تونس: ضرورة نقاش مجتمعي واسع

هي «فكرة للنقاش» هكذا سمّاها محام تونسي، لكنها ليست مجرد فكرة بل أكبر من ذلك، هي مجموعة أسئلة في الصميم تتعلق بتونس ومستقبلها.
المحامي فوزي جاب الله، الذي لا أعرفه إلا من خلال تدويناته في «تويتر» و«فيسبوك» طرح أسئلته المحيّرة على النحو التالي:
هل يفترض التمسك بالديمقراطية اليوم (في تونس) باعتبارها طريقا وحيدا لنهوض البلاد، وهل ذلك مرتبط بالضرورة بمرحلة الانتقال الديمقراطي المنقلب عليها؟ (2011-2021)؟ وهل هناك ضرورة حقا لأن تتأسس المطالبة بالديمقراطية على مخرجات الشرعية الانتخابية المتحققة في تلك المرحلة؟ وإذا كان التمسك بالشرعية واجبا لا يمكن تجاوزه فإلى أي مدى قد تذهب المطالبة بذلك؟ هل هي مطالبة بدستور 2014 فقط، أم بدستور 2014 ومعه كذلك برلمان 2019 الذي حلّه قيس سعيّد؟ أم دستور 2014 وبرلمان 2019 وحكومة المشّيشي؟
ويمضي الرجل قدما في تساؤلاته: هل من الممكن، نظريا وكذلك عمليا، السير نحو الديمقراطية التامة بكل حرص مع اعتبار أن مرحلة 2011-2021، بغض النظر عن تقييمها، قد انتهت إذ يمكن اعتبار إنقلاب قيس سعيّد على الدستور (يوليو-تموز 2021) اغتيالا أجهز عليها، وبالتالي فهي تكون قد دخلت التاريخ كالمراحل التي قبلها؟ وهل أن على المرحلة «المستقرة» التي ستلي المرحلة الحالية أن تفك ارتباطها القانوني بكل تلك المراحل (وأيضا بالمرحلة الحالية) وتكتفي منها جميعا بالعبر السياسية وغيرها؟ ولتكون مؤسسةً فقط على الديمقراطية والحريات العامة والنجاعة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، كيفما يمكن التوافق حولها وطنيا، مع الاتفاق بالتوازي على مرحلتها الانتقالية؟
للأسف لم ألحظ أن هذه الأسئلة، رغم جرأتها وفرادتها، قد أثارت نقاشا واسعا، ولو في المواقع التي نشرت فيها، باستثناء بعض الآراء المحدودة ومن بينها من قال مثلا إنه «لا حل يمكن أن يحقق استقرارا دائما إلا بالانطلاق من الشرعية ودستور 2014، وهنا مربط الفرس… بمعنى يجب وأد السابقة التي أحدثها قيس سعيد بإنقلابه الذي خرج به تماما على الدستور (…) حتى لا تبقى تلك السابقة ملهمة لغيره في المستقبل» فيما رأى آخر أن تونس وناسها «الآن في دائرة الحق والباطل والخطأ والصواب، تلك الدائرة المغلقة لا خروج منها إلا باعتبار النسبية في الاتجاهين وأبواب الخروج مازالت موصدة».

مع ما قد تثيره هذه النقاشات من تفكير «خارج الصندوق» كما يقال، ومن محاولات للإجابة على أسئلة صعبة للغاية وربما مستفزة، إلا أنه لا مفر من خوضها وبكل جسارة حتى لا يدخل الوضع العام في البلاد، والسياسة بشكل خاص، إلى نوع من «الموت السريري»

مجوعة الأسئلة الأولى، وأغلبها محيّر حقيقة، وكذلك بعض التعقيبات عليها ما هي في الحقيقة سوى نموذج مصغّر لما بات بعض النخبة في تونس تتجه إلى طرحه، ولو على استحياء، مع كل ما فيه من خروج عن المتداول من ثنائية حادة بين أنصار الانقلاب، وهم قلة تتضاءل باستمرار، وبين معارضيه، الصامتين أو الناشطين.
ومع ما قد تثيره هذه النقاشات من تفكير «خارج الصندوق» كما يقال، ومن محاولات للإجابة على أسئلة صعبة للغاية وربما مستفزة، إلا أنه لا مفر من خوضها وبكل جسارة حتى لا يدخل الوضع العام في البلاد، والسياسة بشكل خاص، إلى نوع من «الموت السريري» الذي لا تعلن فيه الوفاة رسميا ولكن دون أمل في الشفاء. لا بد من الخروج في أسرع وقت ممكن من حالة التيه الحالية لاجتراح حلول ما أو على الأقل بداية التفكير في تلك الحلول وطرحها على الناس لمزيد من النقاش والإثراء.
لا مفر من نقاش مجتمعي واسع في تونس للبحث عن مخارج ممكنة من المأزق الرهيب الذي أوقع فيه سعيّد تونس كاملة. مثل هذا النقاش يجب ألا يكون مطلوبا فقط من الأحزاب السياسية أو المشتغلين بالشأن العام بل من كل الفئات والشرائح المهنية المختلفة ويجب ألا يكون محصورا في الفضاء الإلكتروني، لا بد من خروجه إلى العلن وبقوة وفي كل المنابر المتاحة. في هذا السياق، يمكن ملاحظة بعض الحياة التي عادت لتدب مثلا في جسم المحامين من جديد بعد أن كان العميد السابق للمحامين قد أفلح في تدجين العمادة وربما القطاع نفسه بموالاته الفجة للرئيس وسياساته. هذه الأجواء الجديدة كفيلة ربما بأن ترشح المحامين للعب دور متميّز في البحث عن مخارج ما لأزمة البلاد الحالية.
صحيح أن هؤلاء المحامين منخرطون مع الاتحاد العام التونسي للشغل في صياغة مبادرة معينة في هذا الاتجاه، مع رابطة حقوق الإنسان، قيل إنها ستعلن نهاية هذا الشهر، لكن ذلك لا يكفي فالكل في النهاية، من قضاة وصحافيين ومهندسين ورجال أعمال وغيرهم، مدعوون لأوسع نقاش مجتمعي ممكن في رحلة البحث عن حلول إذ لا يمكن البقاء طويلا عند هذا الاستسلام للأمر الواقع القائم، واقع سياسي واقتصادي قابل للانفجار في أي لحظة.
ورغم أن «الحوار الوطني» الذي يراه البعض مخرجا وحيدا لأزمة تونس كثيرا ما يقدّم على أنه حوار بين الأحزاب والمنظمات إلا أنه من الأفضل أن ينطلق، على الأقل في هذه المرحلة، داخل كل قطاع على حدة ليتوسع في مرحلة مقبلة في حوار وطني واسع وجامع، لا يقصي أحدا.. فهل هذا مستحيل؟!.

كاتب وإعلامي تونسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    التغيير الكبير الذي جرى بتونس هو بتغيير نظام الحُكم من نظام برلماني ,
    إلى نظام رئاسي كما جرى بتركيا !
    لنكن واقعيين , وليستمر هذا النظام لغاية إنتخاب رئيس جديد لتونس !!
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول سامح //الأردن:

    *كل التوفيق والنجاح ل (تونس) بغد مشرق مزدهر إن شاءالله.
    حسبنا الله ونعم الوكيل في كل فاسد وظالم ومضلل للحق والحقيقة.

  3. يقول Mujtahed:

    النقاش ممنوع سي محمد بامر من السيد الرئيس

  4. يقول الكروي داود النرويج:

    لا حول ولا قوة الا بالله

  5. يقول د. عيده:

    كيف سيتمّ النقاش المحتمعي في بلد أصبح فيه رفض النقاش منهجاً سياسيّاً واضحاً وضوح الشمس؟

  6. يقول عابر سبيل:

    طالما هناك رئيس إستفرد بكل السلطات وعطل القضاء والبرلمان والأحزاب، زيقوم يإرسال الخطابات والإتهامات فقط ولا يستقبل، فكيف ستتم المناقشة ؟

  7. يقول إبن البلد:

    الحوار السائد حاليا في تونس الحبيبة هو “حوار الطرشان ” !!

  8. يقول Omar Ben Mansour:

    يصعب إجراء حوار مثمر في الوقت الحالي، فالرئيس يرفضه، والاتحاد يريده على ان تكون يده هي العليا.
    الاتحاد يمارس السياسة بأدوات ضغط العمل الاجتماعي، وبمحتوى القوى السياسة المتمكنة فيه. هذه القوى السياسية تعلم يقينا أنها إن مارست السياسة بأدوات الفعل السياسي، لن تحقق شيئا بذكر حتى إن كانت تجري منفردة فلن تكون الأولى، حركة الشعب مثالا لم تتحصل الا على 22 مقعد في انتخابات برلمان الرئيس.

إشترك في قائمتنا البريدية