الناصرة ـ «القدس العربي»: يتسحاق هرتسوغ (55 عاما) هو ابن حاييم هرتسوغ رئيس إسرائيل السادس (1983-1993)، وحفيد الحاخام الأكبر الإشكنازي الأول يتسحاق أيزيك هليفي هرتسوغ.
وُلد هرتسوغ وترعرع في مدينة تل أبيب، وفي عامه الخامس عشر سافر مع والديه إلى الولايات المتحدة بعد تعيين والده سفيرًا لدى منظمة الأمم المتحدة في نيويورك. تعلم في المدرسة الثانوية الدينية («يشيفات ريمز») في منهاتن. وبعد عودته من الولايات المتحدة إلى إسرائيل عام 1978، التحق بالجيش وأدى خدمته الإلزامية في وحدة الاستخبارات 8200، وسُرّح وهو برتبة ضابط. بدأ هرتسوغ مشواره السياسي في 1985 بعدما أنهى عمله كمحام.
دخوله للسياسة
شغل هرتسوغ مناصب عديدة في حزب العمل، ففي العام 1994 اُنتُخِب عضوًا في مكتب حزب العمل وعُيّن مستشارًا لرئيس الحكومة شيمون بيريز في 1996، ومن بعدها مستشارًا خاصًّا لرئيس الحزب آنذاك إيهود باراك، من 1998 حتى 1999، وأصبح سكرتير حكومة باراك من 1999 حتى 2001. بالتوازي شغل هرتسوغ كذلك منصب رئيس سلطة محاربة المخدرات في الفترة الواقعة بين 2000 و2000.
كان العام 2002 بداية انخراط هرتسوغ بشكل فعال ومؤثر في قيادة حزب العمل، حيث انتُخِب في 2003 في قائمة حزب العمل للكنيست آنذاك، وجاء ترتيبه الحادي عشر في القائمة، واستقال من عمله كمحامٍ. في الكنيست السادس عشر (2003 2006)، ركز هرتسوغ على المعارضة الاقتصادية لسياسة وزير المالية، بنيامين نتانياهو. في تلك الفترة، شغل أيضًا مناصب مختلفة في لجان الكنيست، منها عضو لجنة الداخلية وحماية البيئة. وفي 10 كانون الثاني/ يناير 2005، وفي أعقاب إعلان شارون عن خطة الانفصال الأحاديّ الجانب عن قطاع غزة وانضمام حزب العمل إلى الحكومة لدعم شارون في خطته، عُيّن هرتسوغ وزيرًا للبناء والإسكان ولاحقا عين وزيرا للرفاه في حكومة إيهود أولمرت (2006-2009).
في 2011 تنافس هرتسوغ على رئاسة حزب العمل في الانتخابات التمهيدية للحزب، إلاّ أنّه خسرها لصالح شيلي يحيموفيتش. وعاد لينافسها في 2013، إثر عدم تمكن حزب العمل من الفوز في الانتخابات البرلمانية وبقائه في المعارضة، ليصبح رئيس حزب العمل. تولى هرتسوغ رئاسة المعارضة خلال الكنيست التاسع عشر كونه رئيسا لحزب العمل – الحزب الأكبر بين أحزاب المعارضة.
موقفه من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
عبّر هرتسوغ في فرص عديدة، منذ دخوله الساحة السياسية، عن موقفه من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ومن المفاوضات مع الفلسطينيين للتوصّل إلى حل سياسي للصراع وتدلل رؤيته أنه ينوي إدارة الصراع لا تسويته وفي نقاط جوهرية مهمة لا يحتلف عن طروحات الليكود كقضايا اللاجئين والقدس. وفي منتصف 2011، وخلال حملته الانتخابية لرئاسة حزب العمل، طرح هرتسوغ برنامجًا سياسيًّا مفصّلاً لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يتلخص في أربع نقاط أساسية: أولاً، توافق إسرائيل على إقامة دولة فلسطينية يُتّفَق على حدودها النهائية خلال مفاوضات بين الطرفين، وذلك شريطة أن يعود الفلسطينيون إلى طاولة المفاوضات وَفقًا لمعايير البرنامج المطروح، الذي يأتي تنفيذه على نحوٍ تدريجي وبالاتفاق بين الطرفين، على أن يكون اتفاق السلام جزءًا من التسوية في المنطقة.
ثانيًا، تصادق إسرائيل على المعايير التي حددها الرئيس الأمريكي كلينتون في 2000 لحل النزاع، أي أن يكون أساس المفاوضات حدود 1967 مع تبادل أراضٍ يُتّفَق عليها مع إبقاء الكتل الاستيطانية والأماكن المقدسة لليهود تحت السيادة الإسرائيلية. أما في ما يتعلّق باللاجئين الفلسطينيين، فيُسمح لهم بالعودة إلى داخل الحدود الدائمة للدولة الفلسطينية فقط.
ثالثًا، تَتّخذ إسرائيل سلسلة من التدابير المؤقتة كجزء من محاولة التوصل إلى تسوية دائمة مع الفلسطينيين، بما في ذلك نقل المزيد من الأراضي إلى المسؤوليّة الأمنية الفلسطينية، وتجميد البناء خارج الجدار والكتل الاستيطانية، وسَنّ قانون تعويضات للمستوطنين الذين يرغبون في العودة إلى داخل الخط الأخضر، وإطلاق سراح الأسرى الأمنيين المنتمين إلى حركة فتح وزيادة تشغيل فلسطينيين في سوق العمل الإسرائيلي.
رابعاً، كلّ ما يتعلق بالقدس يقرَّر ويحدَّد بترتيبات خاصة وهذه محاولة للتهرب من إبداء موقف واضح حيال القدس التي أكد بتصريحات كثيرة في الشهور الأخيرة عشية الانتخابات أنه يتعهد عدم تقسيمها. في خطابه في جامعة بار إيلان كرئيس للمعارضة، في أوائل عام 2014 اعتبر أنّ «القدس ركيزة حياتنا وأساس الشعب اليهودي، وأنّها ستبقى العاصمة الأبدية لإسرائيل، لكن يجب أن نميز بين القدس وضواحيها من القرى الفلسطينية العربية التي تظهر على الخريطة على أنها جزء من القدس فقط لأن البعض يريد رسمها كذلك». كما أعرب هرتسوغ، في هذا الخطاب، عن موقفه الرافض رفضًا قاطعًا لحق العودة للاجئين الفلسطينيين لإسرائيل. وفي خطابه المذكور أعلن أيضا عن دعمه لحل «دولتين لشعبين» مع إمكانية تبادل الأرض مقابل إبقاء مستوطنة أريئيل مع الإسرائيليين.
لم يتغير خطاب هرتسوغ بعد تولّيه رئاسة حزب العمل وترشُّحه لانتخابات الكنيست العشرين (2015) ضمن قائمة «المعسكر الصهيوني». في خطابه أمام مؤتمر الأمن في ميونيخ- ألمانيا في شباط/ فبراير الماضي، كشف هرتسوغ عن خطته المستقبلية في حال انتخابه رئيسًا للحكومة في ما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي. من أهم ما ورد في هذه الخطة: تجريد قطاع غزة من السلاح مقابل إعادة إعمارها، حيث اعتبرها (غزة) قنبلة موقوته قد تنفجر في أي لحظة، وأن تجريدها من السلاح وإعادة إعمارها قد يمنع هذا الانفجار ويأتي بثماره في إحلال الهدوء على الحدود معها لسنوات، وهذه الخطوة يجب أن تكون مبنية على قرار ملزم من الأمم المتحدة يمكن التوصل إليه بمساعدة الدول الحليفة في المنطقة. وكرر التزامه بحل الدولتين، وشدّد أنه سيحاول تجديد المفاوضات على أساس حوار إقليمي. من ناحية أخرى، هاجم السلطة الفلسطينية لتوجهها إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وقال إنها خطوة مُضرّة، ولن تأتي بنتيجة إيجابية لحل الصراع، فالإسرائيليون لن يسمحوا بجرّ جنودهم إلى مسار قضائي وسياسي في المحكمة الدولية.
يَعتبر هرتسوغ الفلسطينيين ندًّا يصعب التفاوض معه، ولكن لا مفرّ من مسار المفاوضات معهم. ويرى أن الجانب الإسرائيلي في المفاوضات ليس جانبًا سهلاً أيضًا. ينبع هذا برأيه من افتقار إسرائيل إلى رؤيا سياسية، ومن رغبة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في التمسك باليمين الذي يُفقده القدرة على التقدم في المفاوضات. ولكن، رغم ذلك يؤمن هرتسوغ بأن إسرائيل ما زالت قادرة على العودة إلى طاولة المفاوضات، وأن معظم الشعب وأغلبية أعضاء الكنيست ستدعم اتفاقًا مع الفلسطينيين مبنيًّا على ترتيبات أمنية ملائمة، ويحافظ على أغلبية المستوطنين تحت السيادة الإسرائيلية في الكتل الاستيطانية في إطار تبادل الأرض. يرى هرتسوغ أن الوصول إلى اتفاق هو حاجة ملحّة لإسرائيل، وأن التوقيت الحالي مريح لتجديد المفاوضات، خاصة أن الجامعة العربية تدعمه، وإيران مشغولة في جبهات أخرى ويخشى هرتسوغ أن البديل للاتفاق هو دولة ثنائية القومية من شأنها أن تقضي على الرؤيا الصهيونية.
