تعتقد بكركي أن الخلاف لم يعد فقط على رئيس الجمهورية بل على الجمهورية ومواصفات هذه الجمهورية. فكل فئة لبنانية تريد الرئيس الذي يرضي مشروعها وتطلعاتها.
بيروت ـ «القدس العربي»: مع حلول عيد الميلاد، لن تستقبل بكركي كعادتها رئيس الجمهورية بل سيكون كرسيه شاغراً. وكانت بكركي تأمل أن يولد رئيس للجمهورية من أصوات النواب في انتخابات ديمقراطية وحرة ليكون هو «العيدية» لكنها تعلم التعقيدات التي تحول دون هذا الانتخاب، لذلك يرفع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الصوت كل يوم أحد عالياً منادياً بالاسراع في انتخاب رئيس للبلاد يعيد انتظام المؤسسات والحياة الدستورية، مبدياً قلقه الشديد على الدور المسيحي الماروني وما تشهده جلسات الانتخاب في مجلس النواب من تعطيل متعمّد ومن مهزلة واستخفاف بموقع رئيس الجمهورية.
ولعل البطريرك الراعي لا يقلق فقط على موقع رئيس الجمهورية بل يقلق على الجمهورية كلها، ويرى في تعطيل الاستحقاق الرئاسي سعياً لإسقاط الجمهورية من جهة، وإقصاء الدور المسيحي وتحديداً الماروني عن السلطة من جهة أخرى، وهو متأسف لرؤية الجمهورية بلا سيادة للدولة على كامل أراضيها، ومتخوّف على الكيان الذي لعبت البطريركية المارونية دوراً هاماً في تأسيسه قبل عام 1920. وتعتقد بكركي أن الخلاف لم يعد فقط على رئيس الجمهورية بل على الجمهورية ومواصفات هذه الجمهورية. فكل فئة لبنانية تريد الرئيس الذي يرضي مشروعها وتطلعاتها. وإذا كان أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله جاهر برئيس يحمي ظهر المقاومة، فإن البطريرك كان واضحاً بمجاهرته برئيس يحمي ظهر لبنان لا ظهر هذا أو ذاك.
وعدا ما يراه حزب الله، تبدو مختلف المكوّنات متفقة على رئيس يرضي طموحات اللبنانيين ويشكل أملاً لهم بالانقاذ من الأزمات الاقتصادية المالية والحياتية ولا يشكل تحدياً للدول العربية وللمجتمع الدولي. لكن هذه المكوّنات على تنوّعها لا تملك القدرة على فرض إرادتها بوجود فائض القوة لدى حزب الله والذي فشلت معه كل محاولات اللبننة وفك ارتباطه بإيران بدءاً بالتحالف الرباعي عام 2005 مروراً بحوار ساحة النجمة عام 2006 وبطاولة التشاور في عين التينة وصولاً إلى إعلان بعبدا في عهد الرئيس ميشال سليمان، حيث نكث الحزب بكل تعهداته بالنأي بالنفس وأدار ظهره للمقررات وذهب للقتال في سوريا، وهذا ما سيجعل أي رئيس يُنتخَب يصطدم عاجلاً أم آجلاً بمشكلة حزب الله الذي لا يرى أولوية في البلد سوى سلاحه ومشروعه، وهو اغتنم كسب الوقت وفرص الحوار المتكررة و«تفاهم مار مخايل» مع التيار الوطني الحر لتمتين قاعدته ونفوذه في الداخل، حتى بات الأمر له في العديد من المسائل المرتبطة بالدولة وبقرار الحرب والسلم وترسيم الحدود وانتخاب الرئيس وانعقاد مجلس الوزراء والمطارات والمرافئ.
وهكذا، فإن حلحلة الملف الرئاسي وتالياً تأليف الحكومة الجديدة بات مرتبطاً بما تقرره إيران وتوعز به إلى حزب الله. وهذا ما جعل الأنظار تتجه إلى مؤتمر «بغداد 2» الذي إنعقد في الأردن لترقّب مدى الاهتمام بالملف اللبناني الذي يشبه إلى حد بعيد الملف العراقي بسبب النفوذ الإيراني في البلدين. ووضع البعض في لبنان آماله على أن يشكّل هذا المؤتمر الذي شاركت فيه فرنسا إلى جانب السعودية وقطر وإيران فرصة لإثارة الملف اللبناني من باب الضغط على القيادة الإيرانية لتسهيل عملية الانتخابات الرئاسية وفتح الباب للانتقال من الشغور إلى ملء الفراغ في قصر بعبدا.
وما قالته وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا في المؤتمر حول «ضرورة احترام إيران القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والتوقف عن التدخل في شؤون دول الجوار» ينطبق أيضاً على لبنان. وهذه من المرات النادرة التي تضيق بها باريس ذرعاً من الدور الإيراني المزعزع لاستقرار المنطقة.
والملاحَظ أن ما ورد في كلمة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في مؤتمر «بغداد 2» هو نفسه ما تريده بكركي وعدد من القوى السياسية في لبنان وما تطالب به في خطاباتها وبياناتها. فالسوداني أعلن «تمسك العراق ببناء علاقات تعاون متوازنة مع كل الشركاء الإقليميين والدوليين، وهو ينأى بنفسه عن إصطفافات المحاور وأجواء التصعيد، وينشد سياسة التهدئة وخفضِ التوترات؛ وفي الوقت ذاته يرفض التدخل بشؤونه الداخلية ومسَّ سيادته أو الاعتداء على أراضيه». وبكركي والقوى السياسية عينها تطالب بعلاقات متوازنة مع الأشقاء العرب وبالناي بالنفس وبإخراج لبنان من المحاور التي أضرّت به وغيّرت نظامه وهويته وعدم التدخل في شؤون لبنان الداخلية وعدم المس بالسيادة.
ورئيس الوزراء العراقي أضاف في المؤتمر «لا يمكن اعتماد مبدأ القوة في مساعي حلِّ الخلاف أو الاختلاف؛ ولا نسمح باستخدام هذا المبدأ ضد العراق، ولا نقبل أن ينطلق أيُّ تهديد من العراق ضدَّ أية دولة من دول الجوار أو المنطقة» وبكركي وعدد من القوى السيادية بًحّ صوتها وهي تدعو إلى عدم استخدام فائض القوة في لبنان ورفضها أن يكون لبنان مقراً أو ممراً لتهديد أي دولة عربية أو أجنبية.
لذلك، فإن ما ينطبق على السياسة الخارجية للعراق ينطبق على لبنان، ويكفي أن تلتزم الدولة اللبنانية فعلاً بما سبق وخصوصاً لجهة الخروج من سياسات المحاور حتى تعيد ترميم علاقاتها الخارجية. ولكن لن يتحقق هذا الأمر طالما بقيت الدولة مستباحة من الدويلة، وطالما لم تتخلّ طهران عن دعمها لأذرعتها في المنطقة.
لن يكون للبنان رئيس قبل آذار أو نيسان (مارس أو أبريل). وإسم رئيس ألجمهورية أللبنانية موجود في درج ماكرون, وطبعا في درج بايدن.لكن ألظاهر ألطبخة لم تنضج بعد. والسلام.