مبدأ تضارب المصالح هو جزء لا يتجزأ من الفكر الديمقراطي الحديث. بالنسبة للويس الرابع عشر، كان مفهوماً من تلقاء ذاته أن “الدولة هي أنا”. وقد اعتبر هذا القول ذروة غرور الزعيم الذي جاء أغلب الظن من مكان من شخّص نفسه تماماً مع بلاده وعلى أي حال لا يمكنه أن يضرها، لأن أي ضرر يلحق بدولته هو ضرر له ذاته. غير أن هذا التماثل يشكل خطراً حقيقياً على الدولة، لأنه يجعل صاحب القرار يصدق بأنه حين يحسن لنفسه فهو يحسن للعموم أيضاً، بينما في معظم الحالات العكس هو الصحيح.
يقنع رؤساء منظومات عديدة أنفسهم بأنه حتى في الأوضاع التي لا يكونون فيها في أفضل حالهم، فإنهم أفضل بكثير من كل من يحيطون بهم كبدائل، ويميلون للتصديق بأنه إذا ما انتقلت المنظومة إلى أياد أخرى فإنها ستنهار. وهكذا يلحقون ضرراً جسيماً بالمنظومة في حالات عديدة. الناس الذين يحيطون بهم يكثرون من التأثر من الذاكرة التي لا تخون ظاهراً بـ “الرئيس” أو “الرئيسة”، بحدة اللسان بالاطلاع، ظاهراً، وبالتجديدات التكنولوجية ويحيطونه بشكل مصطنع، وبإحساس الزعامة بأن عليه أن يبقى في المكان الذي هو فيه.
أما مبدأ تضارب المصالح فجاء ليقول للزعيم إنه ليس دولة، وإن له أحياناً مصالح تتعارض مع مصلحة العموم التي تمنعه من العناية بها. بشكل عام، يدور الحديث عن أمور محددة جداً، تكون معالجتها كفيلة بأن تحقق له مزايا مهمة جداً. مثلاً، إذا كان قرار اقتصادي معين كفيل برفع قيمة أملاكه، فثمة تضارب مصالح ينشأ بين صلاحياته ومصلحة العموم، وعليه أن يبلغ بذلك ويمتنع عن التدخل في اتخاذه.
عندما يتعلق تضارب المصالح هذا بمواضيع كثيرة جداً، أو عندما يكون تضارب هذه المصالح مؤقتاً، ومع ذلك لا يوجد إنسان ذو صلة بالأمر مستعد للاستقبال، حينئذ تتاح فترة انعدام أهلية تنبع من أسباب صحية تمنع صاحب القرار من تأدية مهامه كما ينبغي أو لأسباب أخرى.
عندما يصبح من هو في ذروة إجراء قضائي طويل بريئاً ثم يجد نفسه في السجن، يعين في أثناء هذه الفترة وزير عدل ينفذ كلمته كي يعالج جهاز القضاء وصلاحيات المحكمة وصلاحيات المستشار القانوني (بما في ذلك خلق منصب جديد يكون فيه المدعي العام هو صاحب الإصلاحات لسحب ملفات في أثناء المحاكمة كي “يدرسها من جديد”) قبل أن ينشأ تضارب مصالح من أعلى الدرجات. هذا هو التناقض الذي بين إرادة الزعيم للدفاع عن نفسه (حتى لو كان هو نفسه ينفي ذلك ويقنع نفسه بأن كل ما يفعله هو لصالح العموم) وبين مصلحة الدولة، التي تفترض الحاجة لحماية جهاز القضاء ومعالجة حذرة جداً للتغييرات التي تجرى فيه لأجل نجاعته والحفاظ على مكانته في إطار الديمقراطية. في هذا الإطار، المحكمة ليست نوعاً من العقل الاصطناعي القادر على تفسير القانون بأغلبية بالحد الأدنى من التفكر، وعليها أن تضمن إحقاق العدل في ظل هذا التفسير وتمنع قرارات وأفعالاً غير معقولة، لم يتوقعها المشرع عند التشريع في معظمها.
إن استقالة الزعيم الذي يعلق -في غير صالحه وغير إرادته بشكل عام أيضاً، في وضع من تضارب المصالح بحجم لا يمكن تحديده، تكون هي الفعل اللازم والصحيح. عندما ينفي الزعيم هذا الوضع أو يعتقد أنه في صالح المصلحة العامة وأن عليه أن يبقى في منصبه، فإن الإطار ذاته ملزم بخلق وضع يتوقف فيه “ولو مؤقتاً” عن اتخاذ القرارات ويخلي مكانه لشخص آخر حتى لو لم يكن مضطراً للتنازل عن لقبه. إن من أوقع علينا التسونامي القضائي لا يمكنه أن يقف للمحاكمة حتى لو انتخبه كثيرون، وإنه لا يحق له أن يمر في الضوء الأحمر.
بقلم: يوسي بيلين
إسرائيل اليوم 10/2/2023
هه يموت هذا الفاسد ولا يستقيل أبدا أبدا ?