إسطنبول – “القدس العربي”:
قبل يومين أعلن تحالف المعارضة التركية الذي بات يطلق عليه “تحالف الطاولة السداسية” وهو تجمع موسع لأحزاب المعارضة الأساسية المنضوية تحت لواء “تحالف الأمة”، عن برنامجه السياسي المشترك لخوض الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة رسمياً في الثامن عشر من يونيو/حزيران المقبل والمتوقع إجراؤها بشكل مبكر في الرابع عشر من مايو/أيار المقبل.
وتضمن الإعلان المشترك 9 عناوين أساسية و٥٧ عنواناً فرعياً وبإجمالي ٢٣٠٠ وعد انتخابي شملت ملفات سياسية واقتصادية واجتماعية ووعودا كبرى فتحت الباب واسعاً أمام النقاش حول ما إن كان برنامج المعارضة التركية ووعدها يستند إلى أمور ممكنة أو يستحيل تطبيقها وما إن كانت هذه الوعود تراعي الواقعية السياسية أم أنها مجرد وعود انتخابية “ثورية” لكسب أصوات الناقمين على حكم حزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب أردوغان وهي الوعود التي اعتبرت بمثابة “نزعة انتقامية”.
وعلى الرغم من إعلان نص البرنامج الانتخابي والوعود السياسية المشتركة إلا أن تحالف المعارضة التركية لم ينجح بعد في التوافق على مرشح موحد لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة بشكل مشترك وسط أنباء عن خلافات حادة بين الأحزاب التي وعدت بالإعلان عن المرشح في الثالث عشر من الشهر الجاري، وسط شكوك حول قدرة هذه الأحزاب على التوافق بالفعل على مرشح واحد.
وتصدر وعد المعارضة إعادة البلاد إلى النظام البرلماني بعدما نجح أردوغان في تحويله إلى نظام رئاسي، وهو طرح يتعلق بدرجة أساسية بمدى قدرة المعارضة على حصد أغلبية مطلقة في البرلمان التركي المقبل كما أنه يواجه تحديات دستورية كثيرة وشكوكا في سهولة تطبيق هذا الأمر الذي يجمع قانونيون وسياسيون على أنه سوف يستنزف إمكانية الدولة ويحتاج إلى سنوات طويلة من العمل.
كما وعدت المعارضة بنقل مقر الحكم من القصر الرئاسي الذي بناه أردوغان في وسط أنقرة إلى مقر الحكم التاريخي في قصر تشان قايا بالعاصمة أيضاً، وهي خطوة وصفت بأنها تحمل دلالات رمزية كون أردوغان اتهم سابقاً ببناء القصر الرئاسي لتفادي العمل من القصر الذي مارس منه مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك مهامه. إلى جانب ذلك تعهدت المعارضة بإلغاء مشروع قناة إسطنبول وهو تعهد لا يعرف مدى واقعيته في ظل إقراره من قبل وزارات حكومية ودخول مستثمرين في المشروع.
كما تضمنت الوعود فتح القصور الرئاسية أمام المواطنين وعدم استخدامها من قبل الرئيس المقبل، كما وعدت بتقليص عدد الطائرات الرئاسية وبيع جزء منها وإعادة أموالها لخزينة الدولة، حيث اتهمت المعارضة سابقاً أردوغان بامتلاك أسطول كبير من الطائرات الرئاسية “الزائدة عن الحاجة” واتهمته بعدم الاكتراث بالظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المواطنون، وهي خطوة تحمل رسائل حساسة للناخبين في ظل الظروف الاقتصادية الاستثنائية التي تمر بها البلاد.
وفي ملف اللاجئين السوريين، يتصدر الوعد الأكبر المتمثل في العمل على إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم في أقرب فرصة وهو وعد حساس جداً ويخاطب عواطف شريحة واسعة من الناخبين الأتراك الراغبين بالفعل في إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم لكن على الواقع يبدو الأمر معقداً للغاية لأن جزءا مهما من اللاجئين السوريين بات يحمل الجنسية التركية بالفعل كما أن الجزء الأكبر يحمل بطاقة الحماية المؤقتة المرتبطة بقوانين الأمم المتحدة والاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي وهو ما يعني أن أي خطوة من هذا القبيل يمكن أن تضع الحكومة الجديدة في حرج واسع مع المجتمع الدولي والحلفاء الغربيين.
يضاف إلى ذلك، وعد المعارضة بالعودة إلى اتفاقية إسطنبول التي تهدف إلى تعزيز حماية المرأة والتي انسحب منها أردوغان مؤخراً، حيث تعتبر الاتفاقية جدلية في المجتمع التركي بين مؤيدين لها لتعزيز حماية وحقوق المرأة وبين معارضين يعتبرونها تتعارض مع الدين الإسلامي.
وركزت وعود المعارضة أيضاً على ملفات تعزيز استقلال القضاء والنزاهة ووعدت بمحاكمة من قالت إنهم كبار المسؤولين المتورطين في قضايا فساد مالي وإداري، وهي تهديدات يكررها زعيم المعارضة كمال كليتشدار أوغلو بشكل متكرر في الآونة الأخيرة، كما وعدت المعارضة بإغلاق الصندوق السيادي التركي الذي جرى تأسيسه وفق النظام الرئاسي قبل عدة سنوات.
ووصف حزب العدالة والتنمية الحاكم برنامج المعارضة بأنه قائم على وعود بالإغلاق والمنع والحظر دون أي برنامج سياسي حقيقي للارتقاء في البلاد على حد وصف عدد من كبار المسؤولين بالحزب الذين سخروا من عدم قدرة هذه الأحزاب على التوافق على مرشح رئاسي حتى الآن، مشككين بقدرتها على التوافق على المرشح أو برنامج واسع يحتاج إلى أغلبية برلمانية وحصد مقعد الرئاسة وهو ما يقول الحزب إنه لن يحصل.
وفي ظل تجاذبات الموالاة والمعارضة حول حظوظ كل تحالف بالفوز في الانتخابات المقبلة، يبدو من المبكر التكهن بنتائج الانتخابات قبيل تحديد موعدها النهائي والإعلان عن اسم مرشح المعارضة والأحزاب التي سوف تدعمه بشكل كامل وهي معطيات حاسمة لفهم تركيبة الانتخابات المقبلة وبالتالي حظوظ كل طرف من الأطراف التي تستعد لما توصف بأنها أهم انتخابات في تاريخ البلاد الحديث.