لندن ـ «القدس العربي»: أخذ السباق على لقب الدوري الإنكليزي الممتاز، منعطفا آخر في الجولات الثلاث المضغوطة التي أعقبت مونديال قطر 2022، ما بين كبار تفننوا في قهر المشجعين بنتائج أقل ما يُقال عنها محطمة للآمال، وفي رواية أخرى إعلان رسمي لرفع الراية البيضاء في المنافسة على اللقب، وجرس إنذار شديد اللهجة على المقاعد المؤهلة لدوري أبطال أوروبا الموسم المقبل، وكبار آخرون عادوا بنسخة أكثر حدة وشراسة، مقارنة بالصورة التي كانوا عليها قبل كأس العالم.
انتفاضة الشياطين
تظهر لغة الأرقام وردود الأفعال على النتائج والأداء في أسابيع ما بعد كأس العالم، أن مانشستر يونايتد يأتي في مقدمة الأندية التي أحسنت استغلال فترة التوقف المونديالي، وكأن المدرب الهولندي إيريك تين هاغ ورجاله تنفسوا الصعداء، بعد التخلص من الهداف التاريخي لكرة القدم النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، ويتجلى ذلك في التحسن الملموس في النتائج والأداء الفردي والجماعي، بتحقيق الانتصار السادس تواليا في كل المسابقات، والرابع على التوالي في الدوري الإنكليزي الممتاز، ما جعل بعض المتفائلين يطلقون العنان لأنفسهم، بوضع اليونايتد في جملة مفيدة في دائرة المنافسة على اللقب، وذلك بطبيعة الحال لعدة أسباب، أبرزها وأكثرها تماشيا مع لغة العقل والمنطق، تقلص الفارق مع المتصدر آرسنال لتسع نقاط فقط قبل جولتين من بدء الدور الثاني بأكمله، بعد تعثر المدفعجية مع الحصان الأسود الجامح نيوكاسل يونايتد بدون أهداف، في المباراة التي جعلت المان يونايتد يتساوى مع جيوش المدينة في عدد النقاط، الى جانب الظاهرة الصحية، التي أثلجت قلوب المشجعين، بالانتعاشة الجماعية في مستوى الركائز الأساسية في مشروع الأصلع الهولندي، في مقدمتهم القادم من ريال مدريد كاسيميرو، الذي بدأ يثبت بشكل عملي، أنه القطعة المفقودة التي كان يبحث عنها الفريق منذ سنوات، محاكيا نسخته البراقة التي كان عليها في سنوات المجد مع اللوس بلانكوس، بإضافة ملموسة في وسط الملعب، انعكست بشكل إيجابي على جودة منظومة خط الوسط، أو بالأحرى في جودة وخبرة ثنائية كاسيميرو وإريكسن، ونشاهد تأثير المجهود الكبير الذي يبذله الساحر البرازيلي، على زميله الدنماركي، الذي يجد ما يكفي من أريحية ومساحات لنثر سحره وإبداعه في الثلث الأخير من الملعب، على طريقة مودريتش مع ريال مدريد.
أيضا المدافع الأعسر الإنكليزي لوك شو، يبدع في تقمص دور “الجوكر” في إستراتيجية تين هاغ، تارة بعدم خذلان المدرب في مركز المدافع الثالث، وتارة أخرى بإظهار نسخة الظهير الأيسر العصري، بالطريقة التي صنع بها الفارق في الشوط الثاني في ليلة تخطي بورنموث بالثلاثة في “أولد ترافورد”، كواحد من أكثر المؤثرين في الصحوة المتأخرة، ومتوقع منهم المزيد في فترة ضغط المباريات في الدور الثاني، مثل العائد بقوة ماركوس راشفورد، الذي لا يتوقف عن التهديف، رغم علمه بنوايا المدرب، بشراء مهاجم جديد في انتقالات يناير / كانون الثاني الحالية، لتعويض رحيل صاروخ ماديرا. يكفي أن هدفه، الذي سجله بعد مشاركته كبديل في مباراة الثلاثاء الماضي، كان الثاني عشر له في مختلف المسابقات هذا الموسم، أي أكثر من ضعفي حصيلة أهدافه على مدار الموسم الماضي، وبالإضافة إلى كل ما سبق، بدأت تتحسن أوضاع المنبوذين أمثال هاري ماغواير وفيكتور ليندلوف ودوني فان دي بيك، قبل تعرضه للإصابة. فقط أنتوني مارسيال، هو من يسير في الاتجاه المعاكس، بتذبذب لا ينتهي في مستواه وقراره في اللمسة الأخيرة أمام المرمى، لكن من حسن حظ المدرب، أن اليافع أليخاندرو غارناتشو، يؤدي بشكل أكثر من رائع، بطاقة وحيوية لا تقارن أبدا بكسل وأنانية المهاجم الفرنسي. وبوجه عام، يمكن القول، إن مشروع تين هاغ، بدأ يرى النقطة المضيئة في نهاية النفق، فقط يحتاج المضي قدما بنفس الواقعية وعقلية الفوز، خاصة في المباراتين المقبلتين، لضمان سد الفجوة مع المتصدر والوصيف، والحديث عن دربي مانشستر سيتي، الذي سيقام على ملعب “مسرح الأحلام” في منتصف هذا الشهر، ثم زيارة المدفعجية في عقر دارهم استاد “الامارات”، وذلك في الوقت الذي سيكون فيه مانشستر سيتي على موعد مع صدام لندني ثان معقد مع توتنهام، بعد موقعة تشلسي، وكذا آرسنال سيخوض دربي الشمال في نفس الإطار الزمني، فهل سيواصل اليونايتد بنفس الزخم ويقترب أكثر من دائرة المنافسة على اللقب في الأسابيع القليلة المقبلة؟ دعونا ننتظر لنرى نهاية التحدي بدون كريستيانو رونالدو.
الخاسر الأكبر
على النقيض من الشياطين الحمر، يسير ليفربول من سيئ إلى أسوأ في حملة يورغن كلوب السابعة، وكأن الفريق لم يستفد من التوقف الطويل، بالظهور بنفس النسخة الباهتة والمتذبذبة التي كان عليها قبل كأس العالم، آخرها الهزيمة الكابوسية، التي مني بها على يد برينتفورد بثلاثية مذلة مقابل هدف، في مباراة كانت كاشفة لكل عيوب ونقاط ضعف أحمر الميرسيسايد، منها على سبيل المثال لا الحصر، الفقر الإبداعي في وسط الملعب، متمثلا في الحالة الفنية والبدنية التي يبدو عليها تياغو ألكانتارا، وتأثر جوردان هيندرسون بعامل التقدم في السن، ومعاناة هارفي إليوت في التأقلم على اختراعات مدربه الألماني، لتوظيفه في مركز لاعب الوسط الثالث، ناهيك عن مشاكل الإصابات التي لا تفارق نابي كيتا وجيمس ميلنر. وكل ما سبق في كفة وما يفعله داروين نونيز في كفة أخرى، بإصرار غريب على إهدار طاقته ومجهود الفريق، بإضاعة هذا الكم المخيف من الفرص السهلة، مقارنة بإنتاجية طيب الذكر ساديو ماني، الذي كان يُحسن استغلال أنصاف الفرص، فما بالك بالانفرادات السهلة التي يتفنن المهاجم اللاتيني في إهدارها، ما تسبب في خلق تلك الطاقة السلبية، التي تلقي بظلالها على رجال كلوب المخلصين، بهبوط جماعي ملموس في أداء عناصر بحجم فيرجيل فان دايك، وشريكه في قلب الدفاع إبراهيم كوناتي، الذي على ما يبدو أنه لم يتخط بعد أحزان خسارة نهائي كأس العالم مع منتخب فرنسا.
