لندن- “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا عن أحداث إيران، قالت فيه إن غياب الأمل والمصاعب الاقتصادية هي سبب الاحتجاجات.
فمع زيادة الأسعار في طهران، علم مبرمج الكمبيوتر وزوجته أن الوقت قد حان للرحيل، ولهذا قاما مثل بقية الأزواج الشباب بحزم أمتعتهما والرحيل نحو بلدة قريبة من العاصمة.
ومع أن الإيجارات أقل من العاصمة، إلا أن البناية أنشئت بطريقة متعجلة نظرا لزيادة النمو في الإسكان، فلم يكن هناك مدارس أو ملاعب قريبة وحتى الحصول على المواد الأساسية تقتضي السفر أميالا.
وبعد عامين على انتقالهما زادت الظروف الاقتصادية سوءا، وقال المبرمج البالغ من العمر 38 عاما، إن فكرة الحصول على بيت في بلدة بعيدة أصبحت حلما، وكان يأمل بشراء سيارة من نوع “كيا” لكنها أصبحت بعيدة المنال، فمع المبلغ الذي يوفره مع زوجته الممرضة، فالحصول على السيارة يقتضي منها التوفير لعامين. وقال المبرمج: “أشعر بالغضب وغياب الأمل واليأس”.
وأكد مثل غيره الذين قابلتهم الصحيفة: “لو خرجنا للتظاهر، فسنتعرض للقمع بأسوأ وأشنع الطرق.. لا نعرف في الحقيقة ماذا سنفعل، ولا نستطيع الاحتجاج ولا تحسين وضعنا”. وتواجه إيران منذ أكثر من أربعة أشهر احتجاجات بعد وفاة الشابة مهسا أميني، التي ماتت بعد اعتقالها من قبل شرطة الأخلاق في أيلول/ سبتمبر؛ بسبب عدم التزامها بارتداء الحجاب بالطريقة المطلوبة.
وما بدأ كدفاع عن حق المرأة، تحول إلى حركة تطالب بحريات ثقافية وسياسية، وإنهاء الانتهاكات التي تمارسها قوات الأمن. إلا أن التظلمات الاقتصادية تغذي الاضطرابات، كما يقول المراقبون والناشطون. وزادت حالة الحنق بعد ارتفاع الأسعار وانهيار قيمة العملة أمام الدولار. ووصلت معدلات التضخم إلى 48%، حسب الأرقام الحكومية، وهي النسبة الأعلى منذ عام 1995، واضطر الإيرانيون للاكتفاء بما هو موجود.
وبالنسبة للكثير من أصحاب البيوت، بات اللحم والبيض من الأمور الكمالية. ونقلت الصحيفة عن سعيد ليلاز، المحلل الاقتصادي في طهران: “أول تأثير للتضخم كان على حياة الناس”، مضيفا: “لم تكن الحكومة قادرة على عمل أي شيء من أجل تخفيض التضخم حتى الآن وذلك بسبب الفساد”. وقالت الصحيفة إن الجمهورية الإسلامية تعاني منذ عقود من سوء الإدارة الاقتصادية، إلا أن الوضع أصبح سيئا بشكل دراماتيكي بعد انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاقية النووية عام 2018، وفرضه عقوبات قاسية على البلد.
وكافحت إيران للبحث عن مشترين لنفطها. وفي نهاية 2019، أدى ارتفاع الأسعار إلى احتجاجات واسعة وقمع دموي من الحكومة. وكان الكثير من الإيرانيين يأملون بأن تعيد إدارة جو بايدن إلى الاتفاقية النووية مقابل تخفيف العقوبات. إلا أن الاحتجاجات الحالية وتعامل الحكومة معها أدى لتعقيد المفاوضات. وقال جواد صالحي أصفهاني، أستاذ الاقتصاد في جامعة فيرجينيا: “يمكنني القول إنها ميتة” أي الاتفاقية النووية. و”لو أراد الطرفان استئناف الاتفاقية، فلن يتغير أي شيء أساسي، وهل يمكن تصحيح المشهد؟” في إشارة للانتفاضة.
إلا أن رجال الدين لم يُظهروا رغبة لإحداث إصلاحات يمكن أن تخفف من حدة الاضطرابات رغم الضغوط الدولية. وقتلت قوات الأمن الإيرانية أكثر من 500 متظاهر واعتقلت 19 ألفاً حسب وكالة الناشطين “هارانا”، وأُعدم أربعة أشخاص بتهم الارتباط مع المحتجين.
ومع تعمق القمع، يجد الإيرانيون العاديون أنفسهم أمام كفاح يومي لتأمين لقمة العيش. وقال شاب في طهران يعمل مع “سناب” المشابه لتطبيق السيارات “أوبر” إن العمل انخفض بنسبة كبيرة منذ بداية الاحتجاجات، ذلك أن الحكومة قيدت استخدام الإنترنت لمنع الناشطين من تحميل لقطات الفيديو والصور التي تكشف القمع. وقال: “عدمنا قطع الإنترنت، لم يكن هناك منفذ للتطبيقات، انخفض دخلي بشكل كبير”. وأضاف: “لم يتغير الوضع، على الأقل بالنسبة لي”. وتأثر عمله أكثر عندما توقف الناشطون عن استخدام التطبيق لخوفهم من سائقي السيارات، والشك في أنهم مخبرون للدولة.
وقال علي فائز من مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل: “القمع مكلف”، و”كذا الجراح التي يتسبب بها النظام لنفسه من خلال وقف خدمات الإنترنت التي حرمت مئات الآلاف من وظائفهم”. وعانت الأقليات العرقية مثل الأكراد في الغرب، وسكان بلوشستان في جنوب غرب البلاد، أكثر. وفي الماضي، كانت شيمان (37 عاما) من مهاباد في منطقة الأكراد تعمل بوظيفة تسمح لها بدفع رسوم العناية الصحية والملابس، وحتى الانتظام في دروس الموسيقى ونادي السباحة، أما الآن، فلا دخل ثابت لديها، وخسرت التأمين الصحي، وتعتمد على الطعام من عائلتها مع أن التضخم يعني لحما وسمكا أقل، وكذا فواكه أقل، رغم أنها كانت وفيرة في البيت. وتشعر شيمان بالغضب لأن منطقة الأكراد غنية زراعيا، ولكنها عانت سنينا من التمييز والإهمال في الاستثمار، وتقول: “أشعر بعدم الأمان والقلق العميق والغضب. ولا أمل في المستقبل.. أحد الأسباب الرئيسية للاحتجاج هي المشاكل الاقتصادية”.
وفي كانون الأول/ ديسمبر، عينت الحكومة مديرا جديدا للمصرف المركزي في محاولة لمنع انهيار العملة، وليس من المحتمل أن تترك أثرا في المدى القريب، كما يقول المراقبون. وبالنسبة للكثير من الإيرانيين فلم يتبق سوى حل واحد: “بعد 44 عاما، لم يعد الناس يرون عقلانية في النظام ولا أملا في الإصلاح”، كما يقول المبرمج في بلدة قرب طهران: “الآن، النقاش الوحيد هو عن الإطاحة بالحكومة”.