وعن هذه الرؤية تقول إيناس خطيب الباحثة في مركز «مدى الكرمل» للأبحاث التطبيقية في حيفا داخل أراضي 48 لـ القدس العربي « إن هرتسوغ يعرض موقف حزب العمل التقليدي تجاه حل القضية الفلسطينية، وهو الموقف نفسه الذي بلوره إيهود باراك رئيس الوزراء السابق (1999- 2001) حين عرض بحملته الانتخابية اللاءات الإسرائيلية الأربع كشروط إسرائيلية لإنهاء الاحتلال: لا عودة لحدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، ولا عودة للاّجئين، لا لتقسيم القدس، ولا تفكيك للكتل الاستيطانية الكبيرة. وهذا الطرح لا يخرق الإجماع الاسرائيلي ولا يأتي بطروحات جديدة غير مألوفة في المشهد السياسي في إسرائيل.
وتوضح خطيب أنه يمكن اعتبار يتسحاق هرتسوغ شخصية سياسية تنحدر من لُبّ النخَب الإسرائيلية التقليدية، بل نتاج هذه النخبة التى تسعى للعودة إلى سدة الحكم في إسرائيل. وأشارت إلى أنه وُلد لعائلة إشكنازية كان لها دور في السياسة والحكم في إسرائيل مثلما ينتمي إلى الإجماع الإسرائيلي وإلى النخَب التقليدية. وترجح أن ينعكس ذلك في طبيعة الحال على طرحه وخطابه السياسيَّيْن وهو سياسي مخضرم يريد أن يستخلص العبر من تجارب حزب العمل في العَقدين الأخيرين وفشله في العودة إلى سدة الحكم. وتتابع «من هنا، لا يقدّم هرتسوغ طرحًا سياسيًّا يتحدى الإجماع القائم، خاصة في محور القضية الفلسطينية والاحتلال، فهو ملتزم بالشروط الإسرائيلية لإنهاء الاحتلال: عدم العودة لحدود 1967، والإبقاء على الكتل الاستيطانية الكبيرة، وعدم عودة اللاجئين إلى ديارهم في أراضي 48 القدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل، ودولة فلسطينية منزوعة السلاح».
وترى أن هرتسوغ يعتقد أنه بذلك يخاطب الإجماع الإسرائيلي ويساهم في كسب مصوتين جدد لحزب العمل من خارج الفئات الاجتماعية التقليدية لمصوتيه، وربما يقضم من مصوتي معسكر الوسط. مع ذلك، يتعامل هرستوغ وقائمة «المعسكر الصهيوني» مع المحور السياسي بحذر شديد، ويعرض برنامجه على نحوٍ متواضع ولم يحوّله إلى القضية المركزية في الانتخابات، خشية أن يلحق ذلك ضررًا باحتمال نجاح قائمة المعسكر الصهيوني.
في المقابل، يركّز هرتسوغ في برنامجه الانتخابي على المحور الاقتصادي الاجتماعي إيمانًا منه أن هذا الطرح من شأنه أن يشكّل نقطة قوة أمام منافسيه الأساسيين. ولا يقدم هرتسوغ طرحًا اقتصاديًّا جديدًا أو مغايرًا للإجماع الإسرائيلي، فهو يطرح إدخال تعديلات على النظام الاقتصادي الليبرالي، والتعامل مع عدم المساواة والتشويهات التي يخلقها اقتصاد السوق دون أن يطالب بعودة دولة الرفاه التقليدية. معنى هذا برأي خطيب أن هرتسوغ وحزب «المعسكر الصهيوني» يُمَوْضِعان طرحهما السياسي والأمني والاقتصادي في وسط التيارات السياسية في إسرائيل، بسبب اقتناعهم بهذا الطرح وأنه الأنسب لدولة إسرائيل، ولأن هذا الطرح هو الكفيل بإعادة حزب العمل لسدة الحكم – كما يعتقدون.
وديع عواودة