عدن- “القدس العربي”: هل ثمة إشارة يمكن التقاطها من وجود المبعوث الأممي الخاص لليمن، هانس غروندبرغ، في مسقط، اليوم، ولقائه وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي، بالتزامن مع وجود وفد الوساطة العمانية، للمرة الثانية خلال نصف شهر، في صنعاء؟. بالتأكيد هناك إشارة واضحة مفادها أن مسقط باتت عازمة، أكثر من أي وقت مضى، على المضي باتجاه إيقاف الحرب في بلد جار أصبح بؤرة لمشاريع عديدة ستجعل منه تهديداً استراتيجيا لها. وشجعها على ذلك أن التحالف وتحديداً السعودية باتت مقتنعة بأهمية إغلاق ملف الحرب لاسيما بعد تنامي قوة الحوثيين، حتى وإن كان الطريق نحو السلام في اليمن مازال طويلا، لكن مسقط حريصة على ردم ما يمكن ردمه من فجوة الخلافات.
انطلاقًا من موقفها الحيادي المقبول من أطراف الصراع، تكثف سلطنة عُمان تحركها في الفترة الأخيرة لإيجاد طريق معبد نحو تسوية الخلافات في وجهات النظر، وبخاصة بين التحالف والحوثيين. فمع عودة وفدها من الزيارة الأولى في 26 ديسمبر/ كانون الأول، زار وزير الخارجية الإيراني مسقط، والتقى رئيس الوفد التفاوضي للحوثيين، محمد عبدالسلام، وبالتأكيد أن عمان استعانت بإيران للضغط على الحوثيين لإعطاء مرونة في التفاوض، لاسيما وأن علاقة مسقط بطهران في حالة تسمح لها بذلك؛ وهو ما تأكد في تصريح محمد عبدالسلام لدى وصوله مطار صنعاء، الثلاثاء، بمعية الوفد العماني، إذ إن حدة لهجة التصريح جاءت أفضل من التصريحات السابقة.
يحمل الوفد العماني في هذه الزيارة ردود التحالف على رسائل الحوثيين، التي حملوها الوفد العماني في الزيارة السابقة؛ وهي الزيارة التي نقلت للحوثيين رسائل أيضا من التحالف تتمحور في شقين: الشق الأول: يتعلق بالملف الإنساني، في توسيع وجهات رحلات الطيران من وإلى مطار صنعاء، وتخفيف الرقابة على ميناء الحديدة، أما يتعلق بملف المرتبات فقد اقترح التحالف أن يُنفذ على مرحلتين: الأولى يتم فيها البدء بصرف مرتبات المدنيين فيما تؤجل مرتبات العسكريين لمرحلة تفاوضية لاحقة.
وحسب مصادر إعلامية حوثية فقد رفض الحوثيون هذه المقترحات، وأصروا على رفع الحصار كاملا وصرف المرتبات لكافة موظفي القطاع العام من مدنيين وعسكريين حسب ميزانية 2014.
أما الشق الثاني والمتعلق بمطالب التحالف، وتحديدا السعودية فهي ضمانات تتعلق بأمنها، وهو ما أشارت إليه صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب الله في تقرير نشرته بتاريخ 6 يناير/كانون الثاني. وحسب الصحيفة، فإن الحوثيين قد رفعوا “أربعة عناوين أساسية في وجه الرياض، التي أعلنت الموافقة المبدئية عليها، على أن تخضع للتفاوض التفصيلي، وهي: رفع الحصار، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية اليمنية، ودفع التعويضات، والخروج من اليمن. وفي المقابل، طالبت السعودية بـ”ضمانات” بأن لا يشكّل اليمن تهديداً للسعودية وأمنها”.
ووفقا لذات الصحيفة فإن “المملكة طرحت مسألة الضمانات أمام إيران وسلطنة عُمان أيضاً، مشيرةً إلى أن “أنصار الله” أبدت الاستعداد لتبديد مخاوف الرياض الأمنية إذا كان ذلك يساعدها في التوصّل إلى قرار حاسم بالالتزام بما يُتوصَّل إليه في المفاوضات حيال الحلّ الشامل والنهائي للملفّ اليمني”.
السؤال الآن: ماذا حمل الوفد العماني خلال زيارته هذه؟ بالتأكيد سيكون هناك تقدم للأمام في الاتفاق بين الطرفين وفقا لعودة الوفد العماني إلى صنعاء؛ فعودته مؤشر على أن ثمة رغبه للسير نحو الأمام من التحالف والحوثيين. لكن تفاصيل ذلك هو ما سيرشح في الأيام المقبلة.
وقال مصدر يمني مطلع، طلب حجب هويته لاعتبارات أمنية، إن الحوثيين حرصوا عقب مغادرة الوفد العماني في زيارته السابقة على إيصال رسائل قوية للتحالف، فحشدوا مسيرات شعبية في عدد من المدن تحت شعار (الحصار حرب). وتبني الحصار كموضوع لهذه المسيرات كان يعني أن الحوثيين مصرون على إغلاق هذا الملف، ومثلت المسيرات رسالة ضغط.
وأضاف لـ”القدس العربي”: بالإضافة إلى المسيرات، زار رئيس المجلس السياسي الأعلى الحاكم في مناطق سيطرة الحوثيين، مهدي المشاط، عددا من الجبهات القتالية، وألقى هناك خطابات تحمل لهجة تهديد للتحالف مفادها أن (انتظار الحل لن يدوم). والرسالة الثالثة تمثلت في تفجير الحوثيين مواجهات (كانت تستمر ساعات فقط) مع قوات الحكومة خلال السبت والأحد والإثنين في عدة جبهات في مأرب والضالع ولحج، والتي لم تكن جميعها سوى رسائل موجهة للتحالف بهدف الضغط عليه للموافقة على مطالب الحوثيين ذات العلاقة بالملف الإنساني.
وأردف المصدر: نعرف أن ثمة اتفاق غير معلن بين الحوثيين والتحالف بشأن استمرار وضع الهدنة عقب تعثر تجديدها، من حيث توقف الاشتباكات والهجمات العسكرية، وبالتالي لم يستجد شيء من الجانبين عسكريا على صعيد غارات التحالف الجوية أو هجمات الحوثيين بالطائرات المسيرة في العمق السعودي أو الإماراتي، بالإضافة إلى أن هناك توقفا شبه كلي للحرب في الجبهات في الداخل باستثناء مناوشات أو اشتباكات محدودة هنا أو هناك.
واستطرد قائلا: نقرأ في هذا أنه صار هناك حرص لدى التحالف لإيقاف الحرب لكلفتها الباهظة، بالإضافة إلى أن استهداف الحوثيين للمصالح السعودية والإماراتية صار تهديدا مقلقا للتحالف الذي صار يحرص على تجنبه، لاسيما مع تنامي قوة الحوثيين. وهو ما يدفع باحتمال ذهاب الطرفين إلى اتفاق. ويؤكد هذا تكرار زيارات الوفد العماني لصنعاء، بالإضافة إلى أن ثمة تسريبات عن وجود وفد سعودي، اليوم بصنعاء، بجانب الوفد العماني.
وقال المصدر: على ما يبدو أن ثمة خطوات جادة مازالت غير واضحة، لكنها تمضي صوب الاتفاق على حل إشكالات الملف الإنساني وتوفير ضمانات أمنية للإقليم. إلا أن الآلية مازالت غير معروفة، وفي ذات الوقت لا أعتقد أن التحالف السعودي الإماراتي سيوافق على سحب قواته من اليمن وإيقاف دعمه للحكومة؛ لأن هذا في حال تم سيمثل إقرارا إقليميا بالتقسيم.
وأشار إلى أن الاتفاق في حال تم سيكون مقتصرا على الملف الإنساني، وسيشمل بالتأكيد توقف هجمات الحوثيين في العمق السعودي والإماراتي مقابل إيقاف غارات التحالف وتنفيذ اشتراطات الملف الإنساني، لكن الأيام القليلة المقبلة ستكشف إلى أين تمضي الأمور، لكنه من الواضح أن الطرفين مستعدان لتقديم بعض التنازلات لإبرام اتفاق، لكن مضمون وموعد الاتفاق؟ هو ما سنعرفه في الأيام المقبلة”.
وكانت مجموعة الازمات الدولية قد أصدرت نهاية ديسمبر الماضي تقريرا عن وضع الأزمة اليمنية، وقالت فيه إن المفاوضات الجارية بين الحوثيين والمملكة العربية السعودية لا يمكن أن تنهي الأعمال العدائية بل قد تتسبب بانهيار اليمن. وطالب التقرير، “الأمم المتحدة بإرساء أسس المفاوضات التي تشمل جميع أطراف الصراع؛ لأن اتفاق الحوثيين والسعودية، حسب التقرير، قد يشجع الحوثيين على التهرب من المفاوضات”.
وتحدثت مصادر إعلامية يمنية عن زيارة وفد سعودي حاليا صنعاء، وهو ما لم يتم الإعلان عنه بشكل رسمي كما تم في زيارة الوفد السعودي إلى صنعاء خلال نوفمبر/تشرين الثاني. إلا أن هذا لا يلغي حدوث الزيارة، بل إن وصول وفد سعودي إلى صنعاء، في حال صحة المعلومات، يعني أن زيارة الوفد العماني الأخيرة ستكون من أجل إتمام صفقة الاتفاق. لكن بعض المصادر تقول إنه من الصعب إبرام الصفقة حاليا؛ إذ هناك حاجة لمزيد من الوقت وتبادل الزيارات؛ وإن كان هناك نية لطي صفحة الحرب لدى الطرفين.
وقال الإعلامي اليمني، مختار الرحبي، وهو مستشار في وزارة الإعلام في الحكومة اليمنية المعترف بها، إن “هناك تقاربا كبيرا بين السعودية والحوثيين بعد عدة جلسات حوار في مسقط وهناك نية حقيقية لإنهاء الحرب وهو ما نتج عنه زيارة وفد سعودي الى صنعاء بوساطة عمانية ومن المتوقع ان يتم مناقشة خارطة طريق بين السعودية والحوثيين” وفق تغريدة في حسابه على موقع تويتر.
نخلص مما سبق أن الطريق مازالت طويلة أمام السلام في اليمن، لأن تحقيق السلام الحقيقي هناك لا يمر إلا عبر اتفاق يشمل جميع الأطراف والمكونات اليمنية تحت لافتة الدولة المدنية، التي تؤمن بحقوق جميع اليمنيين وتتخذ قرارا يمنيا خالصا؛ وهذا يتطلب وقتا، لاسيما وقد صار هناك أطراف يمنية عديدة لها مشاريع مختلفة، وصار لكل طرف ميليشا، ويرتبط قراره بمصدر تمويل ودعم خارجي، بما في ذلك الحكومة المعترف بها.