في الشهور الماضية بات مصطلح «الرياضة تصلح ما يفسده السياسيون» واضحاً أمام أعين العالم عندما نجحت قطر في جمع العرب من مختلف الأقطار خلال استضافتها لمونديال كأس العالم، والآن بات الأمر يتكرر خلال بطولة جديدة في منطقتنا، وهي «خليجي 25».
في كأس الخليج العربي لم تعد الخلافات على أشدها بين العراقيين لأنهم اجتمعوا على منتخب يمثلهم في البطولة، التي تستضيفها بلادهم، ولم يعد هناك من يكترث على التسمية ان كانت المياه التي تجمع دول المنتخبات المشاركة «عربية» أو «فارسية». فالحالة الإيجابية التي استمدها العراقيون من قدرة بلدهم على استضافة حدث رياضي، مهما كبر او صغر، هو الأول منذ عقود، وتحديدا منذ 1979 عندما استضافت بغداد كأس الخليج للمرة الأخيرة، وأصبح اليوم بمثابة الإنعاش لمريض تدهورت حالته بمرور الأيام والشهور والسنوات، فكل المعاناة التي يعيشها العراقيون، وخصوصاً البصراويون، من غلاء معيشة وشح فرص العمل وعدم توفير أبسط حاجيات الحياة اليومية من صحة وتعليم وغذاء، جاءت هذه البطولة لتنسيهم، وان مؤقتاً، آلام هذه المعاناة، بل صاروا يتأملون خيراً من أن يرى السياسيون والنافذون مزايا وحدة الشعب، التي تجلت في مدرجات ملعبي «البصرة الدولي» (جذع النخلة) و«الميناء الدولي»، بل كانت هناك حالات فخر بعودة العراق الى حضن أشقائه، فاستقبل البصراويون زوارهم من المشجعين الخليجيين بكل حفاوة وكرم، فكل بيت في البصرة صار تحت خدمة أي زائر، ومنامة محببة لكل راغب، بل صارت كل وجبة في كل مطعم مجانية لهؤلاء الزوار، فكرم الضيافة هو من شيم أبناء هذه الأرض.
ولهذا لم يعد مهماً من يفوز باللقب، لأن العراقيين آزروا جميع المنتخبات الثمانية في الملعب، رغم ان انتصار «اسود الرافدين» باللقب الرابع في تاريخه، سيكون له مفاعيل الشفاء على صاحب الداء، وقد يصحي ضمائر ظلت تغوص في دهاليز السياسة والمصالح الشخصية بعيدا عن المصالح الوطنية، وسيتأكد الجميع من أن هذا الشعب هو واحد، مهما فرقه ساسة مشوهون وفاسدون.
في عام 2007 واكبت رحلة المنتخب العراقي في حملته في الظفر بلقب كأس آسيا، التي أقيمت في 4 بلدان في شرق آسيا، وهو بدون شك أبرز انجاز في تاريخ الكرة العرافية، فبدأت معهم من بانكوك، عاصمة تايلند عندما كان الحديث عن التتويج على استحياء، وحديث لاعبيه لم يعكس أي طموح للفوز باللقب، بل كان اللاعبون سعداء بمجرد المشاركة فحسب، الى درجة أن مدربهم آنذاك البرازيلي جورفان فييرا عانى في تحفيز لاعبيه واقناعهم بتحقيق نتائج ايجابية، رغم وجود نجوم كبار من خامة يونس محمود ونشأت أكرم، لأن ببساطة كان تفكير اللاعبين بأهاليهم في بلدهم في ظل الحرب الأمريكية الدائرة عليهم حينذاك، لكن فجأة كل شيء تحول بتصدر العراق مجموعته رغم العروض المتواضعة بتعادلين أمام تايلند وعمان، فانتصر بعدها في الدور ربع النهائي على فيتنام في كوالالمبور، ليجد نفسه في الدور نصف النهائي في مواجهة منتخب كبير للمرة الأولى في البطولة، فنجح في هزيمة كوريا الجنوبية بركلات الترجيح، ليجد نفسه متأهلا الى المباراة النهائية بمواجهة شقيقه المنتخب السعودي المرشح الأبرز للقب. وحينها كانت تصل اللاعبين رسائل وتسجيلات من احتفالات العراقيين، ليس في بغداد ومختلف المحافظات العراقية فحسب، بل من الجاليات العراقية في كل أنحاء العالم، وهذا كان كافياً لزرع شعلة من النشاط والايمان والعزم في قلوب «أسود الرافدين، وهو ما قاد يونس محمود الى تسجيل هدف الفوز، والاحتفال بصخب وجنون مع زملائه عقب صافرة النهاية، حيث شاركتهم فرحتهم في قلب ملعب «غيلورا بانغ كانو» في العاصمة الأندونيسية جاكرتا. هذا الانتصار نشل أمة من الاحباط والغم والشعور بالانهزام، وحينها قال يونس كلمته «نحن لسنا سنة وشيعة وأكرادا… نحن عراقيون».
اليوم الأمر ذاته يتكرر، فمجرد فقط النجاح في الاستضافة أعاد البهجة الى قلوب الملايين، بل وجه رسالة الى محيطه «نحن منكم وفيكم»، رغم الهفوات التي أراد البعض أن يجعلها منغصات، ولأغراض في نفس يعقوب، لكن الفرحة امتدت على طبيعتها الى كل ما اشتاق ان يكون العراق عربياً والبصرة خليجية، بل صار العراقي المغترب يعرف من بعيد لأنه شامخ في خطواته.
لا يهم من سيفوز باللقب، لأن «أسود الرافدين» أحرزوا الكأس، وأكدوا أن العراق عربي، والكأس خليجي، وكأس الخليج العربي هو كأس «العراق» الخليجي، فهنيئا للبصرة والعراق عودتهما بالسلامة.
@khaldounElcheik
كأس العالم في قطر أعطى صورة رائعة عن قدرة العرب على رفع التحدي. و عن أخلاق الشعب القطري. و كذلك كأس الخليج العربي أعطى صورة رائعة عن الشعب العراقي الأصيل المحب لاشقاءه. هذه هي الشعوب العربية الاصيلة عندما تنظم تظاهرة رياضية تعطي صورة عن الأخلاق العربية في الملاعب و خارج الملاعب، و لا تسب و لا تشتم.
في كأس اسيا العراق تعادل مع تايلند وفاز على استراليا 3 مقابل لاشيء وتعادل مع عمان وصعد إلى دور ثمن النهائي