عمان – «القدس العربي»: التركيز على قراءة اقتصادية لانحيازات مسارات التكيف الأردنية مع الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وتداعيات القضية الفلسطينية قد لا يمثل عزفاً منفرداً منتجاً في السياق التحليلي، خصوصاً أن النتائج الاقتصادية بحد ذاتها تحت عنوان التشبيك مع السياسي والأمني على الأرجح “ليست مضمونة” ولا تبدو مريحة للرأي العام ولا الشارع الأردني.
ولم يعد يصلح بإجماع بعض المراقبين الاستناد إلى الاحتياج الاقتصادي حصرياً في قراءة مسار التكييف، الذي انتهى مؤخراً بمنح اليمين الإسرائيلي فرصة إضافية في أحضان اجتماع مدينة العقبة. وهو اجتماع خرج مبكراً عن سكّته بحكم الواقع الموضوعي لسلوكيات وتصرفات حكومة اليمين الإسرائيلي، وإن كان قد أثار عاصفة من الجدل وسط الأردنيين أخافتهم وأقلقتهم على الصعيد الشعبي، وأبرزت حالة يتم عبرها اتهام المناقشين والمعترضين على مسار التكييف بأنهم شعبيون، كما لاحظ في ندوة خاصة شاركت فيها “القدس العربي” الدكتور مروان المعشر.
يقترح الوزير والنائب والخبير السياسي والاقتصادي البارز الدكتور محمد حلايقة التحدث بصراحة مع الشعوب، حيث لا أفق لعملية سياسية، ثم لا مكان لقراءة اقتصادية منتجة بمعزل عن ضياع البوصلة السياسية والحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني وطموحاته الوطنية في الاستقلال والدولة. ودون ذلك – برأي الحلايقة، كما سمعته “القدس العربي” مرتين مؤخراً – فإن الاستمرار في بناء الأوهام قد لا يكون الخيار المناسب في التعامل مع تحديات المرحلة، والأصح بالنسبة للحكومات وللأنظمة الرسمية هو مصارحة شعوبها والتحدث عن الحقائق والوقائع. ذلك عملياً منطق سبق أن اقترحه أيضاً البرلماني والوزير السابق والمخضرم الدكتور ممدوح العبادي وهو يدعو للعودة إلى ميثاق حزب الليكود الذي يعتبر على يسار الائتلاف الحاكم الآن بإسرائيل.
«الضفة الشرقية»
وذلك الميثاق الليكودي، برأي العبادي كما شرح في محاضرة عامة يقول بملء الفم إن الأردن أرض إسرائيلية أيضاً. والحديث هنا عن الضفة الشرقية لنهر الأردن وليس الغربية فقط.
وكل تلك الآراء تجمع اليوم على أن الاستناد إلى الاحتياج الاقتصادي للأردن والوضع المعيشي الصعب والرغبة عبر إحياء عملية السلام وإبقاء علاقات تطبيعية على قيد الحياة مع الإسرائيليين هي مجرد آمال وأوهام أو أحاديث رغائبية قد لا ترقى إلى مستوى الواقع الموضوعي، لأن الازدهار الاقتصادي الحقيقي لا بل معالجة التحديات الاقتصادية التي يعيشها الشعبان الأردني والفلسطيني، إنما تتطلب بالمقام الأول والأساسي والمركزي والمفصلي العودة إلى التركيز على حقوق الإنسان الفلسطيني وعلى مصالح الدولة الأردنية.
مؤخراً، برزت محاولة من بعض الخبراء لقراءة مؤتمر قمة العقبة وتركيز الأردن على التهدئة في الضفة الغربية المحتلة من زاوية المصلحة السياسية المباشرة، وعلى أساس أن للأردن مصلحة اقتصادية مباشرة في برنامج التهدئة؛ لأن مشاريع السلام الاستراتيجية أو المشاريع الإقليمية الاقتصادية الواعدة من الصعب تمريرها واستقرارها دون تهدئة عامة بصرف النظر عن أفق الحل السياسي.
قيل الخطاب نفسه على هامش ورشة عمل مغلقة حضرتها “القدس العربي” في البحر الميت، على أساس أن المصالح الاقتصادية والاستثمارية والمالية الأردنية في الولايات المتحدة وفي دول الاتحاد الأوروبي مرتبطة أو مربوطة للأسف الشديد، بالعلاقات مع إسرائيل.
طبعاً، يشكك كثيرون في هذا الاستنتاج، لكن الخلاصة رد عليها في اجتماع لنخبة عريضة من الشخصيات الوطنية مؤخراً الشيخ والقاضي العشائري المعروف طراد الفايز، عندما رفض معادلة “التجويع ثم التركيع، ولاحقاً التوقيع”، مصراً وبحضور “القدس العربي” على أن الشعب الأردني في حال مصارحته بواقع الحال والتحدث معه ومطالبته بأن ينسجم مع موقف قيادته وحسابات ومصالح دولته، مستعد لما لم يتوقعه كثيرون في الصبر والاحتمال.
وتحدث الشيخ الفايز أيضاً في اللقاء نفسه عن استعداد الأردنيين لشظف العيش ولربط الحزام على بطونهم ولاحتمال أي أذى مقابل كرامة الهوية الوطنية الأردنية وكرامتهم، مع التأكيد على أن كرامة الأردني اليوم مرتبطة بكرامة الفلسطيني ومقاومته. ويرد مثل هذا الخطاب على كل من يميلون إلى قراءة اقتصادية محضة لمسار التكيف وتجلياته المثيرة للجدل مؤخراً.
لكن انتبه المراقبون لسلسلة من المقالات مؤخراً برزت في الصحافة الإسرائيلية تحاول تخويف الأردن من المخفي اقتصادياً إذا لم يكن جزءاً من منظومة الترتيب الأمني والتهدئة في الأراضي المحتلة.
صحافة «خبيثة»
وهي طريقة تتبعها صحافة إسرائيل الخبيثة على الأرجح لتبرير عمليات التطبيع وللإيحاء بأن الأردن يخشى، بسبب الوضع الاقتصادي والمعيشي الحاد، أن تتوحد الحراكات الشعبية وتعود إلى الانتباه للقضايا المحلية والداخلية المطروحة بعد ما يجذبها الهتاف ضد إسرائيل والقضية الفلسطينية، وتلك مقاربة هي الأخبث والأعمق في الخبث برأي الخبراء، لأن تبرير الاحتياجات الاقتصادية للأردن الرسمي لا يمكنه أن يكون مدخلاً أساسياً لتجاهل الثوابت والمساس بما يسميه عضو أو قطب البرلمان الأردني خليل عطية، بموقف واتجاه ومشاعر وعواطف ويقين الشعب الأردني ضد العدو الإسرائيلي وممارساته.
بهذا المعنى، برز مؤخراً شكل من أنماط التجاذب في إطار محاولة لتكريس رؤية اقتصادية فقط لمسارات التكيف التي انتهت بلقاء العقبة الأخير المثير للجدل.
لكن توازى ذلك محاولات في الإعلام الإسرائيلي والعبري لتذكير الأردن بأنه نسبياً وبخبث شديد، إذا لم يتكيف وينضم مع السلطة الفلسطينية إلى ترتيبات وتفاهمات تقمع انتفاضة ثالثة أو تمنعها تحت عنوان التهدئة فربما يعاني اقتصادياً.
لا توجد صيغة أخبث من تلك الصيغة في تبرير تداعيات اجتماع العقبة، لكنها لا تبدو مقنعة؛ لأن الشعب الأردني مستعد لما لا يمكن للحكومة أن تتخيله في الاحتمال والصبر على الفقر والحاجة عندما يتعلق الأمر بالمقدس الفلسطيني، على حد تعبير الشيخ الفايز.
بعد قرار أممي تقسيم فلسطين 1947 وإقامة دولة يهود 1948 باتت قضية فلسطين برعاية نظام عربي ودخل جيش الأردن للضفة الغربية والقدس ودخل جيش مصر لقطاع غزة ثم اضطرا لإنسحاب 1967 وبعد حرب 1973 قرر نظام عربي أن منظمة التحرير ممثل شرعي فلسطين ونقل مسؤولية الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة من الأردن ومصر للفلسطينيين 1975 ووقعت مصر ثم فلسطين ثم الأردن سلام مع إسرائيل ولم يعد بإمكان الأردن ومصر إرسال جيشيهما للضفة الغربية والقدس وقطاع غزة حتى لو حصل بها فوضى وانقسام فلسطيني وتبعيتهم لإيران وتصادمهم مع إسرائيل.