قصائد من الأوروغواي

ماريو بينديتي | ترجمة: عبداللطيف السعدون
حجم الخط
0

ماريو بينديتي (1920- 2009) شاعر وروائي وكاتب، له أكثر من ثمانين رواية وقصة ومجموعة شعرية، تعرض للمساءلة والاعتقال مرات، بسبب نشاطه اليساري، كان يقول دائما إن سلاح المثقف هو قلمه، وهو باستطاعته أن يفعل الكثير من أجل أن يغير الحال، ولكن عليه أن يستمر ولا يتوقف، لأنه لم يحدث أن سقط ديكتاتور بسبب قصيدة واحدة.

(1) أنا قادم
يرمي الفرح بحصى صغيرة على نافذتي
يريدني أن أعرف أنه في انتظاري
لكنني أشعر بأن السكون يقيدني
وكل ما أريد قوله، وبهدوء
إنني ذاهب لأنهي لهفتي وقلقي
ولأضطجع على قفاي
أتلقى الأخبار وأصدقها
من يعرف أين سأكون بعد حين؟
ومتى تؤخذ حكايتي على محمل الجد؟
ومن يعرف أي نصيحة عليّ اتباعها؟
وأي الطرق أسهل في اصطيادها؟
لا تقلق.. فهناك الكثير من الأشياء التي علينا أن نقولها
وهنا الكثير من حبات العنب التي يمكن أن تملأ أفواهنا
لا تقلق.. لأن الفرح لن يحتاج بعد اليوم ليضرب نافذتي بالحصى
فأنا قادم..
أنا قادم

(2) أحبك أكثر
أنا لا أستطيع أن أصدق
أنك الآن بجانبي
والليل قبضة نجوم.. وسعادة
وانا أحس.. أتذوق.. أسمع.. وأرى
وجهك.. خطواتك المديدة.. يدك
لكنني لا أستطيع أن أصدق عودتك
قلت ذلك من قبل
وغنيت ذلك من قبل
لا أحد يمكنه أن يحل مكانك أبدا
معك تصبح الأشياء العادية مهمة
وقد جئت إليّ
جئت إلى وطنك
أما أنا فما زلت مرتابا في مسرى الحظ الذي يبدو سعيدا
وفرحة امتلاكي لك ما تزال تبدو محض خيال
لكن ما هو ماثل أمامي أنك جئت
جئت وأنت تنظرين لي بعينيك
وقد ملأ مجيئك مستقبلي فتنة وسحرا
ومع أنني أجهل أخطائي وانهياراتي
إلا أنني أحس عندما أكون بين ذراعيك
أن للعالم معنى
وإذا ما دفعتني جرأتي للمس شفتيك
فلن تكون هناك ثمة شكوك
لسبب واحد
هو أنني سوف أحبك أكثر
وأحبك أكثر

(3) دعنا نجد حلا
عندما تشعر بأن جرحك يوشك أن ينزف
وأن صوتك يوشك أن يتشنج
عدها عليّ
أنت تعلم أنك لا تستطيع أن تعدها عليّ لأكثر من اثنين
وربما لأكثر من عشرة
ولكن عدها عليّ
وإذا ما لاحظتني أحدق في عينيك
وأدركت أن ثمة مسحة حب في عينيّ
لا تشحذ سلاحك
ولا تقل: ما هذا الهذيان
لأن مسحة الحب أو لأن الحب نفسه كان موجودا من قبل
عد إذن عليّ
وإذا ما شعرت بنفوري فلا تقل: أي إهمال!
عد ذلك عليّ
ودعنا نجد حلا
فأنا أرغب أن أعد عليك
إنه أمر لطيف حقا أن يعد المرء كي يعرف أنه موجود
وأنه حي
حتى لو لم يعد لأكثر من اثنين
أو لأكثر من عشرة
وحتى لو لم يدفعك ذلك للمجيء إليّ
لكن بإمكانك أن تعد عليّ

(4) المشهد الذي أريد
إذا ما اخترت المشهد الذي أريد
فسوف اختار مشهد الخريف المتوحد
وسوف أخطف هذا الشارع
فهو كل ماضيي، وماضي الكل
حسبي أنه يعيد لي نظراتي المهدورة
قبل خمس عشرة أو عشرين سنة
حينها كان المنزل الأخضر ينفث نسائمه نحو السماء
وكان أمرا قاسيا علينا أن نتركه وقت الغروب
وهو بشرفاته المتعددة مثل أعشاش طيور وحيدة
وبخطوات ساكنيه العريضة المفعمة بالأمل
عنده دائما يتجمع الأعداء
الجواسيس ناعمو الملمس
والنسوة اللواتي تستحوذ قاماتهن على عينيّ
وفيه ثمة عصافير وزخات مطر
لكن هنا رائحة موت وأوراق جافة
وغيوم تكبر أمام نافذتي
فيما ترجع الرطوبة صدى الأغنيات النائحة
هنا يحيا الماضي كله
بجميلاته سريعات الذبول
وفضائحهن الخجولة
ومخاوفهن الموجعة
وأنا بلهفة المشوق لتذكاراته البعيدة
إذا ما اخترت المشهد الذي أريد
فسوف أخطف هذا الشارع
الذي اشتدت عتمته
والذي تعمد بالدم
أذكره بحنين محاصر
وأذكر كل أسماء شجيراته السبعين
جذورها وأغصانها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية