صدر كتاب «ومضات قصصية» للروائي والمترجم المصري عبدالسلام إبراهيم عن دائرة الثقافة في الشارقة عام 2021، وهو كتاب قصير -72 صفحة – عن فن الومضة القصصية وما يدور حولها، مع نماذج منها. يحتوي الكتاب على خمسة عناوين: مقدمة عن القصة الومضة من حيث التعريف والخصائص والإشكاليات، وحوار مع الأمريكية ليديا ديفيز، ومقالة لها عن بروست، بعنوان «هندسة الفكر»، ثم نماذج من القصة الومضة لكتاب عالميين، ونماذج لكتاب واعدين. وفي هذه المقالة سيقتصر الحديث عن القصة الومضة وما يتعلق بها في الكتاب، مع إيراد نماذج ممثلة لها من الإبداع العالمي.
القصة الومضة
يعتبر الكاتب في مقدمته أن فوز الأمريكية ليديا ديفيز بجائزة البوكر لعام 2013، باعتبارها كاتبة قصة قصيرة جدا في الدرجة الأولى، اعتراف بهذا الفن من مؤسسة مان بوكر المرموقة، وأنه لم يعد محل تشكيك، وهو نموذج لفنون الحداثة وفنون المستقبل، بما يتميز به من خصائص، وما يتطلبه من قدرات إبداعية عالية المستوى.
وأفاضت مقدمة الكتاب في الحديث عن القصة الومضة، والتنظير لها، ومما جاء فيها: أن للقصة الومضة تسميات كثيرة، منها: القصة القصيرة جدا، لوحات قصصية، ومضات قصصية، بورتريهات، مقاطع قصصية، القصة الخاطرة، الميكرو سرد، القصة التويترية، القصة المفاجئة، القصة المصغرة، القصة البريدية، وغيرها. وقد بدأ التأسيس لها اصطلاحيا من أوائل العقد الأخير من القرن العشرين، ولها جذور تعود إلى خرافات إيسوب وجولستان لسعدي شيرازي، ولها إرهاصات ظهرت في أعمال هنري وكافكا وهمنغواي. ويرى البعض أنها نتاج العولمة وإيقاع العصر.
ويرى الكاتب إن القصة الومضة هي قصة الحذف والتكثيف والاختزال والرمزية والإيحاء واللغة الشعرية، وهي فن سردي قائم بذاته. تتميز بقصرها الذي قد يكون جملة أو عبارة أو كلمة، وقد تصل إلى عدة فقرات. ومن مقوماتها: الشخصيات، والفضاء الموحي، والمنظور السردي، والبنية الرمزية. ومن أهم أركانها: القصصية، والجرأة، ووحدة الموضوع، ووحدة الفكر، وخصوصية اللغة، والمفارقة، والأنسنة، والسخرية. ويضيف أن القصة الومضة تعتمد على دقة المفردات، والبعد عن الحشو والاستطراد والوصف وتشابك الأحداث. وتوظف الجمل بصفتها ركائزها الأساسية لتحمل وظيفة سردية وحكائية، تتضافر مع الإيحاء الحركي والتوتر الناجم من الجمل الفعلية. توظف المجاز والرمز، وربما تتضمن رؤية ضبابية لإظهار الخطاب الضمني أو الإدهاش. ويتميز الإيقاع القصصي بحدة السرعة والإيجاز والاختصار، واللجوء إلى الحذف والإضمار. كما أنها تعتمد على حركتين رئيسيتين؛ هما الحركة الداخلية التي تؤطر العلاقات النفسية والانفعالية، والحركة الخارجية التي تُكوّن تقنيات القصة القصيرة جدا. تقوم طريقة الكتابة على التلميحات والاستناد إلى ما لم يكتب في النص. ولا تخلو القصة الومضة – حسب الكتاب – من اللوحات التشكيلية أو اللقطات التغريبية البريختية، تستفيد من المسرح ومن التراث والأساليب النمطية. وتقوم بتوصيل رسائل شيفرية مضمخة بالواقعية المتأزمة والتناقضات والتفاوت الطبقي. وهي نص مفتوح تفاعلي تأويلي، يحمل التناص والمضامين الثقافية. وترصد بمهارة شديدة حالات إنسانية شديدة الصدق. وتضع المتلقي على محك التفكير والتفنيد والمقارنة والتأويل والتخييل.
مع التقدير لجهد الباحث والمترجم، فإن تعريف القصة القصيرة جدا وأشكالها كالقصة الومضة، ما زال غير مستقر، ويتعرض لتجاذبات وإشكاليات لا حصر لها، وحتى إنكار لها وعدم اعتراف بها. ولكن ما يكاد يُتفق عليه أن القصة الومضة تتميز بالتكثيف والإيحاء والمفارقة، بالإضافة إلى القصر، ويشترط بعضهم أن لا تزيد عن سطر واحد، وتقرأ بسرعة. وقد تساهل الكاتب إذ أشار أنها قد تصل إلى عدة فقرات، وأكد ذلك بالأمثلة التي أوردها لاحقا.
حوار
في حوار معها أجراه مارك بودمان بعنوان «صياغة الأفكار»، تحدثت ليديا ديفيز عن القصة الومضة وعن الإبداع، ومما قالت: بأن سحر السرد يكمن في تكامل اللغة والشخصيات والحبكة. ومن الضرورة أن تكتب القصة الومضة بذهن صاف، وتتأثر بطريقة تفكير الكاتب وطريقة تأمله للعالم، ويجب أن تكون كل كلمة في مكانها الصحيح. وتؤمن أن الكتابة الجيدة والمثابرة ينتصران في النهاية، مع ضرورة توافر الروعة والطموح والحزم. وتقدم نصيحة ثمينة لكل كاتب بأنه «من المفيد أن لديك كاتب آخر جيدا يلتزم بقراءة أعمالك».
نصوص لكتاب عالميين
أورد الكتاب ستة وخمسين نصا، ممثلة لما يراه القصة الومضة، ومن هذه النصوص:
مارجريت أتوود: «اشتقتُ إليه. حصلتُ عليه. اللعنة!».
بروس ستيرلنج: «يكلفك كثيرا جدا أن تبقى بشرا».
هاري هاريسون: «آلة الزمن تصل إلى المستقبل… لا أحد هناك».
جريمي جيبسون: «فُقدتُ، ثم عُثر عليّ. أمر سيئ جدا».
مارك ليدلو: «النجدة! وقعتُ في شرك مغامرة النص!».
نصوص لكتاب واعدين
تضمن هذا القسم تسعة وعشرين نصا، على اعتبار أنها نماذج للقصة الومضة، ومن أمثلة ذلك:
فيكتور مور (كلمات): «معظم الكلمات، مثل فكرة اللغة، ومثل البشر والأشياء، بفضول يمكن أن تأتي وتذهب، بلا أي هدف. وفي بعض الأحيان تتقابل في شكل قصة قصيرة ممتعة».
بول ماتيو (الرسام): «رسم بابلو صورة امرأة جميلة. كانت صورة متقنة جدا، لدرجة أنها خرجت من الإطار وتزوجت الرسام. الآن ليس من المسموح له أن يرسم امرأة أخرى».
فيليس ماكينا (دراجة بللها المطر): «الدراجة التي بللها المطر، منبوذة في الطريق.
وجوه شاحبة، أصوات منخفضة، صفارات السيارات تنوح؟
أنفاس خافتة تتلاشى.
عمره أحد عشر عاما، لن يبلغ الثانية عشرة.
هوارشيو موبوس لونا (غير مقروء): «تقول الأسطورة: «هنا عاشت البشرية. وُلدتْ كملاك، وتلألأت كحريق هائل ثم أحرقت نفسها». وفي خضم البرية التي ليس لها نهاية لتلك الصحراء الصامتة، هبت الريح تحمل شكواها الأخيرة».
ديفيد جيت (ما هو الصوت؟): «شجرة طويلة ذات جذور عميقة في الغابات سقطت. لم يسمعها أحد. هل أصدرت صوتا؟».
أورد الكتاب خمسة وثمانين نصا، كنماذج للقصة الومضة، وقد لوحظ طول كثير منها، حيث أن عشرين نصا تقريبا يتراوح طولها بين 120 إلى 360 كلمة، مثل: «قصة حكتها لي صديقة، خلف الخطوط، اللقاء، أراك هناك، جوليان، الخيال في مرآة، يوم من أيام الشتاء الباردة، يد العون، الليلة، المباراة الأخيرة، إحصائيات». وهذا الطول ينسف أهم مميزات القصة الومضة. ومع أن عنوان الكتاب «ومضات قصصية»، إلا أنه احتوى مادة لا علاقة لها بالموضوع مثل الحوار مع ليديا ديفيز ومقالتها عن بروست، ما يضع القارئ في حيرة، والرابط الوحيد بين هذه الموضوعات أنها مرتبطة بليديا ديفيز كونها نالت جائزة البوكر عن كتاباتها القصصية القصيرة جدا، ولكن هذا لا يبرر هذا الإقحام القسري.
وبعد؛ فإن كتاب «ومضات قصصية» يأتي إضافة لصالح فن القصة القصيرة جدا، وانتصارا لها، ويعرف القارئ العربي على نماذج عالمية لكتاب لهم وزنهم واعتبارهم وباعهم الطويل في هذا الفن الجميل. والجدير بالذكر أن عبد السلام إيراهيم، روائي ومترجم مصري. صدر له في القصة القصيرة: «كوميديا الموتى، الملائكة لا تأكل الكنتاكي، مسافة قصيرة جدا للغرق». وفي الرواية: «قادش الحرب والسلام، الطواب الأكبر، عرش الديناري، جماعة الرب، ميراث الشمس». وفي الأدب المترجم: «اللعب مع النمر ومسرحيات أخرى لدوريس ليسنج، عشر مسرحيات مفقودة ليوجين أونيل، الراكبون إلى البحر ومسرحيات أخرى لعدد من الكتاب المسرحيين العالميين، ثلاث مسرحيات لكليفورد أوديتس، ثلاث مسرحيات لـ د.هـ. لورانس، رواية فوس لباتريك وايت. مسرحية الهبوط من جبل مورجان لآرثر ميلر. مختارات قصصية لأدباء جائزة نوبل، بعد العاصفة وقصص أخرى لهمنغواي، رواية أشياء تتداعى لتشنوا أتشيبي، كتاب أضواء على المسرح البريطاني، عبقرية المسرح الإيرلندي لشون أوكاسي».
كاتب أردني
جنس أدبي صاعد يندرج تحت مسمى (أدب الومضة) وهذا الأدب يتنوع إجناسيا ، وهناك اختلاف بشأن تسميته ، لكن الاسم الأكثر ذيوعا بين الكتَّاب هو ( القصة القصيرة جدا).
كذلك لم يُتفق بشأن طول هذه القصة ، ومن الخير ألا يحصل هذا الاتفاق، ومن هنا فإن القصة الواردة في المقالة والتي وصفها الأستاذ موسى بالطول لا تعد خارجة عن حدود هذا الجنس السردي ، كذلك فإن هذا النص ( عمره أحد عشر عاما، لن يبلغ الثانية عشرة.) يخلو من المفارقة والإيحاء ، وهو أقرب إلى الجملة الخبرية العادية.