قصص بطولية وأخرى مرعبة.. شهادات يرويها منقذون وناجون من الزلزال لـ”القدس العربي”- (صور)

هبة محمد
حجم الخط
2

دمشق- “القدس العربي”: ضاعت المعالم وغابت تفاصيل الحياة في مدن باتت من ركام، تلفّها تفاصيل العذاب بعد أسبوع على الزلزال المدمر الذي امتد إلى حارم وسلقين وبسنيا وجيندريس وأرمناز والأتارب وغيرها في ريفي إدلب وحلب شمال غربي سوريا. فلا ترى هناك سوى مجموعات من الرجال الشعث الغبر، يحفرون بما توفر لهم من أدوات متوسطة وبسيطة في معركة هي الأشد من نوعها مع ركام الأبنية المنهارة.

في هذه البقعة الجغرافية المنكوبة والمحاصرة تماما، يمكن أن تلمس المعجزات في حديث الطبيب المسعف دريد الرحمون من مديرية صحة إدلب، والذي يروي لـ”القدس العربي” عن أكثر المواقف حزنا وعجزا، فيقول: “أكثر ما أحزننا هي المواقف التي شهدناها أثناء المرور على المصابين، فأحد الأشخاص الذي نجا من الزلزال بعد أن قضت عائلته بالكامل في مدينة حارم بريف إدلب، أكثر ما كان يؤلمه أنه قد نجا”.

ويضيف: “هذا الرجل كان يحتضن طفلته الصغيرة طوال فترة بقائه تحت الأنقاض، وهي تضغط على يده مع صوت خافت من الأنين والألم، وهو يضغط على يدها إشعارا منه أنه بجانبها ويشعر بها، وبقيا تحت الأنقاض حتى قطعت طفلته النفس في آخر لحظات قبل إنقاذه”.

أما الفاجعة الأخرى، فكانت لطفل تشبث بالحياة وعمره لا يتجاوز 3 سنوات، في مدينة حارم، قضت عائلته كلها بينما نجا هو بأعجوبة. كان المؤلم في قصته، أنه قد أصيب بجروح شديدة نتيجة هرس بالأطراف، فالقرار الطبي كان ببتر الطرفين السفليين عند الطفل الذي سيواجه الحياة دون أم أو أب.

قصة محزنة أخرى لأحد الكوادر الطبية العاملة في ريف إدلب، بينما تسكن عائلته في أنطاكيا جنوب تركيا، خرج إليهم بعدما فقد الأمل بنجاتهم وقطعت الاتصالات، ولكن المفاجأة كانت أنه حين وصل إلى منزله المدمر، ومن هول الصدمة لم يسمع أصوات أطفاله رغم أنهم كانوا ينادونه، فقد وصلوا إلى طبقات عالية من الردم والركام، وهو يمر بجانبهم ذهابا وإيابا، ينادي عليهم دون أن يسمعهم من هول الفاجعة، حتى أوقفه شخص من المارة، وأشار إليه ونبهه إلى وجود أطفاله بمكان قريب، واستطاع فيما بعد إنقاذهم وهم على قيد الحياة.

القصص المؤلمة والخاصة بالكادر الطبي، وفق الطبيب، أن الكثير من الأطباء أثناء مناوباتهم في المستشفى فقدوا عائلاتهم، ومنهم من كان غير مناوب أصلا، لكنه جاء إلى عمله بديلا عن أحد الزملاء فنجى هو ومات أفراد عائلته.

وهناك ثمة قصص بطولية صنعها كل من المنقِذ والمنقَذ، يمكن سماعها في حديث سليمان لـ”القدس العربي” الذي يقيم في مدينة جنديرس بريف عفرين، حيث قال: “كل ما حدث كان يدعو للذهول، الزلزال وتوقيته الذي باغتنا بعد منتصف الليل، وبطبيعة الحال كان الجميع يغط في نوم عميق”.

ما إن انتهت الصدمة الأولى، وأدركت أنني أعيش كارثة طبيعية عبر زلزال يهز أركان الأرض من حولي، حتى بدأ الصراع الحقيقي مع الحياة، وفي غضون ثوان صرت أقفز بين أطفالي الثلاثة وزوجتي، كقطرة زيت فوق قدر يغلي”.

لقد كان الذهول أقوى من الإدراك، ونالت منا أكوام الطوب والخرسانة، وبقينا محاصرين نصارع الموت والبرد والظلام أكثر من 26 ساعة، سمعنا بعدها نداء يقول: “يا عالم يا ناس في حدا هون؟” ورغم عدم قدرتنا على الكلام لقلة الهواء وصعوبة التنفس، إلا أننا استجبنا أنا وزوجتي للنداء وساعدنا فريق الإنقاذ بالحفر بأصابعنا حتى وصلنا إلى ضفة النجاة.

ويقول الشاب إن معجزة نجاته مع عائلته بعد يوم تحت الردم والركام، نغصتها أخبار وفاة جيرانه وأصدقائه، حيث مكث الطفل يامن ابن جاره، بحضن جثة والده أكثر من 27 ساعة، تحت الأنقاض، ليخرج وحيدا من بين أفراد عائلته.

أطفال تشبثوا بالحياة مختبئين تحت جثث آبائهم

اثنان من أصدقاء الشاب الثلاثيني فارقا الحياة، أحدهم أبو يامن الذي مات إلى جانب أكثر من 13 شخصا من عائلته، بعد أن هوى بهم بناء طابقي وعجز رجال الدفاع المدني عن الوصول إليهم في زحمة الموت، بسبب انعدام المساعدات وقلة المعدات والكوادر المتخصصة في الميدان.

خرج الطفل يامن من تحت الركام لكنه فقد أمه وأباه وأخوته وجده وجدته وأعمامه، حيث دفنوا جنبا إلى جنب في مقبرة جماعية.

وانتشلت فرق الدفاع المدني السوري في هذه المنطقة المحاصرة شمال غربي سوريا، حتى الساعات الأخيرة أكثر من 2167 قتيلا، بينهم الكثير من النساء والأطفال. وكانت الحصيلة الأكبر في مدينة جنديرس المدمرة كليا، حيث وصلت فيها أعداد الضحايا لأكثر من 500، تليها مدينة حارم التي قضى فيها أكثر من 360 شخصا، ثم مدينة سلقين ثم بلدة أرمناز ثم مدينة الأتارب وبلدة عزمارين، وتنخفض الأعداد بشكل تدريجي في باقي المناطق المنكوبة بدءا من 56 وفاة وتنتهي بأقل الأرقام للوفيات عند عتبة 5 وفيات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول قلم حر في زمن مر:

    اللهم خفف عن إخوتنا في سوريا وتركيا هول ومصائب هذا الزلزال الكبير وكن لهم عونا وسندا يارب العالمين ??????

  2. يقول قلم حر في زمن مر:

    كان الله في عونهم جميعا يارب العالمين ?????

إشترك في قائمتنا البريدية