نتنياهو وتجارة الكوابيس

حجم الخط
0

 

كانت معظم استطلاعات الرأي تشير إلى أنّ الليكود، بزعامة بنيامين نتنياهو، سوف يحلّ في المرتبة الثانية بعد «الاتحاد الصهيوني»، بزعامة إسحق هرتسوغ؛ حتى أنّ بعض أقطاب حزب رئيس الوزراء انخرطوا في ترتيبات محمومة، بعيداً عن الأضواء، لوراثة نتنياهو في زعامة الحزب. الرياح، بالطبع، أتت بما لم تشته السفن، فأحرز الليكود فوزاً مفاجئاً، لعلّ فضيلته الوحيدة ـ قياساً على التاريخ الانتخابي للحزب ـ أنه جاء هكذا بالضبط: مفاجأة غير متوقعة.
وهكذا، تراكمت المعطيات القياسية فوق رأس نتنياهو: هو أوّل رئيس وزراء يُنتخب عبر التصويت العام، منذ إنشاء الكيان الصهيوني؛ لكنه، أيضاً، يدخل في ولاية رابعة، ويسجّل أطول فترة حكم لأيّ رئيس وزراء في إسرائيل. لكنّ السجلّ الآخر في تاريخ نتنياهو، السياسي الليكودي، يشير إلى حيثيات مختلفة؛ لعلّ أبرزها أنّ استقالته من حكومة أرييل شارون، صيف 2005، احتجاجاً على الانسحاب من قطاع غزّة، شكّلت نقلة دراماتيكية في شعبيته، داخل صفّ «اليمين» عموماً، فصار الزعيم الأوحد عملياً؛ خاصة بعد قرار شارون الخروج من الحزب العتيق وتشكيل «كاديما»، حزبه الجديد يومذاك.
وعلى قدم المساواة، لم تكن تلك الحيثيات، أسوة بانتصار نتنياهو المفاجىء قبل أيام، كفيلة بطمس الحقيقة التي تشير إلى أنّ نتنياهو هذا، هو نفسه الذي انتُخب زعيماً للحزب ومرشحه لانتخابات رئاسة الوزراء؛ وهو، ذاته، الذي حلّت عليه نقمة الناخب في سنة 1999، فمُني بهزيمة ساحقة مهينة أمام إيهود باراك، أجبرته على الاستقالة الفورية… وإذا كانت هذه الحلقة التعاقبية، الأشبه بالباب الدوّار، هي بعض قواعد لعبة «الديمقراطية» في إسرائيل؛ فإنها، من جانب آخر، تعكس الكثير من ذلك المزاج الخاصّ المركزي الذي يتحكّم بالناخب الإسرائيلي وبصندوق الاقتراع تحديداً: مزاج الخوف من السلام، الذي يبلغ درجة الرهاب، والانكفاء إلى الشرنقة الأمنية، وعقدة الضحية التي تتهددها كوابيس متعاقبة وشرور دائمة.
تسعة أعشار المعايير الداخلية في إسرائيل، سياسة واقتصاداً واجتماعاً، كانت تقود نتنياهو إلى الهزيمة؛ ما خلا أنه كان بائع كوابيس عالي المهارات، عرف كيف يُعلي الخطر النووي الإيراني فوق كل اعتبار، واقتاد شرائح واسعة من ناخبيه، وناخبي سواه في الواقع، إلى منطقة الذعر. في المثال الموازي، كان الشارع الإسرائيلي سعيداً، ذات يوم، باكتشاف إيهود باراك،»بطل إسرائيل»، و»الجندي ـ المواطن»، و»الجنرال ـ السياسي»، نجم عملية اغتيال خليل الوزير (أبو جهاد)، والرجل العابر إلى بيروت متخفياً في زيّ امرأة، لتصفية ثلاثة من قادة منظمة التحرير الفلسطينية. ومع ذلك، حين اقتضت ثقافة الخوف إزاحته من المشهد، لم يتردد الناخب الإسرائيلي في إنزال العقاب به، لصالح نتنياهو دائماً.
وتبقى حكاية طريفة، وقعت في أواخر العام 1996، ذات دلالة بالغة حول مفاوضات السلام:كانت طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي قد أقلعت باتجاه واشنطن لحضور القمّة الشهيرة الفلسطينية ـ الإسرائيلية ـ الأردنية ـ الأمريكية؛ وكان على متن الطائرة كل ما يلزم وما لا يلزم… باستثناء الرجل الوحيد المعنيّ تقنياً بالتواجد في هذا الركب، أي دان شومرون كبير المفاوضين الإسرائيليين مع الجانب الفلسطيني! الأمر، ببساطة، أن مكتب نتنياهو الخاص لم ينتبه إلى ضرورة سفر شومرون أصلاً، أي لم يكن قد رأى أي حاجة لأن يتجشّم الرجل مشاق الرحلة!
ما كان مريراً، مقابل هذه الطرفة، أنّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس اعتبر تلك القمة ناجحة، لأنّ «العمل سيكون في المستقبل مريحاً مع نتنياهو وكذلك مع مستشاريه الذين أخذوا يتعوّدون على التعاون معنا»!.

صبحي حديدي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية