القاهرة ـ «القدس العربي»: خطوات عديدة أقدمت على اتخاذها السلطات المصرية منذ عام 2013، للحيلولة دون أي احتمال لتكرار ما حدث في 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وهي الثورة التي اعتاد رأس السلطة في مصر على مدار السنوات الماضية، على إلصاق اتهامات بها بأنها تسببت في خراب البلاد.
وكان الهدف الأول للسلطة منع أي مظاهرات أو تجمعات قد تؤدي إلى تكرار الحدث أو تشجع المصريين على الخروج إلى الشوارع، فأصدرت القانون تلو الآخر الذي يجرم التظاهر، ويضع شروطا مستعصية للحصول على إذن به.
قوانين مكبّلة للحريات
وبعد الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين من الحكم عام 2013، لم تنتظر السلطات كثيرا، فخلال المرحلة الانتقالية، أصدر الرئيس المؤقت عادلي منصور، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، قانونا لتنظيم الاجتماعات والمظاهرات السلمية، يلزم منظمي المظاهرات بإبلاغ السلطات قبل ثلاثة أيام عمل على الأقل من موعدها، ولوزير الداخلية أن يقرر منع المظاهرة إذا كانت تشكل «تهديداً للأمن».
ونص القانون على «استخدام تدريجي للقوة يبدأ من التحذيرات الشفهية إلى إطلاق الرصاص المطاطي مروراً بخراطيم المياه والهراوات والغاز المسيل للدموع».
وبعد وصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للحكم عام 2004، أصدر قراراً جمهورياً بتعديل بعض أحكام قانون التظاهر.
ونص القرار الرئاسي على أن يستبدل نص المادة العاشرة من القانون 107 لسنة 2013، بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية إلى النص الجديد، ومفاده: «يحق لوزير الداخلية أو مدير الأمن المختص وقبل الميعاد المحدد لبدء الاجتماع أو الموكب أو التظاهرة، وبناء على معلومات جدية أو دلائل عن وجود ما يهدد الأمن والسلم، التقدم بطلب إلى قاضي الأمور الوقتية في المحكمة الابتدائية المختصة لإلغاء أو إرجاء الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة أو نقلها إلى مكان آخر أو تغيير مسارها».
وحق القاضي أن «يصدر قراراً مسبباً فور تقديم الطلب إليه، على أن تبلغ الجهة الإدارية مقدمة الإخطار فور صدوره، ولذوي الشأن التظلم من القرار وفقا للقواعد المقررة بقانون المرافعات المدنية والتجارية».
وعليه، التعديل الجديد، ألغى حق الأمن في منع التظاهرة، مانحاً هذا الحق لقاضي الأمور الوقتية وبعد تقديم مذكرة رسمية من وزير الداخلية أو مدير الأمن.
قانون مكافحة الإرهاب
وفي عام 2015، أصدر السيسي قانون مكافحة الإرهاب، وهو القانون الذي اعتبرته منظمات حقوقية «صفعة جديدة للدستور ويهدم دولة القانون، ويرسخ لحالة الطوارئ غير المعلنة التي يكرسها تحت ذريعة حماية المجتمع والوحدة الوطنية ومنع ترويج أفكار داعية للعنف».
وسمح القانون لرئيس الجمهورية أو من يفوضه بـ «اتخاذ أي تدابير» بدعوى «المحافظة على الأمن والنظام العام» في حالة حدوث ما قد يمكن اعتباره خطرا من أخطار الإرهاب، بما في ذلك ما يتصل بحظر التجوال، الأمر الذي يتضمن تكريس حالة طوارئ غير معلنة، وغير محمية بالضمانات الدستورية، بل ويعطيه الحق في إعلان حالة طوارئ مقنَّعة تحت مسمى «أخطار الجرائم الإرهابية أو الكوارث البيئية» لمدة لا تتجاوز 6 أشهر يجوز تجديدها لمدد أخرى بعد موافقة أغلبية البرلمان.
تهديد وإرهاب
واعتبرت المنظمات أن القانون يمثل «تهديدا وإرهابا للمجموعات والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ولوسائل الإعلام أكثر مما يمثله من تهديد لجماعات التطرف العنيف، وهو يعزز من إغلاق المجال العام في مصر، الأمر الذي لن يفيد سوى تلك الجماعات المتطرفة من النمو والتمدد، وأن ما يزيد الأمر سوءا هو الغياب التام للرقابة الفعالة على القائمين على تنفيذ القانون في ظل الانهيار التام لمنظومة العدالة».
القانون أيضا حسب المنظمات «توسع مقلق في دائرة التجريم، باستخدام تعريفات غير دقيقة، أو بإضافة أفعال غير محددة كما في الفقرة الثانية من المادة الثانية، التي تُجرِّم كل سلوك يُرتكب لتحقيق الغرض الإرهابي» ذلك الغرض الذي يشمل حسب القانون «إلحاق الضرر بالبيئة» واحتلال الأملاك العامة أو الخاصة والاستيلاء عليها أو إلحاق الضرر بها، ومن ثم يمكن إلصاق تهمة الإرهاب بمن يتظاهرون أمام مبانٍ حكومية أو شركات أو الاعتصام بداخلها أو في الطريق العام، كما أن مصطلحات «النظام العام» و«سلامة المجتمع» و«مصالح المجتمع» و«الوحدة الوطنية» هي من العمومية بحيث يمكن تفسيرها وفقًا لمن يملك سلطة التفسير، بأشكال متنوعة.
وتقدر منظمات حقوقية عدد المعتقلين في مصر بـ 60 ألف معتقل، في وقت تنفي السلطات المصرية وجود معتقلين وتقول إن المحتجزين لديها متهمون على ذمة قضايا جنائية.
ودعا محمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية، أمس الأربعاء، السيسي، إلى إصدار عفو عام عن كل سجناء الرأي والتعبير والمحبوسين في قضايا التظاهر السلمي، ليصبح المشروع الوطني الحقيقي لعام 2023. وقال: «لقد رأينا جميعا صدى وتأثير الإفراج عن رجل الصناعة صفوان ثابت ونجله في مجتمع المال والأعمال والترحيب الشعبي، وأعتقد سنرى الأثر الأكبر في حال إصدار عفو عام».
وأضاف: «لم ينس التاريخ ما قاله مانديلا إننا إذا أردنا أن نكسب المستقبل فعلينا ألا نحاسب الماضي ونعاقبه، وإذا فعلنا ذلك فنحن سنخسر الاثنين معًا، وإنه يحترم حق الجميع في رؤاهم لمستقبل وطنهم».
«توحيد الصف»
ودعا رئيس البلاد «مجددا إلى خطوة حقيقية نحو جمع الكلمة وتوحيد الصف ولم الشمل وتضميد الجراح والاصطفاف، حتى نطوي الماضي بكل ما فيه من تجاوزات ومآس وأخطاء، ونمحو خلافاتنا ونحصن بيتنا المصري من الداخل بمزيد من الحقوق والحريات المسؤولة وقبول الاختلاف ونؤسس لبيئة وثقافة مجتمعية تعالج الأزمات من جذورها دون معالجة أعراضها فقط».
واستكمل: «القمع والتهميش والصوت الواحد أبدا لم تفلح في مواجهة الأزمات كما علمنا التاريخ، وهذه سمات القائد القوي والمتسامح في دولة مستقرة تتطلع لمستقبل واعد». لم يكن منع التظاهر بالقوانين كافيا لدى السلطة، فقررت حصار الصحافة والإعلام، وأصدرت قانون تنظيم الصحافة والإعلام عام 2018، وهو القانون الذي اعترضت عليه الجماعة الصحافية في مصر، ورأت فيه «تكميما للأفواه ومنع الأقلام من الكتابة إلا بإذن السلطة».
ونص القانون في مادته الـ «19» على منح المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام سلطات رقابية لا تتواءم مع دوره، وتنص على أنه «يحظر على الصحافة أو الوسيلة الإعلامية أوالموقع الإلكتروني، نشر أو بث أخبار كاذبة أو ما يدعو أو يحرض على مخالفة القانون أو إلى العنف أو الكراهية، أو ينطوي على تمييز بين المواطنين، أو يدعو للعنصرية، أو التعصب أو يتضمن طعنا في أعراض الأفراد أو سبا أو قذفا لهم أو امتهانا للأديان السماوية أو للعقائد الدينية».
ويلتزم بأحكام هذه المادة «كل موقع إلكتروني شخصي أو مدونة إلكترونية شخصية أو حساب إلكتروني شخصي يبلغ عدد متابعيه خمسة آلاف متابع أو أكثر، ومع عدم الإخلال بالمسؤولية القانونية المترتبة على مخالفة أحكام هذه المادة يجب على المجلس الأعلى اتخاذ الإجراء المناسب حيال المخالفة وله في سبيل ذلك، وقف أو حجب الموقع أو المدونة أو الحساب المشار إليه بقرار منه».
عمرو بدر عضو مجلس نقابة الصحافيين المصريين السابق قال لـ «القدس العربي» إن هناك عدة مشاهد دالة على ما آلت إليه أوضاع الصحافة والصحافيين المصريين خلال السنوات الماضية.
وأضاف: تعرضت الصحافة المصرية للتكبيل في السنوات الأخيرة، وكان أبرز المشاهد إصدار القانون 180 لسنة 2018، وهو القانون الذي شرعن إجراءات غلق وحجب الصحف والغرامات المغلطة، واستخدام تعبيرات مطاطية لتطول كل الصحافيين، ولم يحدد القانون تعريفا منضبطا لمثل هذه التعبيرات التي يستخدمها القانون كالعنصرية أو التمييز أو امتهان الأديان.
وزاد: مشهد آخر تمثل في الصحافيين الذين تعرضوا للحبس على مدار السنوات الماضية.
قسمان من المعتقلين
وبين أن الصحافيين الذين تعرضوا للحبس، ينقسمون إلى قسمين، الأول هم من تعرضوا للحبس الاحتياطي لفترات طويلة، والقسم الثاني من عرضوا على النيابات في قضايا نشر وصدرت بحقهم قرارات إخلاء سبيل بكفالة مالية كبيرة، وهؤلاء بالعشرات، ما مثل إحدى صور التضييق على الصحافة.
مشهد آخر أشار إليه بدر، قائلا: شهدت السنوات الماضية، تأميم كل القنوات الفضائية والمواقع والصحف لمصلحة جهات رسمية في الدولة فرضت خطابا واحدا، ما جعلنا نرى المانشيت الموحد في الصحف المصرية وكأنه جرى توزيعه على الصحف.
وختم: كل هذا يناقض خط وأهداف ثورة يناير ونتمنى في المستقبل أن تتغير مثل هذه الأوضاع.
وتقدر مؤسسات حقوقية عدد المواقع التي تعرضت للحجب في مصر بنحو 600 موقع منذ مايو/ أيار2017، بينها منصات إعلامية وسياسية وحقوقية، وتؤكد أن حجبها انتهاك لحق المستخدمين في المعرفة وحرية التعبير.
كبلت هذه القوانين وغيرها «الحرية» وهي واحدة من ثلاثة شعارات رفعها المصريون في ثورتهم ورددتها حناجرهم في الميادين «عيش حرية عدالة اجتماعية».
العيش
العيش في مصر يعني الخبز، وهو مصطلح يستخدمه المصريون للتعبير عن العمل، فالمصري وهو ذاهب لعمله يقول «أنا ذاهب لأكل عيش» ويعبرون به عن العلاقات الإنسانية، فيقول المصري «بيننا عيش وملح» وفي الميادين رفع المصريون أصواتهم بالمطالبة بالعيش، تعبيرا عن أوجاع الفقراء وحق الناس في توافر الطعام وفرص العمل.
وبعد 12 عاما من ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، يئن المصريون من أوضاع اقتصادية صعبة، شهدت موجات غير مسبوقة من ارتفاع أسعار السلع خاصة الغذائية، مدفوعة بالسياسات الاقتصادية التي تبنتها السلطة المصرية خلال الأعوام السابقة، التي اعتمدت على الاقتراض وبيع أصول الدولة وتحرير سعر الصرف.
وبدأ الجنيه المصري رحلة الانهيار في عام 2015، مع إصدار البنك المركزي المصري أول قرار يتعويم الجنيه، ليواصل الجنيه رحلة الهبوط مع بداية العام الجديد، مع انتقال البنك المركزي إلى نظام صرف أكثر مرونة، بموجب شروط حزمة دعم مالي من صندوق النقد الدولي. وسجل سعر الدولار حسب آخر تحديث للبنك المركزي، 29.74 جنيه للشراء، و29.84 جنيه للبيع.
وكان المصريون اضطروا لتقليل استهلاكهم من الغذاء خلال عام 2022، حسب دراسة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وجاءت الدراسة قبل الموجة الأخيرة من ارتفاع الأسعار التي أعقبت التعويم الثالث للجنيه، بالتزامن مع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على قرض جديد بقيمة 3 مليارات دولار.
وأوضحت أن استهلاك المصريين من اللحوم قل بنسبة 93.3 ٪، كما انخفض استهلاكهم من الطيور بنسبة 93.1 ٪ كما انخفضت نسبة استهلاك الأسماك لتصل إلى 92.5٪ بالإضافة إلى انخفاض نسبة استهلاك البيض والزيوت لتصل إلى 70٪.
وأكدت انخفاض استهلاك المصريين من الأرز بنسبة 70٪ وذلك مقابل ارتفاع الاستهلاك من الخبز بنسبة 103٪ وأيضا البقوليات زاد استهلاكها بنسبة 1.1٪ مقارنة باستهلاكهم قبل الأزمة.
تحصين القرارات
وكانت السلطات المصرية حصنت قراراتها الاقتصادية، من خلال إصدار قانون تحصين التعاقدات الحكومية الصادر عام 2014 بعد نحو 9 سنوات من الطعن فيه.
وينص القانون الذي صدر خلال المرحلة الانتقالية بعد الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور، على قصر حق الطعن على العقود الحكومية على طرفي التعاقد فقط وأصحاب المصلحة المباشرة. ويحمي بالتالي العقود والاتفاقات التي أجرتها الحكومة خلال السنوات الماضية، كعقود بيع الشركات وخصخصة قطاعات اقتصادية من الطعن.
ومع بداية العام الجديد، أصدرت المحكمة الدستورية، أعلى سلطة قضائية في مصر، حكما قالت فيه إنها أقرت «مبدأً دستورياً بضرورة توافر حالة الضرورة الداعية لإصدار القرار بقانون رقم 32 لسنة 2014 بتنظيم إجراءات الطعن على عقود الدولة وتحديد المشرع أصحاب الصفة والمصلحة في الطعن عليها لا يخالف أحكام الدستور».