كيري وبرينان يدشنان العام الخامس من المأساة السورية

حجم الخط
1

ربط كثير من السوريين على صفحاتهم الفيسبوكية، بحق، بين تصريح وزير الخارجية الأمريكية جون كيري بصدد «التفاوض مع بشار الأسد» وضرب سرمين وبلدات أخرى في ريف إدلب، بعد أقل من يومين من التصريح المذكور، بمواد كيماوية. فهذه هي الاستجابة البديهية لهذا النظام لتصريح مماثل من الدولة التي تشكل بوصلته الوحيدة في كل مسالكه. صحيح أن صاحب القرار في دمشق اليوم هو إيران، لكن «تفاصيل» كقتل المدنيين بغاز الكلور تبقى من «أخلاقياته» وحده التي لا يشاركه فيها إلا نظام صدام حسين البائد أو القذافي الساقط أو نظام كوريا الشمالية الوراثي الصامد. من المستبعد ألا يعرف كيري ما الذي جلبه على مدنيي تلك البلدات، وأطفالها بخاصة، من إعدامٍ كيماوي بتصريحه المشؤوم.
ولكن ما الجديد في إعلان وزير الخارجية الأمريكي عن أنه «لا مفر، في نهاية المطاف، من التحدث إلى الأسد لوضع حد للحرب في سوريا»؟ ألم يجلب كيري الائتلاف المعارض، رغم أنف الأخير، إلى مونترو لتتحدث المعارضة إلى بشار الجعفري ورهطه من بذاءات النظام الكيماوي ومسوخه من أمثال بثينة شعبان ولونا الشبل؟ ألم يُصغِ كيري نفسه، صاغراً، إلى وليد المعلم وهو يتهم الولايات المتحدة، ودولاً أخرى، بدعم الإرهاب، في حين كان بان كي مون «القلق» يفشل في إخراسه، المرة تلو الأخرى، على رغم تجاوزه للوقت المخصص له ولكل لياقات الكلام الدبلوماسي؟
فقد أجمعت كل دول ما يسمى بأصدقاء الشعب السوري على أن لا حل للأزمة السورية إلا الحل السياسي. وهذا يعني التفاوض مع نظام الأسد للوصول إلى «نقل السلطة إلى هيئة حكم انتقالية» وفقاً لنص بيان جنيف1. وتراوحت التفسيرات بين طرفي النزاع الدوليين (أمريكا وروسيا) بين انتقال بدون الأسد أو مع بقائه، وإن كان التفسير الروسي هذا غير مفهوم إلا بكونه لغماً ينسف جوهر فكرة هيئة الحكم الانتقالية.
أما ما يقال عن أن تصريح كيري حول التفاوض «الاضطراري» مع الأسد، يشير إلى تراجع أمريكي عن سحب الشرعية منه، فهذا ما تم سابقاً حين جعلت منه الإدارة الأمريكية طرفاً في عملية نزع سلاحه الكيماوي، بعد تراجعها عن توجيه ضربة عقابية له على استخدامه هذا السلاح في ضرب الغوطتين حول دمشق. قد يعني التحول الجديد، إن كان ثمة تحول في الموقف الأمريكي، إدراج بطل البراميل المتفجرة شريكاً غير معلن في محاربة داعش. هذا ما نفهمه بوضوح أكبر من كلام مدير وكالة المخابرات المركزية جون برينان أمام الكونغرس بصدد «عدم إرادة واشنطن في انهيار النظام السوري».
أثار تصريح جون كيري ردود فعل سريعة من فرنسا وبريطانيا أكدت على أن «الأسد لن يكون جزءاً من الحل، ولا مكان له في مستقبل سوريا»، الأمر الذي أكدته أيضاً الخارجية الأمريكية في «توضيحها» لسوء الفهم الناجم عن تصريح الوزير كيري. لكن الرد الأكثر بلاغة إنما جاء من سفاح دمشق نفسه الذي رد على كيري بالنبرة الأمريكية المألوفة: «نريد أفعالاً لا أقوالاً!»، ليطالب محاوره الأمريكي بوقف دعم الإرهابيين أولاً! وليضرب، في اليوم نفسه، سرمين وقميناس بغاز الكلور تعزيزاً لموقفه. ولسان حاله يقول لكيري ولقائده «من الخلف» باراك أوباما: فاوضوني وطائراتي تقتل المدنيين. عليكم بقبولي كما أنا شريكاً في محاربة الإرهاب الذي أحدده أنا، فنتقاسم العمل: طائراتكم تضرب داعش وطائراتي تضرب المدنيين الإرهابيين. لا خيار أمامكم إلا القبول بي، تماماً كما أكد مدير استخباراتكم جون برينان.
ترتسم سياسة أوباما تجاه المشكلة السورية بهذا الوضوح: الأولوية للقضاء على داعش، وهذا ما يتطلب ما بين خمس إلى عشر سنوات، يبقى فيها نظام الأسد شريكاً في هذه الحرب، في الوقت الذي يتم فيه تدريب «المعارضة المعتدلة» خلال ثلاث سنوات، ليس بهدف إسقاط النظام الكيماوي، بل للمساعدة على محاربة داعش و… الوصول إلى حل سياسي!
غير أن هذه «السياسة» السورية لأوباما ليست سوى تمرير للوقت بانتظار الجائزة الكبرى التي يحلم بها سيد البيت الأبيض من ولي الفقيه، وتتمثل في إبرام أي اتفاق حول المشروع النووي الإيراني يتوج به عهده الممتد على ثماني سنوات، حتى لو كان ثمن ذلك تسليم المشرق العربي بكامله للطموحات الامبراطورية الإيرانية التي عبر عنها بصراحة مستشار الرئيس روحاني نسيمي. والبداية من العراق حيث تشرف إيران مباشرة على «تحرير» القسم الشرقي المتاخم لحدودها من دولة البغدادي، مع إفلات ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية على معاقل المظلومية السنية لتعيث فيها تنكيلاً بالسكان وتطهيراً مذهبياً، بما يؤدي إلى تقوية المناخ الداعشي بدلاً من إضعافه.
وإذا كان المكون العربي السني في العراق واجهة المظلومية السنية التي تزداد عمقاً، فهذه لا تقتصر عليهم بل تمتد إلى مجمل «العالم السني العربي» دولاً وسكاناً، وبخاصة دول الخليج العربية التي يزداد قلقها من السياسة الأمريكية المحابية لإيران، ولا تملك إزاءها أي سياسة متماسكة. فهي لم تجد التوازن المطلوب بين مخاوفها من الخطرين الإيراني والإسلامي الجهادي. وحتى لو حصلت على هذا التوازن، فهي تبقى سياسة قائمة على المخاوف وردات الفعل، أكثر من كونها سياسة فاعلة مبادرة تقدم بدائل وتنتج حلولاً للمشكلات الكبرى التي تعصف بالعالم العربي.
لنعد الآن إلى تصريح كيري المشؤوم ونحاول قراءته بطريقة أخرى: لو كان أوباما جاداً حين طلب من بشار التنحي، بقدر جديته في الطلب نفسه من حسني مبارك، لكان وفر على سوريا كل هذا الخراب والدم. هذه هي الطريقة الوحيدة في الكلام التي يفهمها نظام من نوع نظام الأسد. بهذا المعنى الإيجابي «للتفاوض مع الأسد» يمكن القول إن تصريح كيري تأخر نحو أربع سنوات وفقد كل معنى.

٭ كاتب سوري

بكر صدقي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    لا يوجد أصدقاء للشعب السوري من الحكومات العربية أو الدولية
    أستثني قطر وتركيا فقط
    ويا الله ما لنا غيرك يا الله

    ولا حول ولا قوة الا بالله

إشترك في قائمتنا البريدية