عشية المؤتمر الاقتصادي، تحديدا في الثاني عشر من مارس، أجرت ليلي ويموث من جريدة «الواشنطن بوست» حواراً مع الرئيس السيسي في القصر الجمهوري بناءً على طلبه كما ذكرت؛ فيه تناول السيسي ما وُصف بالعلاقة المعقدة مع الولايات المتحدة، التي يرى أنها أدارت ظهرها لمصر، وقد أكد فيه على خطورة الإرهاب الذي يجتاح المنطقة ويوشك أن يفتت أوصالها، فهاجم «داعش» والإخوان وسائر قوى التطرف، كما سماها، مؤكداً على أن ذلك لا يشكل خطورةً على مصر وحدها، وإنما على مصالح دول المنطقة، بما قد يمتد لأوروبا وإسرائيل، التي خصها بالذكر.
اللافت أنه ذكر الأخيرة أكثر من مرةٍ بصيغٍ لا تخلو من الود، حيث أقر بأن الانتشار العسكري المصري في القطاعين الأوسطين من سيناء تم بالاتفاق معها، نظراً للتفاهم والثقة المتبادلة، كما اعترف بأنه يخابر نتنياهو كثيراً، وأنه يتعين علينا أن نتفهم مخاوف إسرائيل في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني. لقد تناولا موضوعاتٍ شتى وعرجا على قضية المعتقلين من الناشطين وحق التظاهر، حيث عمد إلى محاولة تلميع صورة النظام والتقليل من حجم الخروقات، إلا أنه ليس من قبيل المبالغة أن نقرر أن الدافع وراء الحوار ومغزاه، لم يعد حث أمريكا ومن يقف خلفها من الدول على الالتفات لنظام السيسي، لتفهم ظرفه ومأزقه الوجودي الصعب والاقتناع بجديته، وأنه يمكن الاعتماد عليه.
بدا السيسي حريصاً على تبديد سوء التفاهم ذاك بينه وبين أمريكا، وحملها على الاعتراف بنظامه والثقة بأنه ليس ولداً مشاغباً، فهو يعرف حدوده جيداً ولن يتخطى الخطوط الحمراء، بدليل تلك العلاقة الحميمة مع إسرائيل، وعليه فلا بد من دعمه واستمرار تدفق الاسلحة عليه، بما يصب في مصلحة أمريكا وإسرائيل.. «أم أن أمريكا تريد أن تصير مصر دولةً فاشلة؟» كما تساءل، مستنكراً بالطبع. بيد أن اللافت أكثر من ذلك استخدامه لكلمة الانهيار أكثر من مرة (والعهدة على السيدة ويموث) الأمر الذي لم يفت عليها، إذ وجهت له سؤالاً عما إذا كان هناك ما يقلقه فأجاب صراحةً: أن تنهار مصر.
على الرغم من كون ذلك الحوار، بأسلوبه ومضمونه ومغزى كون السيسي هو من دعا إليه، يبدد تلك الصورة عن القائد المناضل الأشوس الذي يناطح أمريكا ولا يهابها، التي يحلو لمواطنينا، بسطاءً ومتعلمين، أن يصدقوها ويروجها الإعلام، إلا أننا على خلفيته نستطيع أن نقرر بقدرٍ من الثقة أن المؤتمر الاقتصادي شكل نجاحاً، ربما يكون مبهراً للنظام وللسيسي تحديداً، فقد توافد رؤساء وممثلو كل الدول التي تهمه إلى شرم الشيخ، بما يشكل اعترافاً صريحاً بنظامه وقناعةً وقراراً سياسياً من قبل تلك الدول بلا جدوى إنكار حضوره واحتمالات استمراره، ناهيك عن خفوت الأصوات التي ما تزال «تثرثر» عن الشرعية والحكم الانقلابي الخ. ولا يفوتنا ما للمكان من رمزية، إذ أنه يود أن يبرهن للعالم أجمع سيطرة النظام الأمنية على سيناء، التي تصور البعض أنها باتت مستعصيةً على ذلك وأنها صارت مرتعاً للإرهابيين خارجةً عن سلطة النظام الفعلية. كما أن تنظيم المؤتمر وإخراجه في حضور الأعداد الغفيرة التي تقاطرت عليه كان مبهراً بشهادة الكل تقريباً، وتناقلت الأخبار وعوداً بمئات المليارات من الدولارات في صورة صفقاتٍ واستثماراتٍ ستهطل على البلد المتعطش للتمويل والعملة الصعبة. أما «الكلمات» التي تلعثم بها بعض قادة الخليج والتي تشبه مواضيع الإنشاء التي يكتبها تلاميذ الصفوف الابتدائية في مدح مصر وتعديد مناقب «أرض الكنانة» فليس لها محل من التحليل في أرض السياسة، على الرغم مما قد يكون من صدق نواياها.
ليس من عجبٍ إذن تلك الحالة العارمة من النشوة والتفاؤل التي اعترت الجمهور الأوسع، فشملت البسطاء والمتعلمين على اختلاف حظوظهم من المعرفة والتحصيل العلمي. من المؤكد لأي مراقبٍ أن الناس إجمالاً مرهقة بشدة، وقد نال منها الإعياء، سئموا عدم الاستقرار وتوقف الحال وانقطاع الأرزاق، كما سئموا أي تنظيرٍ عن الأسباب بما يصحبها من تراشق بين الفرقاء السياسيين.. وسئموا وكرهوا هؤلاء بأشخاصهم ومناظرهم. الجمهور الأوسع يتوق للاستقرار والرخاء، ذلك السراب الذي مازلوا يوعدون به من عهدٍ لآخر ولا يحصلونه أبداً، وهم يريدون أن يصدقوا، لذا فحين انهمرت الأخبار بأموال الصفقات شعروا كأن المال الوفير جرى في أيديهم، وحين رأوا مجسم «العاصمة الجديدة» كأنهم أبصروا تلك الحدائق وركضوا فيها وشموا نسيمها.
ولكن.. ولكن…
كل تلك الزفة وذلك الضجيج والأنوار اللامعة لا تجيب على أسئلةٍ محورية ولا ينبغي أن تجعلنا نغض الطرف عنها، ومن اللافت في هذا السياق أن بعضاً من الكتاب الذين تحمسوا للسيسي عن صدق بدأوا يعبرون عن قلقهم وتململهم من الشيطان الرابض في تفاصيل وثنايا تلك «الفتوحات» الاقتصادية. بدايةً، من الملاحظ استئثار قطاع الإعمار بنصيب الأسد من الصفقات، واستئثار شركات ورؤوس أموال غير مصرية بها، وجلها ذات مردود سريع قصير الأمد، إلا في ما يتعلق بالقطاع الخدمي لاحقاً، ولعل العاصمة الجديدة هي المثال الأفقع، إذ كل التفاصيل المتعلقة بها تثير التساؤل والعجب، ولنكن صريحين الاستنكار. بأي حقٍ يتم إسناد مشروع بهذه التكلفة وبالضخامة التي يزعمون بالأمر المباشر، ولشركة غير مصرية؟ ولمن تبنى هذه المدينة التي ستحوي أكبر حديقة في العالم ومطاراً أكبر من هيثرو؟ ثم وهو الأهم، ماذا سيحدث للعاصمة القديمة التي عرفنا بمشاكلها المزمنة وبلاويها التي كالتلال؟ وماذا سيحدث في سائر المحافظات بمشاكلها العالقة هي الأخرى؟ أليس ذلك النمط من الاستثمار مطابق لما كان يحدث أيام مبارك بانحيازاته النيوليبرالية، التي أدت إلى الإفقار والتفاوتات البشعة بين قلة من الأثرياء ثراءً فاحشاً، وسواد المعدمين بدرجات متفاوتة، بما ترتب على ذلك من تفسخ مجتمعي؟ ألم يفضِ هذا النهج الاقتصادي بما صاحبه من فساد سياسي في نهاية المطاف لاندلاع الثورة؟ المزعج أن كل ذلك يأتي بعد حزمة من القوانين لتحفيز الاستثمار، اتخذها السيسي مخولاً بسلطاته في غياب مجلس شعب، التي تؤدي فعلياً لتحصين العقود المبرمة مع تلك الشركات وما يلحق بها من بيع أصولٍ وأراضٍ، الأمر الذي يحرم المواطن والدولة من إمكانية الطعن القضائي الذي أنقذ ونقض عقود بيع بعض شركات القطاع العام التي بيعت بخساً من قبل.
في زمنٍ مضى، اتجه عبد الناصر إلى إنشاء مصانع قامت بدور روافع اقتصادية من ناحية وتم توزيعها على محافظاتٍ شتى، كمجمع الألمونيوم مثلاً، بما يؤدي إلى تنمية اجتماعية – اقتصادية، وليس مجرد نمو.
وصفه بعض الكتاب الخليجيون بـ»مشروع مارشال» مصري، ولا يغيب مدى ما تتوقع رؤوس أموال خليجية جنيه من أرباح، خاصةً في ضوء صفقاتٍ تبرم بالأمر المباشر، إلا أن المشكوك فيه هو مدى الفائدة التي ستعود على المواطن الذي نزل إلى الشارع احتجاجاً على انحيازات مبارك، فها هي تعود أكثر شراسةً ومحصنةً بقوانين.
في يقيني أنها قفزة، بل قفزات أخرى للأمام من السيسي حيال الوضع البائس الذي صارت مصر إليه عبر سني مبارك العجاف، ومحاولة لخلق أوراق قوة فقدتها على زمنه النحس، فهو يغرق الواقع الرث بالأحلام… جهاز كفتة يداوي أوجاع الناس وقناة سويس ورخاء قادم وعاصمة جديدة في أقل من عشر سنوات، أنظروا، ها هي في المجسم بناطحات سحابها، حتى ملعب كرة القدم لم ننسه.
لا شك أن المؤتمر نجح سياسياً وعزز موقع النظام وخلق انطباعاً إيجابياً عن مدى استقرار مصر، وهي كلها أمورٌ جيدة ويمكن نظرياً توظيفها لمصلحة البلد.. أما الجدوى الاقتصادية فأمرٌ آخر.. كما كتبت سابقاً، كثيرةٌ هي الجعجة، ولكنني آليت على نفسي (مع كامل تمنياتي الصادقة بالتوفيق) أنني لن أصفق وأترك الحماس يجرفني حتى أرى الطحن…وبصيغةٍ أبسط: سنرى…
٭ كاتب مصري
د. يحيى مصطفى كامل
أتمنى أن لا نسمع جعجعة ولا نرى طحينا يا دكتور يحيي
وأتمنى أن يعود العسكر لثكناته ويترك السياسة والرئاسة
وأتمنى فك أسر الرئيس الشرعي د.مرسي بأسرع وقت
ولا حول ولا قوة الا بالله
* من الآخر : مؤتمر ( شرم الشيخ ) نجح سياسيا و ( اقتصاديا )
وحصلت ( مصر ) على أكثر مماّ توقعت بكثير .
** الآن : الكرة بملعب ( الحكومة والشعب المصري ) .
*** من البديهي : أنّ نتائج ( الإستثمارات ) لن تظهر خلال يوم وليلة
ولكن المفروض بعد سنة أو سنتين تبدأ بالظهور ويبدأ ( الحكم )
عليها ( سلبا أو ايجابا) .
شكرا .