتصريحات وليد الركراكي، مدرب منتخب المغرب، عندما أرادوا إعادة توظيف تصريحه في غير سياقه، ليبدو وكأنه يقول “لا أريد دعم العرب”، لكن ما قاله لا يعني ذلك طبعاً.
رغم انتشار هذه التصريحات والأخبار الكاذبة، صمد المجتمع العربي على تشجيع المنتخب المغربي، فحتى من صدق ذلك التصريح غير الصحيح، رأى أن علاقة دعمنا للمغرب أكبر من أي شخص، وارتباطنا فيه ثقافي تاريخي مصيري، كارتباطنا بأي دولة عربية، لذلك كان التسامي على التفاصيل، من أجل الفرحة الكبرى التي حققتها لنا المغرب.
وبالنسبة لي شخصياً، فقد كان هذا أكثر مونديال أشاهد مبارياته فعلاً، فلم أفوت إلا مباراة الكاميرون وسويسرا فقط، وعندما تحدثت مع الأصدقاء، وجدت نفس الحالة لديهم، بأنهم شاهدوا كل شيء، واهتموا بكل التفاصيل، وأعتقد أن هذا جزء من شعورنا بأنه مونديال في بلاد عربية، وأنه مونديال خاص بنا، لذلك أردنا الإشراف على تفاصيله.
سلمت الراية قطر وهي سعيدة بتنظيمها الناجح، والاستضافة المميزة، وعدم وقوع أي أحداث فوضوية، متلقية الإشادة بالنجاح من كافة الجهات، سلمتها لأمريكا ومعها كندا والمكسيك، لإطلاق أول مونديال باستضافة 3 دول، ووجود 48 منتخباً، والولايات المتحدة تأمل بتكرار نجاحها الكبير في 1994، الذي ما زال يعتبروه كثيرون، وأنا منهم، المونديال الأكثر تفضيلاً، ربما لكثرة قصصه الغريبة مثل نهاية مارادونا ورقصة بيبيتو ووفاة اسكوبار، فقد كان مونديالاً بلمسة هوليوودية وقتها بلا شك.