العميلات المزدوجات

انتهيت في المقال الماضي لعدد من الأسئلة تحديداً حول معضلة نموذج ياسمين عز، سواء أكانت أنثى بعقل ذكوري أم مأجورة، كما يدعي كثيرون، ومجندة لخلق لغط في القناة كردّ فعل تجاه مذيعة أخرى لتحقيق مشاهدات أعلى، حيث تدور الأسئلة حول أن كيف يجب أن ننظر لامرأة مثل عز؟ كيف نتعامل مع حقيقة أنها تعيش بنَفَس وعقل ذكوريين؟ هل نحتويها؟ هل نلفظها؟ هل نعتبرها مشاركة في الجريمة تستحق الهجوم والمعاقبة كما هو مبين من رد الفعل السائد، أم نعتبرها ضحية يجب أن نحاول إنقاذها؟
لو سلمنا أن ياسمين عز تحمل قناعات ذكورية خالصة، فهي ليست خارج طابور طويل وغليظ من النساء اللواتي يؤمن بتدني جنسهن في الواقع، والمقتنعات تماماً بكل التنميط المتهمة به أنوثتهن، وبالتالي بكل التبعات العنيفة لهذا التنميط. من منا لم تسمع من البعض من بنات جنسها أننا نحن النساء عاطفيات ولا نحكِّم عقولنا، أننا نعشق التسوق ولا هم لنا سوى صرف أموال الرجال، أننا مصدر الإغراء ومؤثرات الزلل، حتى أن لغتنا الأنثوية التي نتداولها بيننها دوماً ما كانت مليئة بجمل مثل: فلانة سرقت فلاناً من زوجته، فلانة عنيدة طويلة اللسان وتستحق الضرب، فلانة جريئة و»مائعة ومالهاش كبير» حيث الكبير دائماً هو ذكر العائلة الذي يفترض به أن يحكم نساءها. ليست عز فعلياً بمعزل عن مجتمع ضخم مريض من النساء اللواتي برمجهن المجتمع ليعتقد بتدني أنفسهن وجنسهن، وبأنهن يحتجن المراقبة ويستدعين العقوبة، بأنهن خلقن سنداً مثل الحصى الصغير الذي يستند إليه الزير الكبير ليعتدل ويظهر. من هؤلاء النساء من يؤمنّ بالمنظومة تماماً ويعتقدن أن دخول الجنة في الانصياع لها، ومنهن من ترضخ لفكرة «إذا لم تستطع هزيمتهم فانضم إليهم» لتحاول تحقيق شيء من النجاح والمحافظة على شيء من المصلحة من خلال مراوغة هذا النظام والعمل تحت مظلته، ومنهن من «تعافر» مع المنظومة نفسياً فتنصاع لتنجو، ومنهن من تقاوم بين الفترة والأخرى فترتسم المقاومة احمراراً على شفتيها أو اسوداداً حول عينيها أو زرقة متفرقة على أنحاء جسدها. كيف يمكن لنا أن نقسو على هؤلاء النساء المعذبات؟
ولو أن ياسمن عز مأجورة لتحصد المشاهدات، لتصنع ضجة في القناة وتنعش المؤسسة التي تعمل بها، أليست هذه منظومة اقتصادية ذكورية هي منصاعة ومستعبدة منها؟ أليست هي هنا مجرد أداة جميلة الشكل يستخدمها الأقوياء لصنع المال؟ أليست هذه إحدى أقدم وسائل استخدام واستعباد المرأة؟ وألا تعتبر ياسمين عز هنا ضحية كذلك؟
أتصور أن كل أنثى منا ستميل لاحتواء ياسمين عز، لاعتبارها ضحية ولمحاولة انتشالها من النظام الذي نراه أمام أعيننا يأكل عقلها وكرامتها مستخدماً إياها كسلاح ضد نفسها، ذلك أننا جميعاً كنساء شهدنا أنماطاً مماثلة من النساء المغرر بهن، سواء بالبرمجة أو التهديد أو الإغراء المادي، ليس فقط للانصياع بل وللانقلاب على أنفسهن، للتحول إلى عميلات مزدوجات، يعتقدن ويؤكدن أنهن يعملن من أجل مصلحة النساء، في حين أنهن يخدمن مصالح المنظمات الذكورية البحتة.
ولكن، ورغم كل ما أحكي عنه حول التعاضد، لا بد أن هناك حالات لا رجاء منها فكرياً، حالات تخطت نقطة اللاعودة وأخلصت في خدمة الفكر الذكوري الذي يعذب ويهين ويقتل النساء حد الخروج النفسي التام من العقلية والفكرة والشعور الأنثويين، حد التصلد التام تجاه عذابات بنات جنسهن، فما هو الموقف من هؤلاء؟ هل نقذف بهن في فم الأسد؟ هل نتركهن ملقيات على أرض معركة الحياة؟ هل نعاديهن ونحن نراهن يحتقرن أنفسهن ويكرهن جنسهن ويمعن في إيذاء أجسادهن وأرواحهن؟ هل نعتبرهن الآن في مخيم العدو تماماً؟ عسيرة جداً هي الفكرة ومضطربة أخلاقياً ومقلقة نفسياً ومعذبة ضميرياً، حتى إنني دخولاً في المقال الثالث غير قادرة بعد على حسم رأي فيها، ذلك أنه رغم كل الغضب تجاه هذه النوعية من النساء، ألا يبدو التخلي أكثر قسوة من كل ما ارتكبن وقد يرتكبن؟ حقيقة، لست أدري، وأنتظر رأي القارئات، وربما القراء كذلك.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سيف كرار... السودان:

