معلمو السودان يتمسكون بإضرابهم: الالتفاف على مطالبنا يهدد العام الدراسي

ميعاد مبارك
حجم الخط
0

الخرطوم ـ «القدس العربي»: تمسكت لجنة المعلمين السودانيين بمواصلة الإضراب المعلن منذ أشهر، محذرة من أن أي محاولة للالتفاف على مطالب المعلمين المتعلقة برفع الحد الأدنى للأجور، وزيادة الصرف على قطاع التعليم، ستعصف بالعام الدراسي في البلاد.
وفي قرار مفاجئ، أعلنت السلطات، مساء الثلاثاء، إجازة في جميع مدارس العاصمة الخرطوم، ابتداء من صبيحة اليوم التالي، شملت القطاعين العام والخاص والمراحل التعليمية الابتدائية والمتوسطة والثانوية.
وأصدرت وزارة التربية والتعليم في العاصمة، قرارا بتعديل التقويم المدرسي للعام الجاري، حدد بداية عطلة الفترة الدراسية في الفترة من يوم أمس الأربعاء، الموافق 11 يناير/ كانون الثاني، على أن تستمر حتى الـ26 من الشهر ذاته.
ويتقاطع الموعد الجديد للعطلة الذي أعلنته السلطات بشكل مفاجئ، مع قرار سابق بتأدية الطلاب امتحانات الفترة الأولى في التوقيت ذاته.
وتأتي القرارات الجديدة بالتزامن مع تمديد إضراب مطلبي للمعلمين يطالب بزيادة الصرف على قطاع التعليم بنسبة 20٪ وزيادة الحد الأدنى للأجور.

محاولة لكسر الإضراب

ورجح المتحدث باسم لجنة المعلمين السودانيين، سامي الباقر، في حديثه لـ «القدس العربي» أن تكون القرارات التي أصدرتها السلطات محاولة جديدة لكسر إضراب المعلمين، مؤكدا أن ذلك سيؤدي إلى نتائج كارثية ويعصف بالعام الدراسي في البلاد.
وأشار إلى أن السلطات قد تكون أعادت جدولة الإجازة لتحاول حل الأزمة الراهنة والوصول إلى حلول تخاطب قضايا المعلمين، مضيفا: «هذا احتمال ضعيف، والمرجح أنها تحاول كسر الإضراب الأمر الذي سيؤدي إلى عواقب وخيمة».
وبيّن أن عدد المدارس المشاركة في الإضراب المعلن منذ 27 نوفمبر/ تشرين الأول الماضي، بلغ 16 ألف مدرسة في جميع أنحاء البلاد، مشيرا إلى أن الإضراب تسبب في شلل العملية التعليمية في البلاد، الأمر الذي عجزت الدولة عن التعامل معه.
وحمل السلطات مسؤولية الأوضاع المتردية في القطاع التعليمي، وعدم استقرار العام الدراسي، مؤكدا أن المعلمين لم يعد بوسعهم أداء مهامهم في ظل الواقع الاقتصادي الخانق والبيئة التعليمية المتردية.
وشدد على أن مطالب المعلمين عادلة، من أجل توفير حياة كريمة لهم ولعائلاتهم، وتحسين القطاع التعليمي الذي يعاني من أوضاع مزرية، مطالبا السلطات بإيجاد حلول حقيقية ووضع خريطة طريق للخروج بالعملية التعليمية مما وصفه بـ “النفق المظلم».
وتفاجأ عدد من الطلاب صباح أمس بقرار إعلان إجازة الفترة الأولى، قبل الخضوع للامتحانات نصف السنوية، الأمر الذي جدد مخاوفهم من أن يكون هذا العام الدراسي، كسابقه، والذي أصرت السلطات على إكماله رغم عدم إكمال المقررات الدراسية.

مستقبل الأبناء يضيع

سامية الريح، وهي موظفة، يدرس أبناؤها الثلاثة في مدارس خاصة برسوم باهظة، تضاعفت هذا العام، أبدت في تصريح لـ «القدس العربي» تخوفها من تعثر هذا العام الدراسي، وأن يصبح أسوأ من سابقه».
وأشارت إلى أن عدم استقرار التعليم في السودان بات يشكل هاجسا للآباء والأمهات، وهم ينظرون لمستقبل أبنائهم يضيع أمام أعينهم، على الرغم من الكلفة الباهظة التي تدفعها الأسر ليحصل أبناؤها على تعليم جيد.
ولفتت إلى أنها نقلت أبناءها من المدارس الحكومية إلى أخرى خاصة لتفادي الأزمات المتلاحقة في القطاع العام، إلا أنها فوجئت بأن القرارات الأخيرة شملت القطاع الخاص.
أما رابحة أحمد، وهي ربة منزل، وتدرس ابنتها في المرحلة الابتدائية في مدرسة حكومية، جنوب الخرطوم، فقد قالت لـ«القدس العربي» إن «المدرسة التي تدرس فيها ابنتها متهالكة بالأساس، وتهدم عدد من فصولها بسبب الأمطار، الأمر الذي تسبب في تأخر بداية الدراسة في العام الدراسي الجديد»، مشيرة إلى أن «إدارة المدرسة جمعت من الأسر المال لصيانة الفصول الدراسية، وأن الأسر تتحمل تقصير الحكومة في ظل الضائقة الاقتصادية الخانقة».
وأضافت: «منذ بداية العام الدراسي نظم المعلمون عددا من الإضرابات المتقطعة والتي وصلت ذروتها في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي في ظل تعنت السلطات».

بعد إعلان السلطات إجازة في جميع مدارس العاصمة الخرطوم

وأكدت «تفهمها لمعاناة المعلمين ومطالبهم المشروعة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد»، ولكنها بالمقابل «لا تريد أن يضيع العام الدراسي على طفلتها»، وعليه، طالبت السلطات بحل الأزمة مع المعلمين وعدم الدخول في صراعات مع المواطنين بدلا من حل مشكلاتهم.
وأبدت تخوفها من انتهاء العام الدراسي دون إكمال، ولو لجزء قليل من المقررات الدراسية، ومن ثم فرض امتحانات على الطلاب دون تلقيهم أي دروس، لتمرير العام الدراسي، أو محاولة الضغط على التلاميذ نهاية العام بتكثيف الدروس لتعويض فترة الإغلاق الطويلة، الأمر الذي سيتسبب في ضغط نفسي وذهني كبير عليهم دون فائدة. وبدأ آلاف الطلاب السودانيين العام الدراسي في ظل أوضاع سياسية وأمنية واقتصادية بالغة التعقيد، بعد الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 وتصاعد النزاعات في مناطق عديدة في البلاد، مما أدى إلى إعلان عدد من الولايات تأجيل العام الدراسي، بينما أصرت أخرى على إطلاقه، فضلا عن تداعيات فصل الخريف، حيث أدت الأمطار والسيول التي ضربت البلاد، إلى انهيار نحو 632 مدرسة كلياً وجزئياً، وكذلك فضلا عن مشكلات نقص الكتب والمعلمين.
وحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف»، فإن 6.9 مليون طفل سوداني لا يذهبون للمدارس، أي أن ثلث الأطفال السودانيين في سن الدراسة لا يتلقون تعليمهم، بينما بينت أن 12 مليونا آخرين لا يتلقون تعليما جيدا.
وأرجعت ذلك إلى نقص المعلمين وتردي البنية التحتية للمؤسسات التعليمية في البلاد، مشيرة إلى ضرورة توفير بيئة تمكّن الأطفال من التعلّم، وتجعلهم يحققون أحلامهم، ويظهرون إمكاناتهم الكامنة. وكانت لجنة المعلمين السودانيين قد أعلنت الجمعة الماضية تمديد الإضراب وإغلاق المدارس لثلاثة أسابيع، بعد اجتماع وصفته بـ«المخيب للآمال» مع وزير المالية، جبريل إبراهيم.
وأشارت في بيان إلى أن وزارة المالية رفضت رفع الحد الأدنى لأجور المعلمين، في وقت وعدت بزيادة نسبة الصرف على التعليم في الموازنة الجديدة، دون توضيح أي تفاصيل حول ذلك.
وعلى خلفية فشل الاجتماع مع وزير المالية، قررت لجنة المعلمين استمرار إغلاق المدارس في الفترة من 8 وحتى 28 من الشهر الجاري، ورفض الامتحانات الموحدة في البلاد، معلنة تنظيم تظاهرات احتجاجية أمام مباني وزارة المالية خلال الأيام المقبلة. وأكدت أن المعلمين لا يوجد أمامهم غير خيار وحيد لا ثاني له، هو الاستمرار في المواجهة حتى النهاية، من أجل التأسيس لواقع أفضل لهم وللعملية التعليمية في البلاد.
وبدأ المعلمون السودانيون إضرابا عن العمل، أطلقوا عليه «إضراب العزة» منذ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مطالبين بإقالة وزير التربية والتعليم المكلف محمود سر الختم، وتحسين الأجور، وزيادة الصرف على قطاع التعليم.
وشمل الإضراب عدة مدن سودانية رئيسية، بينها مدينتا القضارف وبورتسودان (شرق) ومدينة مروي (شمال)، بالإضافة إلى مدن العاصمة الخرطوم، حسب ما أعلنت لجنة المعلمين.

موجة إضرابات

وشهدت البلاد موجات متتالية من الإضرابات المطلبية في عدد من القطاعات المهنية السودانية، احتجاجاً على ضعف الأجور في ظل الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد، والتي تفاقمت منذ انقلاب العسكر على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ومنذ سبتمبر/ أيلول 2020 بدأت السلطات برامج رفع الدعم عن الوقود والخبز والسلع والخدمات الاستهلاكية.
وفي مقابل الزيادات العالية في أسعار السلع الأساسية، التي ترتبت على رفع الدعم، تراوح أجور الموظفين والعمال السودانيين مكانها، الأمر الذي تسبب في موجة واسعة من الإضرابات.
يأتي ذلك في وقت تتصاعد التظاهرات الرافضة للانقلاب العسكري في البلاد والمطالبة بالحكم المدني الديمقراطي، وسط دعوات للإضراب العام والعصيان المدني، على الرغم من توقيع عدد من الأطراف المدنية اتفاقا مع العسكر في 5 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وإعلانها الأحد الماضي الشروع في المرحلة النهائية من الاتفاق الذي تتطلع لأن يفضي إلى استعادة الانتقال الديمقراطي في البلاد.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية