سيناريوهات ما بعد التطبيع التركي مع دمشق… ارتباك وسط المعارضة السورية وجمهور الثورة

هبة محمد
حجم الخط
0

دمشق – «القدس العربي»: يمر السوريون وقوى المعارضة السياسية بحالة من القلق إزاء المسار الجديد في إعادة العلاقات السياسية بين تركيا والنظام السوري، وذلك بعد قطيعة دامت 11 عامًا. فمنذ إعلان أنقرة نيتها المصالحة مع النظام، لم يخفِ السوريون شمال غربي سوريا، توجسهم من التقارب التركي – السوري من حيث تبعاته، وذلك نتيجة شعورهم بغياب الحرص على مصالحهم ممن يدعي تمثيلهم سياسياً وعسكرياً ومدنياً.
وتشهد مناطق سيطرة المعارضة السورية، تظاهرات ووقفات احتجاجية (آخرها أمس) تؤكد رفض جماهير الثورة ممارسة أي ضغوط لتحقيق المصالحة مع النظام، وتصر على التمسك بمبادئ الثورة السورية، حيث طالب المتظاهرون بتطبيق القرار الدولي رقم 2254 القاضي بنقل السلطة من النظام السوري، إلى هيئة حكم انتقالية مستقلة. ونظراً لحالة الاستعصاء السياسي، وترهل المعارضة السياسية أداءً ومؤسساتٍ، كثرت التكهنات حول انعكاس هذا التغير والمسار السياسي الجديد، على مصير السوريين وقوى المعارضة؟ وما هي خيارات هذه الأخيرة؟ وهل يمكن أن تخلق فصائل المعارضة المسلحة شمال سوريا واقعاً عسكرياً جديداً في حال فرض أي حلول استسلامية؟

سيناريوهات متوقعة

ويبقى السؤال: ما هي السيناريوهات المتوقعة؟ لاسيما أن زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني، كان قد أعلن رفضه لهذه المفاوضات التي اعتبرها “انحرافاً خطيراً يمسّ أهدافنا”. كما فتحت الاستدارة التركية الأخيرة تجاه النظام تساؤلات حول المكاسب التركية المتوخاة من وراء هذه المصالحة؟ وإلى أين سوف تصل؟
المحلل السياسي عبد الناصر حوشان ميّز في تصريحه مع “القدس العربي” بين تطبيع العلاقات التركيّة مع النظام وبين تطبيع العلاقة بين المعارضة والنظام، وقال “تطبيع العلاقات التركية مع النظام شأن سيادي تركي ليس لأحد التدّخل به لا من قبلنا كسوريين ولا على مستوى الدول”.
وما يهمّ السوريون هو آثار هذا التطبيع، وفق قوله مضيفاً “كما للدول سيادتها، للشعوب سيادتها وحقّها في تقرير مصيرها، والشعب السوري يملك الأهليّة القانونيّة والدستوريّة لقول كلمته الفصل بما يخصّ علاقته مع النظام” وذهب المتحدث إلى أنه “لا توجد قوة على الأرض تجبره على المصالحة مع النظام أو رميه بين براثنه سواءً كانوا في الداخل أو في دول اللجوء ومنها تركيا”. أما بالنسبة للمعارضة السياسية، فقد أبدى المتحدث اعتقاده بوجود طيف كبير من المعارضة بمفهومها الموسّع أي ليس الائتلاف على سبيل الحصر، الذي يؤمن بالحلول الوسط مع النظام لا سيما أولئك الذين انخرطوا في عمليات التفاوض والتي من حيث المآل ستؤدي الى شراكة مع النظام وفق المقاربة الروسيّة النافذة للقرار 2254، ويمكن أن تحدث انشقاقات في صفوفها.
وجزم حوشان بأن “ممثلي الفصائل العسكريّة خاصة في تلك المفاوضات لن يجرؤوا على الانخراط في تسوية مع النظام وبالتالي سنشهد حالة من الارتباك على الصعيد العسكري ربّما يكون القيام بمعارك ضد النظام هو الحلّ في نسف كل التفاهمات والنتائج التي أوصلتنا الى ما هو الحال عليه اليوم”.
المعارضة وفق رأي المتحدث ليس لديها هامش للقيام بتحالفات جديدة فهي محاصرة بين المشروع الأمريكي الذي يقوم على التقسيم (الفدرالية) وبين المشروع الروسي – التركي الذي يقوم على وحدة وسيادة الاراضي السورية، وأضاف “من الأخطاء القاتلة التفكير بعقد تحالفات مع “قسد” أو جناحها السياسي “مسد”، لأنها مصنّفة على لوائح الارهاب التركيّة وبالتالي الدخول في عداء مباشر مع تركيا وهذا ضربٌ من الجنون إن حصل، وأعتقد بأن النظام وربّما الأمريكيين يحاولون الدفع بهذا الاتجاه كرد فعل على الموقف التركي لخلط الأوراق وتصعيد الأمور بينها وبين قوى الثورة، وبالتالي تخفيف العبء عن النظام لأنه مُكره على إعادة العلاقات مع تركيا والتي يمكن أن تساهم في إسقاطه من خلال إجباره على تنفيذ الشروط التركيّة والتي هي صلب القرارات الدولية التي يتهرّب منها النظام.

مساع تركية

وحول مساعي أنقرة في احتواء الموقف والمحافظة على المعارضة المسلحة، رأى المحلل السياسي أن تركيا “لن تفرط بالثورة ولا بالجيش الوطني مطلقا لأنها الورقة الأقوى بيدها بمواجهة الجميع، سواء الروس وحلفائهم أو الأمريكان وحلفائهم”. وانتهى المتحدث بالقول بأن ما يحدث هو مجرد استهلاك إعلامي واستغلال سياسي للزمن الذي نمرّ به، قائلاً: علينا ألا ننسى بأن العبرة في الخواتيم والتغيّرات الفعليّة تكون على أرض الواقع.
وحول موقف زعيم هيئة تحرير الشام التي تشكل جبهة النصرة عمودها الفقري، أبو محمد الجولاني، الذي كان قد أعلن في مقطع مصوّر، الأسبوع الفائت، عن قلقه من المفاوضات الجارية بين أنقرة ودمشق برعاية روسية. وعبّر الجولاني عن رفضه للمفاوضات، معتبرا أن المباحثات، التي تجري بين النظام السوري وحليفه الروسي مع الجانب التركي، “انحرافاً خطِرا يمسّ أهدافنا”، داعيا فصائل المعارضة شمالي سوريا إلى “الاتحاد مع هيئة تحرير الشام من أجل مواجهة التحدي القائم”.
وفي هذا الإطار اعتبر المعارض السوري أن موقف الجولاني له دلالات متعددة، كما يمكن ترجمته على أنه رسالة لتركيا بأنها لن تتمكن من فرض أي حلول، كما أنه رسالة للحاضنة الشعبية لتدعيم موقفها الرافض للمصالحة، حتى لو اضطروا لخلق واقع عسكري جديد وهو مطلب اغلب المهجّرين قسراً.

«حلول استسلاميّة»

وأضاف “يمكن لتركيا الاستفادة من تصريحه لتقوية موقفها التفاوضي ضد الروس، وفي النهاية الهيئة ليس لديها ما تخسره لذلك من المتوقّع في حال فرض أي حلول استسلاميّة ستلجأ الى فتح باب المعارك وربما سنشهد تشكيلات عسكرية جديدة على غرار جيش الفتح” لافتاً إلى أن الكثير من الفصائل ستحذو حذوه إذا شعرت أن هناك من يفرض عليها الاستسلام لأن أغلب عناصرها وقادتها أولياء دم وأعراض وكذلك الهيئة تضم الأكثرية العظمى من مقاتليها من المهجرين قسراً من كل المحافظات. معتبراً أن كل هذه المعطيات تشير إلى أن الشمال السوري قد يشهد “حالة من الفوضى التي تدمّر كل ما بناه المجتمع الدولي من أوهام، وهو قد يضغط على المجتمع الدولي ليعيد حساباته في إعادة تأهيل النظام”.
وعلى ضوء ما سبق، تحدث الكاتب والمحلل السياسي د.باسل معراوي في تصريحه لـ “القدس العربي” عن خيارات المعارضة والجمهور المعارض، والمكاسب التركية، والسيناريوهات المتوقعة نتيجة الانفتاح التركي على نظام الأسد، معتبراً أن الانفتاح قد حقق معظم أغراضه المتوخّاة للجانب التركي دون حدوث أي خطوة عملية أو تنازلات حققتها أنقرة في الملف السوري، مرجحاً أن تتراجع تركيا عن اندفاعتها بسبب الموقف الشعبي الرافض، والخوف من خسارة البيئة الصديقة لتركيا. وقال معراوي: خيارات المعارضة السورية السياسية محدودة، ولكنها وإن آثرت الصمت في الأيام الاولى فإنها لا تستطيع مجاراة الضغوط التركية فيما لو مورست عليها، لتأييد المصالحة مع النظام.

المعارضة السورية

أما القيادات العسكرية وفق الكاتب والمحلل السياسي د.باسل معراوي فقد “ابتعدت عن إصدار مواقف رسمية ولكن أغلب القادة العسكريين رفضوا تلك الخطوة بتغريدات أو تصريحات منفردة، ومواقفهم ليست أحسن حالاً من المعارضة السياسية”. لكن، بيضة القبان هي الجمهور المعارض لتلك التوجهات، حيث خرجت جماهير غفيرة تحت شعار (نموت ولا نصالح) وأعربت وفق المتحدث الجمعة الماضي وأمس عن موقف جماهير الثورة والحاضنة الشعبية من موضوع المصالحة ولم ترفع شعارات مناهضة لتركيا أو معترضة على تطبيع الحكومة التركية مع النظام السوري بل الاعتراض الشعبي على محاولة فرض أنقرة أو ممارسة ضغوط تركية لتحقيق تلك المصالحة”.
واعتبر أن تصريحات وزير الخارجية التركية والذي قال قبل اجتماعه بوفد عن المعارضة السورية “إننا لن نطبع علاقاتنا مع النظام السوري رغماً عن المعارضة تطور مهم يوحي بتراجع نوعي لأنقرة عن اندفاعتها بسبب: أولاً، الموقف الشعبي الرافض، وثانياً، الخوف من خسارة البيئة الصديقة لتركيا”. ثانياً، الموقف الأمريكي الرافض للتطبيع والذي لمح له جاووش أوغلو بأن الأمريكيين لا يروق لهم ذلك ولكنهم لا ينتقدوننا، ثالثاً ضعف الموقف الروسي الضاغط على أنقرة بسبب تورطها بالوحول الأوكرانية.
وعن المكاسب التركية قال المتحدث: تتمثل أولاً، بانتزاع الورقة القوية والتي كان البرنامج الانتخابي شبه الوحيد أو الرئيسي من يد المعارضة التركية والتي ظنّت أنها ستحرج الحكومة بها وتأخذ حصة أكبر من أصوات المقترعين، حيث عملت المعارضة التركية على إقناع الشارع التركي بأن سبب الأزمة الاقتصادية هو مشكلة اللجوء السوري وأن تلك المشكلة لا حل لها إلا بإصلاح علاقة تركيا مع النظام السوري وذلك لدفع اللاجئين للعودة إلى بلادهم، وأن حكومة حزب العدالة الموجودة في السلطة منذ مدة بعيدة عالجت الأزمة بشكل سيئ وهي المسؤولة الأولى والأخيرة وأنها أسيرة مواقف لا تستطيع بها التطبيع مع النظام السوري وأن النظام نفسه رافض لأي تطبيع مع الحكومة التي يتهمها بأبشع الأوصاف.

هل يجتمع الرؤساء الثلاثة؟

كما تمكنت الحكومة خلال عدة أشهر وتحديداً منذ منتصف آب الماضي بالقيام بعدة خطوات وصلت في 27 كانون الأول 2022 إلى لقاء أمني عسكري على مستوى عالٍ في موسكو، وكشف وزير الخارجية التركي عن تحديد موعد في النصف الثاني من الشهر الحالي للقاء نظيره السوري فيصل المقداد وعلى ضوء نتائج اللقاء يتم تحديد هل سيتم نقل مستوى اللقاءات الى الرؤساء من عدمه.
هذا اللقاء، أقنع الشارع التركي وفق المتحدث برغبة وجدية الحكومة بالتجاوب مع رغباته وفتح حوار مع نظام دمشق، ولوحظ أيضاً انحسار ظاهرة العنصرية ضد اللاجئين السوريين في تركيا كنتيجة لتلك الدبلوماسية التركية. كما أسهم التجاوب التركي مع الضغوط الروسية للتطبيع مع النظام في الحفاظ على علاقات قوية لأنقرة مع موسكو وبالتالي انعكاس تلك العلاقة بفوائد اقتصادية ومالية جمّة عن طريق موسكو، فضلاً عن إظهار أن النظام وإيران هما الرافضان لعملية التطبيع وليس تركيا، وذلك من خلال البرود الذي قابل به النظام الاندفاعة التركية، وأيضاً غياب إيران عن مشهد اللقاءات الأخيرة خاصة لقاء وزراء الدفاع الثلاثة ورؤساء أجهزة الاستخبارات، ولا يحتاج تفسير ذلك لكثير عناء بأن إيران أبعدت نفسها أو تم إبعادها عن المشهد وممكن أن يكون الاثنان معاً.
وبما أن الملفات شائكة وعصية على الحل دون توفر معطيات ضرورية له، وقد حقق الأتراك هدفهم من العملية، فقد توقع الكاتب والمحلل السياسي ألا تتطور اللقاءات بعد لقاء وزراء الخارجية، إنما ستقف عند إبقاء المسعى السياسي مفتوحاً والغاية التركية تكتيكية بإبعاد “قسد” عن النظام والروس.
الاستدارة التركية الأخيرة باتجاه النظام السوري، وفق رؤية المتحدث “وجهت رسالة للولايات المتحدة بضرورة تفهم مخاوف أنقرة”، وقال معراوي “صحيح أن الولايات المتحدة رفضت العملية العسكرية التركية لكنها في المقابل سمحت بما لم تسمح به من قبل بفتح المجال الجوي أمام الطيران التركي العادي والمسير لضرب أهداف حيوية بأعماق وصلت لـ80 كم مع اغتيالات لرؤوس كبيرة (من القوات الكردية)، لكن أنقرة لا تستطيع تجاهل الانتقادات الأمريكية من خطورة التطبيع مع نظام الأسد والذي تصنفه واشنطن كتاجر ومصنع مخدرات عالمي”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية