الناصرة- “القدس العربي”: قبيل وبعد مظاهرات الاحتجاج الواسعة في تل أبيب وحيفا والقدس، ليلة أمس، ضد إجراءات حكومة الاحتلال التي تعتبرها “إصلاحاً” واستحقاقاً ديمقراطياً، وترى فيها المعارضة تفاقماً للأزمة الإسرائيلية الداخلية، وسط تحذيرات من الاقتراب من درجة الغليان والاحتراب، بل من انهيار إسرائيل من داخلها، كرّر رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود براك، هذا الصباح، الأحد، دعوته للإسرائيليين للتمرد والعصيان المدني، التي أطلقها ليلة السبت خلال المظاهرة الواسعة في تل أبيب ضد “سرقة الديمقراطية”، وفق ما جاء في شعارات المتظاهرين.
وتعبّر تصريحات براك عن عمق التصدع الداخلي في صفوف الإسرائيليين، وتعكس أجواء انقسام، ربما يدفع لحالة احتراب، كما حذر عدد متزايد من المراقبين والمسؤولين الإسرائيليين.
وتشبه الأجواء الحالية أجواء تلك التي سادت إسرائيل عقب اغتيال رئيس حكومتها إسحق رابين، في نوفمبر/ تشرين ثاني 1995. وقاد هذا الوضع رئيس محكمة العدل العليا السابق أهارون براك للقول إنه مستعد لأن يقدم نفسه قرباناً وإطلاق الرصاص عليه من أجل إنهاء هذه الهزة الأرضية التي تهدد بحرب أهلية، ومن أجل منع انهيار البيت من تلقاء نفسه. وتبعته مجموعة كبيرة من المسؤولين الإسرائيليين السابقين، منهم رئيس إسرائيل السابق رؤوفين ريفلين، الذي وجه انتقادات لـ “الإصلاحات” العميقة التي تقوم بها حكومة نتنياهو السادسة في النظام السياسي، خاصة داخل الجهاز القضائي، رغم أنه كان في الماضي من مؤيدي الإصلاح وتقليص الصلاحيات الواسعة للقضاء مقابل السلطتين التنفيذية والتشريعية، ورغم كونه من حزب “الليكود” ومن معسكر اليمين الصهيوني. وفيما برزت معارضة ريفلين لعملية التغيير العميق في النظام الحاكم دون توافق، يواصل رئيس إسرائيل الحالي يتسحاق هرتسوغ التزام الصمت والقيام بمحاولات تجسير تتم خلف الكواليس، تشمل التوسط بين وزير القضاء، الذي يقود التغييرات ياريف لافين، وبين رئيسة المحكمة العليا استير حيوت من أجل التوصّل لتسوية، وهذا الموقف يثير انتقادات ضده توجّهها بعض الأوساط الإسرائيلية له لعدم اتخاذه موقف من هذه الحكومة الفاسدة وغير الشرعية.
وتحت عنوان “سيادة الرئيس هذا ليس وقتاً للمواقف الدولانية الرسمية المزيفّة” استذكرت صحيفة “هآرتس” في افتتاحيتها، اليوم الأحد، قول هرتسوغ بضرورة قيام منتخبي الجمهور بالتهدئة وخفض ألسنة اللهب”. وعن ذلك تابعت ساخرة: “هذه رسالة رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ غداة إعلان الحكومة الجديدة الحرب على السلطة القضائية”. وكان هرتسوغ قد قال في هذا المضمار إنه يقظ للأصوات التي تسمع هنا وهناك، وإنه يقوم، في الأيام الأخيرة، بمحادثات مع جهات كثيرة، ويعمل كل شيء من أجل تأمين حوار محترم، على أمل إحراز تفاهمات واسعة قدر المستطاع”.
وانضم إيهود براك للانتقادات الموجهة لهرتسوغ وصمته، فقال، في حديث للإذاعة العبرية العامة، اليوم الأحد، إن على رئيس الدولة أن يتخذ موقفاً أخلاقياً من هذا الائتلاف الذي يدوس الديمقراطية، ويحاول تحويل إسرائيل لدولة ديمقراطية على الورق، مثل هنغاريا وبولندا وتركيا. وتابع: “ننتظر ونرى إذا كان هرتسوغ قادراً على اتخاذ هذا الموقف المستحق”.
يشار إلى أن والد رئيس دولة الاحتلال الحالي، الرئيس الراحل حاييم هرتسوغ، استقبل مندوبي الأحزاب الإسرائيلية للتشاور قبيل تكليفه أحد النواب بتشكيل حكومة عقب انتخابات الكنيست، في ذاك العام، لكنه رفض في 1984 استقبال الحاخام مئير كهانا، مندوب حركة “كاخ”، بسبب مواقفه العنصرية.
وأكد إيهود براك أن الحل هو بإلغاء التغييرات التي باشرت فيها حكومة نتنياهو، رافضاً فكرة حل وسط، وعن ذلك قال، في حديثه للإذاعة العبرية العامة: “لا يمكن الحوار مع من يخرج عملية الشنق والإعدام حول طول الحبل، ولا بد من مقاتلته”.
وليلة أمس، وقبيل انطلاق المظاهرة الواسعة في تل أبيب، بدعوى من جهات إسرائيلية معارضة، قال براك إنه ليس من حق المواطنين التمرد على الحكومة في مثل هذه الحالة، بل من واجبهم، داعياً لإغلاق الشوارع خلال الاحتجاج. وعلل براك دعواته للتمرد المدني بالإشارة إلى أن خطة الحكومة تقتضي تحطيم الديمقراطية، لا إصلاحها. وتابع: “هذا واجب كل مواطن أن يصارع من أجل أمن الدولة”. وشدد براك على عدم شرعية حكومة نتنياهو وسموتريتش وبن غفير ودرعي، وقال إنها “قانونية ومنتخبة، لكنها غير شرعية”، وإن التمرد المدني هو واجب الإسرائيليين عندما تتشوش رؤية حكومتهم. وعلل دعوته هذه بالقول أيضاً إننا نشهد ونختبر الآن انقلاباً في نظام الحكم، وإن هذه عملية اغتيال لـ “وثيقة الاستقلال” التي قامت عليها إسرائيل، وعلى الديمقراطية أن تدافع عن ذاتها وعن الكرامة والحقوق والحرية والمساواة، والتمرد أمر مهم، ويعني إغلاق شوارع وعصيان مدني واجب المواطن عندما تفقد الحكومة رشدها. أعرف عدداً من مصوتي نتنياهو، وهم لم يقصدوا انتخابه من أجل تغيير الأنظمة، بحيث يصبح تعيين القضاة والمستشارين القضائيين بيد السياسيين الذين سيسارعون، كما هو متوقع، لحياكة كل الأمور على مقاساتهم”.
وسارع النائب الأسبق البروفيسور الإسرائيلي المعروف بمواقفه المتشددة آرييه إلداد لمهاجمة براك، وقال إن من يلصق تهمة “عدم الشرعية” بحكومة انتخبت بشكل ديمقراطي، ويعتبر محاربتها بكل الوسائل شرعية، إنما يحاول بذلك إشعال حرب أهلية تستند إلى أكاذيب وعمليات تحريض وترهيب. وتابع إلداد معقباً على براك ومن يؤيده بالقول، في تصريحات إعلامية: “أنتم قد مسّكم جنون، وأنتم مصابون بالخرف”.
وشارك نحو 80 ألف إسرائيلي في قلب تل أبيب، ليلة السبت، رغم الطقس البارد، ورفعوا شعارات ضد الحكومة الفاسدة التي تعمل على تقليص صلاحيات كافة المؤسسات، عدا الحكومة، وتحويل إسرائيل لدولة استبداد. وتحتج أعداد كبيرة من الإسرائيليين من المعسكرات السياسية المختلفة على تغييرات تؤدي لتقزيم محكمة العدل العليا، وعلى سن “قانون الاستقواء” القاضي بترجيح كفة البرلمان والحكومة على المحكمة العليا وإلغاء ما يعرف بصلاحية المنطقية، أي منع القضاة من إصدار أحكامهم ضد مؤسسات الدولة بناء على قيامها بقياس المنطق والعقل السليم. كما يجري الاحتجاج على مساعي الحكومة لتغيير طريقة تعيين القضاة في المحاكم المختلفة، وإسباغ الشرعية على وزراء مدانين بتهم جنائية، أو متهمين بها.
ومن المتوقع أن تصدر محكمة العدل العليا قرارها في استئناف قدمته جهات حقوقية ضد تعيين رئيس حزب “شاس” الحاخام آرييه درعي وزيراً للداخلية وللصحة، رغم إدانات سابقة بالسرقة وتجاوز نظام الضريبة، علاوة على التغرير بالمحكمة، فقد قدم، في العام الماضي، استقالته من الكنيست، ودفع المحكمة خلال مقاضاته للاستنتاج بأنه يغادر الحلبة السياسية طمعاً بتخفيف الحكم عليه، وإذا به يعود للسياسة كوزير كبير. ويقضي القانون الإسرائيلي بعدم جواز تعيين مدان في المحكمة وزيراً، لكن نتنياهو ومعسكره يدّعون أن القانون يسري مفعوله عندما يكون الحكم بالسجن فعلياً لا مع وقف التنفيذ، كالحكم القضائي الخاص بدرعي من العام المنصرم. وفي حال أصدرت المحكمة العليا حكماً بوقف تعيين درعي وزيراً من المتوقع أن تتعمق الخلافات الإسرائيلية الداخلية لأنه سيصب الزيت على النار خاصة أن نزع الشرعية عن وزارة درعي تترتب عليه تبعات سياسية تتعلق بتركيبة ومستقبل حكومة نتنياهو المتهم بقيادة كافة “الإصلاحات” في النظام الحاكم، والتي يعتبرها معارضوه عملية تدمير لا إصلاحا.
ويتساءل مراقبون عن مستقبل الاحتجاجات داخل إسرائيل، ويرى بعضهم أن نجاحها يترتب على قدرة منظميها ومشاركيها على الاستمرار، واستقطاب المزيد من الفئات الإسرائيلية المتنوعة للاحتجاج الراغب بفرملة الحكومة ومنعها من مواصلة التغييرات العميقة، والاكتفاء بإجراءات متفق عليها، أو على الأقل غير عميقة، ولا تغير ماهية النظام الديموقراطي.
وتعتبر محللة الشؤون السياسية في القناة العبرية 12 دافنا ليئيل أن نتنياهو، وبخلاف أقوال المعارضة وأوساط إسرائيلية أخرى، ليس عاجزاً، بل هو قادر على كل شيء، وتتهمه بأنه يقود عملية التغييرات الخلافية. في مقال لها نشره موقع القناة تقول ليئيل: “عندما حاول بني غانتس وأهارون باراك مدّ اليد لنتنياهو، وإدارة حوار معه بشأن الثورة القضائية، انطلقا من الاعتقاد أن نتنياهو وجد نفسه في هذا الوضع رغماً عنه، عندما نهض في صباح اليوم التالي للانتخابات، وتفاجأ بأن ليس هذا ما كان ينتظره. فنتنياهو، في أقصى الحالات، جاهز لإجراء بعض التغييرات، ولا يريد ثورات. هذا ما اعتقداه”.
كما تقول إنهما، خلال الأسبوع الماضي، فهما، واتضح لهما أن الموضوع ليس كذلك، وإن الحديث لا يدور عن أحزاب صغيرة تفرض رؤيتها على رئيس الحكومة. وتضيف: “نتنياهو معنيّ بالتغييرات القضائية أكثر منهم، ولقد تدخّل بكل تفاصيلها، وحتى أنه هو مَن يقرر وتيرتها وترتيب خطواتها. التغيير الأول الذي سيبدأ العمل فيه هو قانون “المستشارين القضائيين”. التبرير الرسمي هو أن على الوزراء تبديل المستشارين القانونيين لبدء العمل. غريب، فبعض الوزراء بدأ فعلاً بالعمل من دون أن ينتظر المستشارين القانونيين، وحتى أنهم قاموا بشيء أو اثنين”. وتؤكد أن السبب الحقيقي وراء هذا القانون أن نتنياهو يريد بشدة التخلص من شلوميت برنيع – فارغو، المستشارة القضائية في مكتب رئيس الحكومة. نتنياهو وعائلته لا يحتملونها، لأنها رفضت عشرات المرات طلبات العائلة بوضع مصاريف خاصة على حساب الدولة، ويعتقدون أنها كانت كريمة جداً حينما كان الأمر يتعلق ببينت. يريدون الولاية السادسة وإلى جانبهم مستشار قضائي يجيب بـ”أمرك”، على كل طلب.
