لسنا في معرض التشكيك في نوايا الرئيس عبد الفتاح السيسي، ولا في الأساس العميق لمشروعاته، بوصفها فكرة يمكن أن تضع مصر من جديد على خريطة التجارة العالمية بوصفها العقدة اللوجستية المهمة بين الشرق والغرب، كما أن تحميله وحده مسؤولية الوضع الاقتصادي ليس عادلاً، فالرئيس المصري يمثل الطبقة الوسطى المصرية بكل مشكلاتها وفي أكثر تجسداتها وضوحاً وقوة، مؤسسة الجيش.
مع تواصل انهيار الجنيه المصري وتآكل قدرته الاقتصادية، والأزمات المتتابعة على مستوى توفير سلع أساسية في السوق المصري، من الضروري تفهم الإطار العام، الذي كان يمهد لهذه اللحظة خلال السنوات الأخيرة، ولكن السؤال يجب أن يتوجه إلى ما هو الجديد أصلاً في المشهد؟ أليس يمثل استئنافاً لما حدث في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي؟
عقلية التفويض بوصفه مصدراً للشرعية جعلت الرئيس السيسي يأخذ المصريين من غير أن يخبرهم بوجهته
خلال أشهر معدودة بعد ثورة يوليو توجه ضباط الجيش للسيطرة على جميع مفاصل الدولة، وقاموا بضرب القطاع الخاص، للدرجة التي لم تعد معها مصر دولة ملكيات زراعية منافسة، ولا استطاعت أن تتحول إلى دولة صناعية، وجرى ابتلاع النشاط السياسي في الاتحاد الاشتراكي والتنظيم الطليعي، وكان الإعلام يقوم بالشطط نفسه، مع قدرة على الكذب والتضليل في أدق اللحظات وأكثرها حرجاً، كما حدث في الأيام الأولى بعد هزيمة 1967، الأمور تحدث بصورة مختلفة نوعاً ما اليوم. لماذا تصرف الجيش على هذه الشاكلة بعد ثورة يوليو 1952؟ معظم قوام الجيش كان من أبناء المدن في الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى، الذين لم يكونوا ليدخلوا الكليات العسكرية في ظروف غير الحرب العالمية الثانية، والاحتياجات الملحة التي أدت إلى التوسع في القبول، ومعهم أبناء أعيان الريف، الذين اشترى أجدادهم الأرض المستلبة من قبل محمد علي وطغمته العسكرية، بعد سيطرته على مصر، وسرقته جميع الأراضي الزراعية لتصبح بستاناً عائلياً، ولذلك فقدت هذه الفئة أي ثقة ممكنة في البورجوازية الوطنية الناشئة وغير المستقرة، ومع استحواذ عبد الناصر على السلطة والكلمة الفصل بين زملائه، تعمقت الأزمة، فهو لم يكن قريباً من هذه الفئة أو من هوامشها، ولا يتصورها خارج المسموعات التي يتلقاها والتصورات الشعبية القائمة، ولذلك كان مختلفاً عن خالد محيي الدين، شريكه في الثورة وأكبر معارضيه داخل مجلس قيادتها، الآتي من بيئة ريفية وأسرة من ملاك الأراضي المتوسطين ذات مكانة صوفية بين الناس، والقريب من أوساط الملاك الجدد الذين أخذوا يتشكلون في المجتمع المصري. لم يكن عبد الناصر يعلم شيئاً عن تلك الطبقات سوى تصورات غائمة، أما السيسي فيعلم الكثير وأكثر من اللازم، فهو مدير سابق للاستخبارات العسكرية في بلد توسعت فيه الأجهزة الأمنية وتعاظمت أدوارها، وفي لقائه مع المذيع يوسف الحسيني أشار السيسي لما يعرفه بحكم وظيفته السابقة، غاضباً وكأنه يقول أنا أفضل منهم جميعاً، لأنهم جميعاً يقفون على أرضية أخطاء وعيوب شخصية يرفضها المجتمع الذي يريد السيسي أن (يقولبه) في نسخ شبيهة من رجل الطبقة الوسطى، الانضباط والاهتمام بالأسرة والعناية بالمظهر بوصفه جزءاً من التمثل الاجتماعي، وأخيراً الطاعة، وهذه مسوغات، بجانب سلوكه الشخصي، الصلاة وعدم مقاربة الكحول، كانت مسوغات للموافقة على تعيينه وزيراً للدفاع من قبل الرئيس السابق محمد مرسي.
مثل عبد الناصر، لم يمتلك السيسي في لحظة حصوله على التفويض، وهو مشابه للدعم الشعبي الذي تحصل عليه عبد الناصر بعد محاولة اغتياله في المنشية 1954، قناعة بالشعب المصري في الصورة القائمة، وخارج التفهم لتفاعلات التاريخ التي جعلت المصريين ما هم عليه، بدأ في عملية إصلاح تقوم على رؤية شخصية كاملة، ولكنها، جعلت مصر تتصرف مثل أسرة فوجئت بزيارة من ضيوف مهمين، فأخذت تقوم بوضع الفوضى في الخزائن، وتنظيف الأرضيات، واستعارة الأطباق الخزفية من الجيران، وشراء الحلوى والعصائر وقيدها على دفتر الدكان، والحرص على هندام الأبناء وارتدائهم أفضل الثياب، ولنتذكر تدخل السيسي في مسألة مثل الوزن الزائد في مصر. عقلية التفويض بوصفه مصدراً للشرعية جعلت الرئيس السيسي يأخذ المصريين من غير أن يخبرهم بوجهته، فالثقة التي يتوقعها منهم يجب أن تكون مطلقة وغير محدودة، والمساءلة تعتبر بطراً وإضاعة للوقت، والتضحيات واجباً معلوماً من الدين بالضرورة، ولحظة التفويض ليست مستجدة، فهي ذاتها اللحظة التي حولت أحداث 1952 من انقلاب إلى حركة مباركة إلى ثورة. المتشكك الذي رأى الكثير وفي كل مرة كان يمتلك أسبابا إضافية لمزيد من الشكوك، ذلك هو الرئيس المصري، وتمضي الدائرة العربية التقليدية بوضع أهل الثقة قبل أصحاب الكفاءة، وبينما الرئيس يعتقد أن توفر المعلومات والبيانات لديه عنصر جوهري في الإدارة، فإنه يتناسى أن تحليل المعلومات والخروج بالنتائج في أمور شتى مسألة تخصصية، تحتاج إلى مشاركة أوسع، مع أشخاص يمكن أن يراهم السيسي، غير جديرين بالثقة، وخارجين على المعيارية التي يضعها للمواطن المصري الذي يسانده ويفوضه في رسالته تجاه مصر. أهدرت مصر مبالغ طائلة في البنية التحتية، وتصرفت مثل الأسرة التي تستقبل ضيوفها المهمين، واعتقد الرئيس أن صورة الأب القاسي، الذي يحب أولاده، على الرغم من ذلك، ويمارس تأديبهم من وقت لآخر، ويبعدهم عن أصحاب السوء وأهل الشر، وما إلى ذلك، تستطيع أن تبرر تضحيات من أجل نهضة غير توافقية وغير مترابطة في أولوياتها، ولكن هل كل المصريين أبناء السيسي، أم هم المصريون الذين يؤمنون بما وضعه من تصورات للحياة من أجلهم، الفرقة الناجية التي سيصطحبها إلى جنته الموعودة.
تعيش مصر في هذه المرحلة مشكلة عميقة، يمكن وصفها بالنكسة بصورة صحيحة، فهي ليست هزيمة مثلما حدث في يونيو 1967، وربما على الرئيس السيسي أن يلجأ إلى أوراق أخرى مثلما فعل عبد الناصر، واستدعى رجالاً مثل حلمي مراد وعبد العزيز حجازي، من أجل محاولة صياغة جديدة للخروج من أزمة سوء الفهم والممارسة لحركة المجتمع والاقتصاد والسياسة، بوصفها تعبيراً عن تلك الحركة التي تقوم على عوامل تاريخية وثقافية لا تصلح معها عقيدة التفويض ولا مناهجها.
كاتب أردني
اخيرا اصبحت مليونيرا و قد حققت امنيتي من خلال الجنيه مع ان السيسي يا حرام لا يوجد في ثلاجته المنزليه سوي الماء
الشعب المصري لم يفوض السيسي كما يقول الكاتب .. ما خرج في انقلاب 30 يونيو مؤيدا للسيسي هم عدة الاف جرى حشدهم وتضخيمهم.. هؤلاء الذين لم يقبلوا بصناديق الانتخابات الحقيقية التي اتت بالدكتور مرسي رئيسا لمصر .. اما الصناديق هي محل التفويض في الدول المتحضرة وليس حشد ديكوري اعلامي يقوم بيه مجموعة من ( الصيع) والمنتفعين مع كاميرا ويكروفون اعلام الطبل ..