هل يمكن تبرير التقارب مع الأنظمة القمعية بواقعية السياسة!

حجم الخط
4

يثير نهج التطبيع مع النظام السوري وبشار الأسد الأسئلة القديمة الجديدة نفسها حول العدالة وإفلات الأنظمة القمعية وجرائمها من المحاسبة، على الرغم من أن المتتبع لأحداث المنطقة والسياسات سيجد أن هذا النهج بالتطبيع مع الأنظمة الوحشية، أو غض النظر عن جرائمها عندما تنتصر عسكريا، أو تتوافق معها مصالح القوى المؤثرة في الإقليم والعالم، سيجده نهجا يغلب على السياسة الدولية، فقبل الأسد مارست عشرات الأنظمة في الشرق الأوسط قمعا وحشيا ممنهجا طوال أجيال ضد شعوبها، في إطار نزاع داخلي على السلطة أو حروب أهلية، وفي نموذج آخر لدولة متمردة على القانون الدولي، تحتل إسرائيل أراض فلسطينية، حسب التعريف الدولي، وتبني عليها المستوطنات، ومع ذلك فهي مدللة القوى العظمى، ومنذ 75 عاما ذهبت كل نداءات واستغاثات الضحايا هباء أمام موقع القوة الإسرائيلي.
تكتسب حالة النظام السوري خصوصية أخرى كونه مارس أعمالا وحشية ضد شعبه، عادة تنفذها دول معادية ضد شعب دولة أخرى، ولا تفسير يلوح في الأفق لهذه السادية المفرطة، المتمثلة باستخدام صواريخ سكود لقصف قرى المجتمعات المعارضة، سوى أنه نظام ينظر للمعارضين من شعبه على أنهم شعب معاد وليسوا معارضين من شعبه، وهو تعبير آخر عن الشرخ الطائفي الحاد بين النظام والمعارضة.

نظام ينظر للمعارضين من شعبه على أنهم شعب معاد وليسوا معارضين من شعبه، وهو تعبير آخر عن الشرخ الطائفي الحاد بين النظام والمعارضة

وعلى الرغم من أن المعارضة والثورة السورية تلقت دعما دوليا وإقليميا كبيرين في السنوات الأولى، إلا أن فشل المعارضة وفصائلها المسلحة في ترجمة هذا الدعم لانتصار ميداني، حرمها من حصد نتائج ثورتها، فلهذه الصراعات لغة واحدة تفهمها وتحدد مسارها في النهاية وهي، الانتصار العسكري في الحرب، غير ذلك لا يمكن الاعتداد به في ساحة النزاعات، فلنتذكر أن سوريا نفسها تغير سكانها ووجوهها تاريخيا لعدة مرات حسب هوية الغزاة و»الفاتحين»، وكل منهم أقام دولته فوق جماجم من قبله، ولكن ألم نغادر عهود الهمجيات الغابرة؟! ربما أن منطقتنا ما زالت عالقة في ذلك الزمن وطبائع استبداده، ولكن هناك من يظن أننا لم نغادر تلك الحقب، وبنى تصوراته وآماله على سراب رومانسي، يتخلله جهل بعمق الصراعات في الشرق الأوسط، وربما أن البعض في منطقتنا قد «لبس قشرة الحضارة لكن الروح جاهلية»، كما يقول نزار قباني! ولعل ما زاد من وقع هزيمة المضطهدين في سوريا، أن معظم حلفائهم إما هادنوا النظام، أو حتى مضوا في طريق حلفائه، كما حصل مع تركيا، التي كثيرا ما نسمع من يبرر خطواتها التطبيعية بالسياسات الواقعية، وهذا غير دقيق، لأن أنقرة وإن كانت عدوا للأسد في بداية الثورة، إلا أنها لم تكن في جوهر موقفها تنظر للنظام السوري كخطر حقيقي، أو عدو داهم بالدرجة نفسها التي ينظر حلفاء بشار الأسد للمعارضة، وفي الزاوية المذهبية نفسها، فدولة تركيا ذات روح قومية ترى في الحالة السنية، إذا كانت كردية قومية خطرا يتجاوز الحالة العلوية ومحورها الشيعي، إذا كانت لا تمثل تحديا قوميا، والسؤال البسيط هو إذا كانت أنقرة ذهبت للتطبيع بحجة «السياسات الواقعية والرغبة في السلام» فلماذا لم ولن تجنح للسلام مع «قسد» الكردية السورية، كما ارتضته مع الحكومة العلوية السورية؟ إن تغيير النظرة للنظام السوري من العداء للتحالف دون تغيير أداء النظام السوري، هو ببساطة «فشل سياسي»، وهو يعني سوء تقدير مريع لمآلات الحرب، والفشل في تحقيق الهدف الذي وضعته السياسة التركية المعادية للنظام السوري في البداية، والتراجع عنها، والوقوع في أسر حلفاء النظام السوري، الذي على العكس، لم تتبدل سياساته المعادية نحو المعارضة، ببساطة لأنه نجح بتحقيق هدفه السياسي بإخضاعها للقوة العسكرية، بل حول مسارات داعميها لصالحه، إنه الفرق بين سياسة حققت هدفها وسياسة تبدلت لصالح هدف خصومها!

كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول إبسا الشيخ:

    إنها مصلحة، يا أستاذ وائل

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    لأن أنقرة وإن كانت عدوا للأسد في بداية الثورة، إلا أنها لم تكن في جوهر موقفها تنظر للنظام السوري كخطر حقيقي، ” إهـ
    كذلك ينظر النظام السعودي لحزب الإصلاح اليمني (إخوان مسلمون) ,
    بالرغم من عداوة الحوثيين للنظام السعودي !!
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول هدنة:

    تركيا تعيش في حالة هدنة مع الجميع، و الله أعلم.

  4. يقول ذيب:

    هو التطبيع لازم يكون فقط مع الكيان الصهيوني، ودخلك مين النظام العربي الديمقراطي !؟

إشترك في قائمتنا البريدية