يشار إلى أن رئيسة المحكمة العليا أستير حيوت كانت قد قالت، في خطاب حاد ألقته، مساء الخميس، خلال المؤتمر السنوي لجمعية القانون العام، إن الخطة القضائية التي يدفع بها الوزير الجديد قدماً ستغير الهوية الديمقراطية لإسرائيل، وستفرّغ المحاكم من الأدوات التي لديها للدفاع عن المواطنين الإسرائيليين. ومما قالته حيوت في خطابها: “قبل أيام، عرض وزير القضاء الجديد خطة خاطفة لإحداث تغييرات بعيدة المدى في المنظومة القضائية. والمقصود هجوم لا ضوابط له على منظومة القضاء، كأنها الخصم الذي يجب مهاجمته وإخضاعه.” ورأت حيوت أن هذه الخطة ليست لإصلاح القضاء، بل للقضاء عليه، وهي توجه ضربة قاسية تقضي على استقلالية القضاء وتشلّ عمله “. كما كان رئيس المعارضة، رئيس حكومة الاحتلال السابقة، يائير لبيد، قد حذر، في مقال نشرته صحيفة “هآرتس”، من أن “الإصلاحات” ستؤدي لتدمير الديمقراطية، بل تؤدي لانهيار الدولة من الداخل، وضمن مسيرة متسارعة تهاجر خلالها النخب الاقتصادية والثقافية.
وفيما التزم نتنياهو الصمت، حتى الآن، على المظاهرات المتصاعدة احتجاجاً على ما تقوم به حكومته، قال وزير الثقافة ميكي زوهر إن عشرات الآلاف شاركوا في المظاهرة، لكن الملايين قد شاركوا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، منوهاً أن حكومته تطبق ما وعدت به الإسرائيليين. وتابع في تصريحات إعلامية: “وعدنا الجمهور بفرض السيادة والحوكمة ونحن نطبق وعودنا”. وتبعه وزير المالية المستوطن باتسلئيل سموتريتس بالقول إن “الشعب معنا وسنواصل تطبيق الإصلاحات”.
عندما كان إيهود باراك رئيس للوزراء قام بتدمير عملية السلام مع الفلسطينيين فهو الذي سمح لجزار صبرا وشاتيلا شارون باقتحام الأقصى حيث أصبح بعدها رئيس الوزراء ودمر كل بنية اتفاقات السلام وحاصر عرفات واغتاله بالسم على حسب بعض الروايات. أي أن هذه المعارضة ضاهريًا ديمقراطية وحقيقة فاشية صهيونية تقتل وتفتك بالشعب الفلسطيني على مدى عقود بدم بارد وهاهي تحصد مازرعته بذاتها، فأين العجب أليس هذا متوقعًا منذ البداية. ببساطة نجد أن من يدافع عن الديمقراطية الواهية لإسرائيل في بنينها من الأساس، هم فاشيين متسترين برداء الديمقراطية، بينما حكومة نتنياهو تعلن ذلك صراحة!. أو ربما هم جميعهم فاشيين وعنصريين يسعون لنفس الهدف الصهيوني، لكن من زوايا مختلفة وهذا كل مافي الأمر.
صدقت واحسنت الوصف اخي اسامة. في النهاية هي دولة عصابات، وما نراه هو تشاجر رجال العصابات والاجرام. اللهم زدهم فرقة، وسعّر الخلافات بينهم حتى ينهار كيانهم من داخله. هذا “كيان مصطنع، هيهات يبني مجتمع” كما تقول كلمات الاغنية الفلسطينية. مجموعة عصابات صنعت لنفسها دولة، لا بد ان تتحل من داخلها كلما تأجج خلاف رجال العصابات.
ليس بالتأكيد أخي الشاعر السعيد!وعذرًا منك علينا أن لانكون متفائلين إلى هذا الحد وبالطبع لن نكون متشائمين إن شاء الله. فمثلًا عصابة بشارون مازالت تقتل في سوريا لأن … أمن إسرائيل مهم ولم تنهار رغم أنها تعفنت! وعصابة شارون تحميها أمريكا ولن تسمح بأن تنهار حفاظًا على المصالح الإمبريالية الأمريكية. بإختصار الشعب لفلسطيني أمامه واجب عظيم في الدفاع عن أرضه ووطنه والشعوب العربية تقف معه والحمد الله.
يدافعون عن “ديمقراطيتهم” وليس عن الديمقراطية .