تونس (أ ف ب) – ساهمت عوامل اقتصادية واجتماعية اضافة إلى الاضطرابات السياسية في تونس في انضمام شباب متنوعي المشارب إلى تيار جهادي برز بشكل لافت بعد الثورة التي اطاحت مطلع 2011 بنظام الرئيس الدكتاتوري زين العابدين بن علي.
وبحسب خبراء، فإن تونس هي المصدر الأول في العالم للجهاديين الذين يقاتلون اليوم في سوريا والعراق وليبيا مع تنظيمات إسلامية متطرفة مثل الدولة الإسلامية
ويقاتل ما بين ألفين وثلاثة آلاف تونسي مع هذه التنظيمات وفق احصائيات لوزارة الداخلية التونسية.
وأعلنت الوزارة مطلع 2015 أن أجهزة الأمن منعت في عام واحد نحو 10 آلاف تونسي من السفر إلى الخارج للالتحاق بتنظيمات جهادية.
وتعاني تونس التي تملك حدودا برية مشتركة طولها حوالي 500 كلم مع ليبيا من تداعيات الفوضى الكبيرة في جارتها النفطية.
وبعد الاطاحة بحكم بن علي وسقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي، تدفقت كميات كبيرة من الأسلحة المهربة من ليبيا إلى تونس، كما تلقى جهاديون تونسيون تدريبات على حمل السلاح في معسكرات بليبيا، وفق السلطات التونسية.
والأربعاء، هاجم مسلحان برشاشي كلاشنيكوف سياحا أجانب بينما كانوا ينزلون من حافلات أمام متحف باردو الشهير ثم طاردوهم داخل المتحف وقتلوا منهم 20 سائحا من جنسيات مختلفة إضافة إلى رجل أمن تونسي، قبل ان تقتلهما الشرطة.
ويطرح العدد المرتفع للمقاتلين التونسيين في سوريا والعراق وليبيا، وعدد الجهاديين الممنوعين من السفر نحو هذه الوجهات تساؤلات حول الظاهرة الجهادية في هذا البلد الصغير المعروف منذ عقود بعلمانيته.
وقالت أمية نوفل الصديق عن «مركز الحوار الإنساني» (منظمة دولية للوساطة في مجال النزاعات) ان «التفــسـير الأكثر كلاسيكية (لهذه الظاهرة) هو اليأس الاجتماعي الذي يؤدي تدريجيا إلى أشكال التطرف.»
ولفتت في المقابل إلى ان تونسيين التحقوا مؤخرا بتنظيم الدولة الإسلامية «بهدف تحسين وضعياتهم الاجتماعية» لانهم يعتقدون ان هذا التنظيم يوفر لمقاتليه «مستوى عيش أفضل من مناطق أخرى عديدة.»
ولا تكفي معدلات النمو الاقتصادي الضعيفة في تونس (2،5 في المئة سنة 2014) لتوفير فرص عمل للعاطلين خصوصا خريجي الجامعات الذين تفوق نسب البطالة بينهم 31 بالمئة.
وتقل أعمار نحو نصف سكان تونس عن 25 سنة.
وقالت سمية بلحاج الاستاذة بالجامعة التونسية ان «الاقتصاد يبقى أحد المعايير، لكن الشباب المشاركين (في الجهاد) ليسوا جميعا منحدرين من أوساط محرومة». وأضافت «هناك تضافر لعاملي هشاشة الشخصية (لدى الشباب) والمحيط الذي يسهّل التوجه نحو الاصولية».
ورأت ان «الاضطرابات» التي عاشتها تونس منذ 2011 دفعت شبابا إلى «البحث عن مشروع حياة».
ومؤخرا أعلن مغني الراب التونسي «إيمينو» انضمامه إلى الدولة الإسلامية
وقال المحامي غازي مرابط ان المغني تغيّر منذ ان حكم سنة 2013 بالسجن عامين.
ودعت نقابات أمن تونسية مؤخرا إلى «عزل» المحكومين في قضايا الارهاب أو تخصيص سجون لهم حتى لا ينقلوا افكارا متطرفة إلى مساجين الحق العام.
وبحسب هذه النقابات فإن سيف الله بن حسين (معروف باسم «ابو عياض») مؤسس جماعة «أنصار الشريعة بتونس» التي صنفتها الحكومة التونسية والولايات المتحدة تنظيما ارهابيا في 2013، نشر عندما كان سجينا الفكر المتطرف في صفوف مساجين الحق العام. وبعد الاطاحة بنظام بن علي أفرجت السلطات ضمن «عفو تشريعي عام» عن بن حسين ومئات من المساجين الذين أدينوا في قضايا بموجب قانون مكافحة الارهاب الصادر سنة 2003.
وأقر رضا صفر كاتب (وزير) الدولة المكلف بالأمن في حكومة مهدي جمعة التي قادت تونس من بداية 2014 وحتى مطلع 2015 بوجود بعد تونسي بحت للظاهرة الجهادية «بسبب الأزمة الاجتماعية والسياسية» في البلاد.
لكنه شدد في المقابل على ان «انهيار الدولة» في ليبيا المجاورة ساهم في تنامي الظاهرة الجهادية في تونس.
وقال في هذا السياق «لدينا (في ليبيا) كل مقومات تنامي الحركات الجهادية: الرجال والايديولوجيا والأسلحة والمال».
وبحسب السلطات التونسية فإن منفذي الهجوم على متحف باردو تلقيا تدريبات على استعمال السلاح في ليبيا.
ولفت عبد الفتاح مورو النائب الأول لمجلس نواب الشعب (البرلمان) والقيادي في حركة النهضة الإسلامية إلى ان قمع الاسلاميين والتضييق على ممارسة الشعائر الدينية في تونس نهاية القرن الماضي خلقا «فراغا دينيا» لدى الشباب التونسي «ملأته» القنوات الدينية الخليجية التي نشرت «الوهابيّة» في تونس.
والظاهرة الجهادية ليست جديدة في تونس إذ سبق لتونسيين القتال في أفغانستان أوائل سنوات الـ2000 وفي العراق، لكنها برزت بشكل خاص بعد ثورة 2011.
وترى أمية نوفل الصديق «يجب ان ندرك انه في مجتمع يعيش اضطرابا بعد معاناته من القمع لعقود من الزمن، من الطبيعي ان تكون هناك اشكال تطرف خصوصا بين الشباب».
وقالت «يجب العمل لتمكين الشباب من التعبير بشكل غير عنيف» معتبرة ان «هذا لا يمكن ان يحصل إلا من خلال حوار حقيقي بين السلطات والمجتمع المدني».
واعتبرت ان على السياسيين في تونس ان يتساءلوا اليوم «أي مشروع مجتمع سنقدمه لهؤلاء الشبان؟».