حتى كبير الهدافين محمد صلاح، لم يسلم من هذه اللعنة، كضحية للحالة المأساوية التي وصل إليها الفريق، ولعلنا لاحظنا الهجوم الضاري عليه في ردود الأفعال بعد ثلاثية برينتفورد، لكن بنظرة واقعية على المحتوى الذي يقدمه الريدز سواء قبل كأس العالم أو بعد عودة اللاعبين، سنجد أننا أمام مشروع اُستهلك، أو بالمصطلح الدارج “وصل الى مرحلة الإفلاس الكروي”، بتحول أفكار المدرب، إلى تغريدات ومنشورات عامة بالنسبة للخصوم، وما ينذر بما هو أصعب في الأمتار الأخيرة، ذاك الخلل الكبير بين المدرب واللاعبين، بعد نفاد مفعول محاضرات التحفيز، التي كانت تساعده في ما مضى على شحن اللاعبين نفسيا ومعنويا، لينفجروا أمام الخصوم، بالصورة المخيفة التي رسمها ليفربول لنفسه في حقبة كلوب الماضية، باستثناء معاناة الموسم قبل الماضي، وما زاد الطين بلة، ضعف الجودة في وسط الملعب ومراكز أخرى، بجانب تمسكه بأفكاره، التي ترتكز على “عصر اللاعبين” بدنيا على مدار الـ90 دقيقة، من دون الأخذ في الاعتبار، تغير أعمار اللاعبين وتراجع معدلاتهم البدنية، إلا إذا أعاد أفكاره مرة أخرى، والأهم تدعيم خط الوسط، بلاعب قادر على تقديم إضافة حقيقية، مثل كاسيميرو مع مانشستر يونايتد، أما غير ذلك، فربما يعاني الأمرين من أجل العودة إلى المراكز المؤهلة للكأس ذات الأذنين، في ظل ابتعاده عن صاحب المركز الرابع بسبع نقاط.
صراع الصدارة
قبل أن يُسدل الستار على جولة ما قبل الاستراحة القصيرة، أهدر آرسنال فرصة لا تعوض، للضغط على مانشستر سيتي قبل رحلته إلى “ستامفورد بريدج” لمواجهة تشلسي، بتوسيع الفارق إلى 10 نقاط، بعد تعادله مع نيوكاسل بدون أهداف في قلب استاد “الإمارات”. صحيح يُحسب لفريق طيور الماغبايز، نجاحه في الخروج بنتيجة إيجابية جديدة في معاركه مع الكبار، بعد تعادله مع السيتي واليونايتد وفوزه على تشلسي وتوتنهام، مقابل هزيمة وحيدة أمام ليفربول، لكن الأفضلية والسيطرة كانت من نصيب المدفعجية، ولولا عدم وجود القطعة النادرة في هجوم الفريق اللندني، المتأثر بغياب غابرييل جيزوس، لما انتهت المباراة بدون أهداف، لكن في كل الأحوال، كانت كاشفة لما يحتاجه المدرب ميكيل آرتيتا، من أجل المضي قدما نحو الحلم المنتظر منذ عام 2004، بتحقيق لقب الدوري الإنكليزي الممتاز، وأغلب التقارير تتحدث عن اقتراب الإدارة من ضم جوهرة شاختار دونيتسك الأوكراني ميكايلو مودريك، لتعويض فترة غياب الهداف البرازيلي، وحل معضلة الفرص السهلة التي يهدرها يوكايو ساكا وإدوارد نيكيتيا وبدرجة أقل غابرييل مارتينيلي، وفي كل الأحوال، كانت تجربة كافية، للتذكير بأن آرسنال لا يزال أمامه طريقا مخيفا لقطعه هذا الموسم، والأمر لا يتعلق بالحفاظ على المسافة الآمنة مع بطل آخر نسختين، بل أيضا لوجود تهديد حقيقي، لاتساع المنافسة بين أكثر حصانين، والحديث عن ثورة نيوكاسل مع إيدي هاو، والاستفاقة التي أشرنا إليها أعلاه لليونايتد.
وفي المقابل، ضرب مانشستر سيتي عدة عصافير بفوزه على أسوأ الكبار هذا الموسم بلا منازع تشلسي، حيث منها استفاد من هدية تعادل آرسنال ونيوكاسل، بإعادة الفارق إلى خمس نقاط فقط مع المتصدر، ومنها أعطى رسائل شديدة اللهجة، بأنه لن يفرط في لقبه المفضل بسهولة، بجانب المكاسب المعنوية التي لا تقدر بثمن، مثل عودة النسخة المرعبة لقائد المنتخب الجزائري رياض محرز، بصناعة هدف لهالاند في ليلة الانتكاسة أمام إيفرتون، ثم بالتكفل بتسجيل هدف العودة من غرب لندن بأهم ثلاث نقاط في الموسم حتى الآن، وذلك في الوقت الذي يجني فيه بيب غوارديولا، ثمار المنافسة الحادة، لحجز مكانين بجانب الوحش الاسكندينافي في الثلث الأخير من الملعب، متمثلة في الرباعي رياض محرز وبيرناردو سيلفا وجاك غريليش وفل فودن، وأحيانا يزاحمهم بطل العالم جوليان ألفاريز على مكان بجانب هالاند، ما يعكس العمق الكبير في تشكيلة المدرب المدرب الكتالوني، وهو ما يراهن عليه في صراع النفس الطويل مع تلميذه النجيب آرتيتا، وستكون بداية تحديد ملامح شكل المنافسة على اللقب، بما ستفسر عنه نتائج الجولات التي ستعقب توقف كأسي الرابطة والاتحاد الإنكليزي، بداية بمباراة الدربي أمام غريم المدينة مانشسر يونايتد، التي ستتزامن مع دربي الكراهية بين آرسنال وتوتنهام في قلعة “توتنهام هوتسبر”، وفي ختام نفس الأسبوع التقويمي، سيكون السيتي على موعد مع موقعة خارج التوقعات، عندما يستضيف أنتونيو كونتي وكتيبة السبيرز في القمة المؤجلة من الجولة السابعة، وبعد أيام تعد على أصابع اليد الواحدة، ستكون هناك ملحمة كلاسيكية بين المدفعجية وغريم التسعينات وبداية الألفية مانشستر يونايتد. بينما نيوكاسل، سيخوض في نفس الموعد اختبارات لندنية متوسطة المستوى أمام فولهام وكريستال بالاس ووستهام، ما يعني أنه بنسبة تزيد على 90%، سنلاحظ تغيرات في جدول الترتيب العام وشكل المنافسة، إما بصمود آرسنال حتى إشعار آخر، ومطاردة مستمرة من مانشستر سيتي، قبل مباراتهما معا، المقررة في منتصف الشهر المقبل، أو تصدق التوقعات، ويقتحم نيوكاسل ومانشستر يونايتد دائرة المنافسة على اللقب، وبدرجة أقل، سيبقى توتنهام على مسافة آمنة من أصحاب المركزين الثالث والرابع، لحين إعادة النظر في حلم المنافسة على اللقب، فيما يحتاج ليفربول لعمل شاق، من أجل العودة الى ركب الطامحين في إنهاء الموسم ضمن المربع الذهبي. وبالنسبة لتشلسي، الذي سجل رقما قياسيا على مستوى الإنفاق في الميركاتو الصيفي، فمن الواضح أنه بحاجة إلى معجزة من السماء، للهروب من منتصف الجدول والعودة مرة أخرى إلى مكانه الطبيعي في جدول ترتيب البريميرليغ، والسؤال الآن: هل يكون الميركاتو الشتوي طوق نجاة سواء للمنافسين على اللقب أو الطامحين في المراكز المؤهلة لدوري الأبطال؟ دعونا نرى.