التشكيلية القطرية إيمان الهيدوس ومعاني الواقع

يتبدى أن تجربة الفنانة التشكيلية القطرية إيمان الهيدوس، تضطلع بمجموعة من الجماليات التي تخص رسم الصورة الواقعية بمعان مختلفة. ولعل أعمالها الفنية تتمتع بمعان متنوعة، فهي تروم البورتريه حينا، وتروم أشكال الواقع في مسالك فنية متنوعة حينا آخر، فتتقصد الخيل في صيغ جمالية مختلفة، تقوم على وضع تشكيلي ساحر، في نطاق الخصائص الفنية ذات التداعيات الدلالية التي تنبع من سحر المادة الجمالية المرصعة بنشوة الرسم الواقعي، وصناعة أشكال فنية، بانتقاء دقيق للألوان المعاصرة الحمالة لأوجه من المعاني والدلالات، خاصة أن هذه الأعمال الفنية تلامس البورتريه المعاصر من جهة، وتروم مختلف الأشكال الواقعية من جهة أخرى برؤى فنية وجمالية عميقة الدلالات، تمنح القارئ تفاعلات إيجابية تقوم على مختلف المفاهيم الواقعية.
وتشكل هذه الإنجازات الفنية محطة تشكيلية قوية، مؤطرة بتقنيات جديدة تبعث الجمال وفق خاصيات تشكيلية متعددة، ووفق رؤى فنية وتصورات واقعية تتخذ مسارا تجديديا، تعتمد من خلاله أسلوبا رائقا في التعبير، مدججا بالعصرنة والتوظيف الجمالي المتنوع سواء على مستوى الألوان المبهجة، أو على مستوى توزيع المساحة، أو على مستوى تشكيل المكان، وفق عمليات التنظيم الشكلي لمختلف الأشكال والألوان، وهي كلها عناصر تدعم القاعدة التجديدية للواقعية المعاصرة في سياق فني صرف. ويتبدى أن هذا التأطير يروم الواقعية المعاصرة باستعمال مفردات واقعية متخصصة، باعتبار أن المبدعة تجمع مختلف العناصر التشكيلية على نحو من الواقع، وتبدد الغموض، وتباشر الوضوح باعتناء فائق بقيم السطح، وبسط لمسات صباغية غاية في الجمال، على نحو من السيولة الفنية، وانتقاء دقيق للمفردات التشكيلية بكل ما تقتضيه المادة الواقعية من أشراط جمالية، فيتراءى عليها الدال البورتريهي والشخوصي بائنا بجماله، حيث يعد ذلك إنجازا قويا وانتصارا لمجال الرؤية البصرية التي تستجلي غالبا دلالات إضافية.
إن استخدام المبدعة لعناصر البورتريه بانسجام فني تام، يجعل خاصية التعدد العلاماتي والإيحائي والإشارات في نسيجها التشكيلي، تُحدث مجالا فنيا قادرا على ملامسة المجال التعبيري والانزياح به نحو تعددية القراءة، فهي تبلور العملية الإبداعية وفق خاصيات جديدة وأساليب معاصرة في التعبير، تمزج من خلالها بين ملامح الألوان، وأنساق الواقع في كل تفاصيله الدقيقة.

تتخذ التشكيلية إيمان الهيدوس لعملية الإبداع الواقعي التوظيف المحكم لمختلف الشخوصات والأشكال الواقعية والقيم الجمالية، التي تتيح للبناء البصري صياغة تصورات تتفاعل مع مقومات العمل الفني في سياقه الجمالي. فهي تستنطق المكنونات الإبداعية لتصنع أسلوبا واقعيا ممنهجا تتوالد معه سيولة من القيم الفنية والجمالية والتعبيرية بأبعاد غير محدودة. إنها بذلك تصنع فنا مرئيا تتذوقه الرؤية البصرية في صيغة حسية على اختلاف المفردات والمكونات التعبيرية الواقعية المُستخدمة في العملية الإنتاجية. ليشغل الفرس مساحة مهمة من الفراغ دون حدود للمكان. وبذلك تتبدى أعمالها التي تتقصد الخيل مليئة بالإيحاءات والإشارات الدالة على معاني مخزونة في واقعية الخيل؛ ودالة كذلك على سيميولوجية ثقافية تستمد كينونتها من الثقافة العربية الأصيلة. وهو ما يخول لها فنيا وتقنيا. صنع مجال كبير للخيل برؤى تعبيرية رائقة، تصيغها في ألوان مختلفة، وتردفها بتموضع لتنسج منها المادة التعبيرية، وتبعث من خلالها الحركة، ثم تضيف إليها بعض العلامات والأشكال المتنوعة، فتعمد إلى روابط علائقية تكثف بها الفضاء لتتراءى بين الكتل والألوان في حلل بديعية ومحسنات رائقة. وتعمد من خلال كل تلك العمليات إلى إنتاج توليف بين مختلف العناصر المكونة لأعمالها، بإضافة عناصر جديدة مما تحمله تقنياتها العالية من تغيرات، تجعل من الصياغة اللونية ومن الشكل بناء فنيا منظما في تواشج عميقة الدلالات، عن طريق التعبير بمفردات الواقعية التي تعتبر المادة المركزية في أعمالها التشكيلية.
إذا تجربة المبدعة تنبني على رسوم واقعية جمالية، تتخذ من البورتريه والشخوصات والخيل مادة فنية لإرساء مقومات العمل الإبداعي بوظائف بنائية ودلالية مغايرة للمعتاد، فهي تعتمد العمل الواقعي التعبيري في مساحات متنوعة، فعملية البناء لديها تقوم على الأشكال الواقعية وعلى الألوان الراقية، وتقوم كذلك على تثبيت الشخوصات المختلفة والبورتريهات السامية، ومختلف المفردات الفنية المباشرة التي تنتج الدلالات المتعددة، وهي توفر لذلك جملة من المواد بتصورها المخالف للمألوف، عن طريق إنشاء نسق فني يتمثل في الخامات والأشكال المتنوعة والعلامات والعناصر الشكلية والمفردات الفنية. إنه تنفيذ فني يتم وفق رؤى وتخييلات الفنانة التشكيلية إيمان الهيدوس، التي تولي أهمية للتعبير بمسوغات واقعية من الفن الشخوصي وفن البورتريه المعاصر والتشكيلات المتنوعة. فجلي في هذا الفن هذا النوع من السيولة والدقة والانتقاء اللوني.
فأعمالها لا تنتهي عند حد معين، بل تتعدى حدود الشكل واللون بالمعايير الفنية المستهلكة، وتتجه نحو أشكال وعوالم واقعية بمقدرة معرفية وفنية وجمالية بفنيات منظمة ودقيقة الصنع اللوني والشكلي. وبذلك فإن الأعمال الإبداعية للمبدعة تتبدى فيها مجموعة من الابتكارات، التي تمتح مقوماتها من الواقع الذي يعبر عن معان وأحاسيس، وعن رؤى ذهنية، تقارب العمل الفني المتجدد في النسيج الإبداعي في مجمله.

إيمان الهيدوس

كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الدكتور جمال البدري:

    مبدعة متألقة أيّتها الفنانة التشكيليّة؛ بنت قطر؛ لؤلؤة الخليج.سؤال للفنانة: هل صورة الرجل الذي يروّض الحصان من رسمك أم صورة فوتغرافيّة مرّكبة؟

إشترك في قائمتنا البريدية