خبير اقتصادي لـ «القدس العربي»: الشمال السوري في حاجة لـ10 مليارات دولار لإعادة إعمار المنطقة المنكوبة

هبة محمد
حجم الخط
0

حلب – إدلب – «القدس العربي»: تتكشف آثار الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا فجر الاثنين 6 فبراير /شباط، والذي صنف على أنه أسوأ كارثة طبيعية ضربت المنطقة خلال قرن، وذلك وسط ارتفاع أعداد الضحايا والخسائر المادية التي لحقت بعمران المنطقة المنكوبة وبناها التحتية.
وأعلنت المنظمات الإنسانية المحلية شمال سوريا، أن عدد المنازل المدمرة بالكامل والمعرضة للانهيار ناهز 5000 منزل، بينما قارب تعداد المنازل غير الصالحة للسكن بسبب أضرار مختلفة 23 ألف منزل آخر. وقدرت منظمة “منسقو استجابة سوريا” أعداد المتضررين من الزلزال بـ 900 ألف شخص، متركزين معظمهم في المناطق المدمرة وعلى رأسها الحريم، الجنديرية، سلقين، أرمناز، أزمارين، والأتارب. وتعتبر منطقة شمال غربي سوريا الأكثر تأثراً بالزلزال، بسبب امتداده على مساحة جغرافية واسعة، وما خلّفه من دمار شبه كامل في بعض القرى والبلدات مثل حارم وجنديرس، فضلاً عما تعانيه هذه المنطقة بشكل عام من اكتظاظ سكاني كبير بسبب أعداد المشردين قسرياً الذين هجروا من مناطق أخرى بسبب انتهاكات النظام السوري بحقهم. ووفقاً لتقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن الاكتظاظ السكاني واستهداف البنية التحتية والمراكز الحيوية على مدى سنوات من قبل النظام السوري وحليفه الروسي، كان سبباً في أن يكون وقع الزلزال في هذه المنطقة أكبر وأكثر مأساوية.
المستشار الاقتصادي السوري أسامة القاضي اعتبر أن حجم الكارثة التي يخلفها أي زلزال عادة ترتكز على عاملين اثنين مهمين، الأول يعتمد على قوة الزلزال الذي ضرب المدن والبلدات، أما العامل الثاني فيتمحور حول الكثافة السكانية في المناطق التي استهدفها.
وفيما يخص سوريا، قال المستشار الاقتصادي أسامة القاضي لـ”القدس العربي”: جل المناطق التي تدمرت بفعل الزلزال هي مناطق متضررة للغاية قبل الزلزال بسنوات، حيث كانت أهدافاً للنظام السوري والجيش الروسي، فتدمرت البنية التحتية، وأصيبت المباني بنسب متفاوتة خلال السنوات الماضية، خاصة في محافظة حلب، في الشمال السوري. وتابع قائلاً: بعد الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، كان معبر باب الهوى الحدودي يعمل بشكل بطبيعي، ولم يكن هنالك أي سبب يدفع الأمم المتحدة أو حتى الدول عن تقديم الدعم العاجل للشعب السوري المنكوب جراء الزلزال، ولم يكن هنالك أي داعٍ لطلب أو انتظار موافقة النظام السوري على فتح معابر جديدة لمساعدة المتضررين من الزلزال.

الأولويات المطلوبة

ورأى أن الأولويات المطلوبة من أجل المنطقة المنكوبة شمال غربي البلاد، تتجلى في تأمين المسكن والمواد الإغاثية والخدمات الطبية لمئات الآلاف من المدنيين المشردين والمتضررين في المناطق الأربعين التي ضربها الزلزال في سوريا، وقال “هنا نتحدث عن نكبة جديدة للنازحين والمشردين قسريًا على يد النظام السوري”.
وأضاف، في معادلة افتراضية لتأمين مساكن حقيقية لقرابة مليون سوري في الشمال السوري، فإننا نفترض أن كل بناء سيخصص لمئة شخص، وبالتالي نحن في حاجة لعشرة آلاف بناء سكني، وكل بناء يحتاج لمليون دولار أمريكي، وهذا يعني أننا في حاجة 10 مليارات دولار أمريكي لإعمار الشمال السوري مجددا، وفق أسس بناء صحيحة.
وقال القاضي: لا يوجد أي نية لإعادة إعمار حقيقية في سوريا لأنه لم يتبلور أي حل سياسي حقيقي؛ لذا على الأغلب ستكون هناك بيوت مسبقة الصنع وبعض المخيمات لأنه دون حل سياسي لا أمان ولا ضمان ألا يقصف الروس والنظام السوري تلك المباني المكلفة بصواريخ روسية أو ببراميل النظام

الأرواح.. تكلفة لا يمكن سدادها

الأكاديمي والباحث في المجال الاقتصادي والمجتمعي عبد الناصر الجاسم قال لـ “القدس العربي”: عند الحديث عن كلف الكارثة التي تركها الزلزال في تركيا وسوريا، لا بد من التنويه إلى أعلى الكلف، وهي فقدان الأرواح والكارثة الإنسانية والجانب المعنوي.
واعتبر أنه من الصعب الوصول إلى تقديرات دقيقة للتكلفة الاقتصادية في مناطق الشمال السوري المنكوب، لأكثر من سبب وفق المتحدث، لعل أهمها هو طبيعة الكارثة، إذ لا تمتلك المناطق المستهدفة في الشمال الأدوات اللازمة للإحصاء والعد، مشيرا إلى صدور رقم تقديري عن موقع بريطاني خاص بالتحليلات الاقتصادية قبل أيام، والتي قدرها بـ 3 مليارات دولار أمريكي ككلفة أولية.
ويتم حساب التكاليف بناء على نقاط، أولها: تكلفة اللحظة الأولى، وهي لحظة وقوع الزلزال، ففي الثواني الأولى من الزلزال تحدث أعمال الهدم وتدمر الأبنية والبنى التحتية والمرافق العامة ومصادر الطاقة وسواهم، وهي تقسم إلى أضرار كلية أو جزئية، وكلها تؤدي إلى خسائر اقتصادية، وهي بدايات تؤدي إلى توقف الأعمال والصناعة وتتعطل الحياة وتتأثر أسواق رأس المال والأسهم، وغيرهم من المتغيرات، وكل هذه المتغيرات يقابلها كلف اقتصادية، ومنها ما نلمسه بشكل مباشر بعد الزلزال، ومنها ما يمتد أثره إلى ما بعد ذلك.
النقطة الثانية في حساب التكاليف الاقتصادية للزلزال، هو تفاقم الأزمة الإنسانية، وهي كانت بالأصل مشكلة جوهرية في الشمال السوري، والذي ضاعف أثر الزلزال في شمال غربي سوريا، هو ضرب الزلزال لمنطقة هشة، كانت ساحة صراع لأكثر من 10 سنوات وتم تجريب مئات الأسلحة فيها، وعلى رأسهم أسلحة روسيا وجيش النظام السوري، وكل هذه العوامل أدت إلى مضاعفة أثار الزلزال وتفاقمها.
خطة الاستجابة الإنسانية في العام الأخير بالشمال السوري، قدرت بـ 4 مليار دولار أمريكي، والدول المانحة قررت تحويل 2 مليار، وبالتالي في الأصل هناك عجز 50% بما يخص دعم الشمال السوري.
والنقطة الثالثة وفق الباحث “الجاسم”، والتي تضاف إلى تكاليف الزلزال، تتمحور حول تقييد إدخال المساعدات للشمال السوري، وقبل الزلزال كانت مقيدة ومرتبطة بقرار سياسي وتحتاج إلى اجتماع مجلس الأمن من أجل تجديد المدة أو عدم دخولها، وهذا مخالف للأعراف الدولية والقيم الإنسانية، ففي الساعات 72 الأولى من الزلزال، كان الشمال السوري في حاجة بالغة الأهمية لتلك المساعدات، وكانت كل دقيقة تساوي روح إنسان عالف تحت الأنقاض، وهي معادلة تنعكس بشكل أو آخر على التكاليف. وقال: كما يمكنني إضافة متغير آخر للنقاط السابقة حول تكاليف الزلزال والكارثة، ألا وهي تكاليف الفساد للمنظمات العاملة في مجال الإغاثة الدولية والإنسانية والتبرع خلال عمليات مساعدة المتضررين، وتكاليف هذا الفساد تنعكس تكلفة اقتصادية وتضاف إلى تكاليف الزلزال. بعد انتهاء المرحلة الساخنة في الشمال السوري، لا بد من ترتيب الأولويات، حيث يتواجد مدنيون دون مأوى، وفي حاجة إلى مواد غذائية وأخرى للتدفئة، بالإضافة إلى الاحتياجات الطبية.
وفي هذا الصدد يقول الأكاديمي والباحث في المجال الاقتصادي والمجتمعي الجاسم لـ “القدس العربي”: أخطر ما يحيق بمساعدة المناطق المتضررة في الشمال السوري، وتعيق طرق التعافي، هي تسيس هذا الملف.
بالإضافة إلى المخاوف من فشل إدارة هذا الملف، بسبب تعدد السلطات الحاكمة في الشمال السوري، مع وجود شكلي للحكومة السورية المؤقتة، حيث ظهر الائتلاف المعارض دون فاعلية، في حين أن الخوذ البيضاء “الدفاع المدني السوري”، الذين كانوا على قدر المسؤولية نجحوا في تخفيف نتائج هذا الزلزال على السوريين.

عدم استمرارية الدعم

كما أن عدم استمرارية الدعم المقدم للشمال السوري، تعد من أهم المخاطر التي تحاصر ملف تقديم المساعدات للمنكوبين قبل الانتهاء من مرحلة التعافي والاستقرار للمدنيين.
وعند الحديث عن المناطق التي ضربها الزلزال في تركيا، فإن التقديرات الأولية للخسائر التركية، تشير وفق المستشار الاقتصادي السوري أسامة القاضي إلى إمكانية بلوغ حاجز الـ 100 مليار دولار أمريكي، وهي إحصائية أولية وفق قوله، وتتضمن التعويضات وخسائر النشاطات الاقتصادية، وإعادة إعمار المباني المدمرة وتجهيزها لتصبح مقاومة للزلزال في المستقبل من خلال استخدام أفضل أنواع مواد البناء من الأسمنت والحديد.
وأشار “القاضي” في تصريحه لـ “القدس العربي”، إلى إمكانية الاستفادة من الخبرة اليابانية في البناء، من خلال استخدام تركيا للدعامات الفولاذية المرنة، مقترحاً تعاقد تركيا مع شركة يابانية متخصصة، ليس بهدف البناء، وإنما لتبادل الخبرات والتأكد من مواد البناء ومقاومة المباني للزلزال بشكل فعال، بعيداً عن فساد البلديات والمطورين العقاريين، والشركات المنفذة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية