كان الأمل مُعلقاً على الشركة المُتحدة للخدمات الإعلامية في سعيها لحفظ التراث السينمائي المصري من التلف والعبث والمُتاجرة والارتهان، ولم يكن سقف التوقعات في هذا الشأن يصل إلى الخطوة الأكثر أهمية والمُتعلقة بتأسيس وتخصيص قناة وثائقية مُستقلة تتطلع بحفظ الكنوز السينمائية الوثائقية والتسجيلية وتعمل على وجود كيان خاص بالنوع الأهم من أنواع السينما وأجناسها، لا سيما أنه الأميز والأرقى والمُفيد إبداعياً وأدبياً وفنياً.
المُقدمة التي سبقت هذه الخطوة، والتي تمثلت في وحدة الأفلام الوثائقية المؤدية لدورها بالشركة المعنية منذ أربعة أعوام كانت دافعاً مهماً لتطوير الفكرة وتحويل الوحدة الوثائقية للأفلام من مجرد نواة صغيرة إلى نافذة إعلامية مهمة طالما ظلت حُلما يراود صُناع السينما والإعلاميين المُتخصصين في المجال السينمائي، من الحريصين على تقدم الحركة الصناعية السينمائية في أفرعها المُختلفة.
ولعل المطمئن في المسألة أن الأخبار التي تواترت عن تفاصيل نشاط القناة الوثائقية وموعد انطلاقها جاءت دالة ووافية، حيث تم تحديد الكوادر المسؤولة كل في تخصصه ووظيفته، فقد اختير الإعلامي أحمد الدريني رئيساً لقطاع الإنتاج والإعلامي شريف سعيد رئيساً للمحطة الفضائية الجديدة، وهذا يعني أن هناك جدية في المشروع وأن الموعد المُحدد للبث في كانون الثاني/يناير المقبل دليل على المساعي الحثيثة المبذولة للالتزام بتوقيت البدء المُعلن عنه ليشهد عام 2023 طفرة إعلامية متطورة خاصة بالفيلم التسجيلي والوثائقي، ماضيه وحاضره ومُستقبله.
وبالطبع لم يقتصر نشاط القناة على حفظ التراث المصري السينمائي فقط وإنما سيشمل بكل تأكيد الإبداعات التسجيلية والوثائقية العربية وربما يمتد النشاط ذاته إلى توثيق بعض التجارب العالمية ذات الصلة بالموضوعات والأطروحات المُشتركة لإثراء الحركة السينمائية النوعية بشكل عام وهو دور منوط بالفعل بقُدرات ونشاطات الشركة المُتحدة للخدمات الإعلامية بوصفها الجهة القادرة على التمويل باعتبار المشروع إعلاميا ثقافيا سينمائيا ضخما يستلزم استعدادات مادية وفنية ويتطلب كوادر بشرية مُدربة لديها خبرة واسعة في المجال السينمائي الحيوي المهم.
وكما أن إطلاق قناة وثائقية مُتخصصة يعد عملاً فارقاً ومطلوباً في هذا التوقيت، فإن عملية ترميم الأفلام المُتلفة بفعل الإهمال الجسيم تُعد هي أيضاً من الضروريات، حيث الشيء لزوم الشيء، فلا يُمكن المُحافظة على الثروة السينمائية من الأفلام التسجيلية والوثائقية والروائية القصيرة إلا إذا تم مُعالجة المُشكلة من الأساس وتوافرت للفيلم العوامل الصحية لبقائه بحالة جيدة من حيث الصورة والصوت والألوان والمحتوى الإجمالي كله، وهذه المُميزات لابد لها من مناخ ملائم يُحقق النتائج المرجوة على أعلى مستوى. ولأن هناك قطاع إنتاج مُتخصص داخل المنظومة الوليدة بالشركة المصرية سيعمل على إنتاج أفلام وثائقية جديدة فإن الأمر يستلزم الإشارة إلى ضرورة وجود بعض الضوابط التي من شأنها تحسين أداء العمل وضمان نجاح المشروع في المُستقبل القريب والبعيد، وأول هذه الضوابط إلغاء المحسوبية في عملية التوظيف وتشغيل الكوادر والطاقات المُراهن عليها، بحيث يكون التقييم بمعيار الكفاءة والخبرة فقط بغير استجابة لضغوط الوساطة.
ثانياً الاهتمام بتنمية مقومات الإنتاج وفتح منافذ لتوزيع الفيلم الوثائقي المصري خارج الحدود المحلية والأخذ بمبدأ الشراكة للتغلب على المعوقات الإنتاجية، خاصة الشراكة العربية لخلق ما يُمكن تسميته بقومية الفيلم العربي حفاظاً على هويته ومكانته الدولية، مع مراعاة أهمية التواصل مع دوائر الإنتاج الدولي والعالمي. وعلى جانب آخر يُمكن للقناة الوثائقية السينمائية المصرية الجديدة إعادة إصدار الجريدة السينمائية الناطقة والتي توقفت قبل نحو ربع قرن وأكثر وكانت معنية بإذاعة وعرض أخبار السياسة والثقافة والفن والإبداع لجمهور السينما في الحفلات اليومية قبل بداية عرض الأفلام بزمن قليل لا يتجاوز الخمس عشرة دقيقة.
وربما يأتي التذكير بالجريدة السينمائية بوصفها واحدة من مُفردات التراث السينمائي المصري التاريخي الحاوي للعديد من الصور التسجيلية والشهادات والأحداث المهمة المُرتبطة بوقائع وشخصيات ومواقف.
غير أن إحياء الجريدة ذاتها وتصديرها في مقدمة البرامج سيكون له أثر بالغ في عملية التثقيف التي تنشدها القناة وتعمل على تعميمها كمكون رئيسي من مكونات الرسالة الإعلامية المُستهدفة، حتى وإن شملت الرسالة بعض المواد السياسية سيكون هناك تجانس بين المحتوى الخبري التراثي للجريدة وبين برامجها وموادها الإعلامية الحديثة وحينئذ تتحقق الأهداف العامة والخاصة وتُصبح السينما التسجيلية والوثائقية شاهدة على كل العصور.