    يادكتوره ابتهال، الشابه ياسمين عز هي إحدي حوريات النيل أو بنت النيل، مهد الحضارات، فهي مثلنا يجمعنا حوض النيل، لها رساله اجتماعيه كبري، هي خدمة المؤسسات التي يتكون منها المجتمع في الميديا…

  2. يقول إبن آكسيل:

    ” وأنتظر رأي القارئات، وربما القراء كذلك.” ؟؟؟؟ حديث العهد نسبيا بتعليقات قراء جريدة القدس و معجب بل مبهور بحكمة الدكتورة إبتهال الخطيب أتعجب من هاته الجملة الأخيرة في المقال . و هل تنتظرين ردا واحدا مقنعا ….؟ لا أظن …..

  3. يقول Mina:

    …سأظيف فكرة أؤمن بها : المرأة المبرمجة بالفكر الذكوري(الديني المتشدد) التي تجد الاسباب المقنعة لدونيتها هي من اخطر عوامل تدمير الأسرة والمجتمع ( أخطر من الرجل السلطوي حتى) لأنها تحاول أن تجد تبرير لشخصيتها السكيزوفرينية المريضة بتعميم ماهي مقتنعة به على كل بنات جلدها، تكره الحرية لأنها تكشف كل عيوبها، تربي اجيال مهزوزة غير متكافئة ينخرها التسلط الكره والحقد وكل العلل النفسية (رغم ما تظهره من عكس ذلك)،بعيدة كل البعد عن كل عوامل التقدم…والمثال الأبرز حال كل الدول المسلمة…لتقدم مجتمعنا يجب محاربة اشكال هذه المذيعة فكريا…بالتنوير
    امرأة مثقفة واعية حرة مساوية للرجل يعني اجيال متزنة فكريا يعني تقدم وازدهار

    1. يقول القارئ:

      أحسنت !!؟

  4. يقول سلام عادل_المانيا:

    مرة اخرى وباختصار في اي مجتمع فيه تعدد زوجات تكون المراة فيه بصراع مع بنات جنسها من اجل كسب الرجل الذي تنفرد به هي وحدها لتكون الاحسن والافضل

    1. يقول الكروي داود النرويج:

      صدقت يا زميلي العزيز سلام !
      وعند الكروي الخبر اليقين !!
      ولا حول ولا قوة الا بالله

  5. يقول ربى:

    انا لا اناقش ياسمين عز ولا الكاتبه..ولكني اؤكد على شيء انا الانثى لم تعد انثى واصبحت المرأة بشكل عام تاخد مهام الرجل وهنا فقدان الانوثه بالمعنى الحقيقي..وقد نستغرب الكاتبه بانني لست من انصار المرأة العاملة فلقد خسرت جزءا كبيرا من الانوثة التي بداخلي..ومن الممكن ان المذيعة تطرح هدا الجانب ولكن بشكل ملفت بعلاقتها بالرجل والحقيقة اننا خسرنا جزءا كبيرا من الانوثة بسبب العمل و الخروج اليومي من المنزل والقروض وووو..وهدا انعكس على علاقتنا بالاهل و الرجل وتربية الاولاد..ومن هنا انا لا اخدم الكور..وانما التأكيد على ان الانثى لم تعد كما المفروض

  6. يقول انتصار:

    الموضوع ابسط من هيك مابدو شرح… على قولة احمد بحيري عصفورة لكل مواطن
    إلهاء للمصريين عن اللي بصير بالدولة

  7. يقول مصطفى أحمد:

    الفطرة تقتضي ريادة الرجل كما في مملكة الحيوان التى نحن جزءا منها..

  8. يقول فؤاد السعيد:

    أستاذتي الكريمة صاحبة المقال،

    أولاً إن ياسمين تقوم بتسويق رأيها الذي يتعارض ويتناقض بشكل صارخ مع مظهرها وطبيعة عملها.
    ذلك أن ذلك النوع من الرجال الذي تدافع عنه في برنامجها لا يحبون المرأة القيادية والمتحررة حتى لو كان التحرر فقط يقتصر على المظهر.
    ياسمين عز لا تمثل تلك المرأة الخانعة التي تتحدث عنها فكيف سيكون لكلامها مصداقية؟؟

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية