احتج الآباء الغاضبون خارج مكتب محافظ قم ودعوا إلى تحقيق شفاف، كما طالبوا بعقد دروس عبر الإنترنت، وسط تقارير تفيد بأن السلطات تضغط على الطلاب للالتحاق بالمدرسة.
أثارت سلسلة حوادث إصابة العشرات من الفتيات بأعراض مرضية في مدارس عدد من المدن الإيرانية غضبًا شعبيًا، حيث اتهم البعض الحكومة بالإهمال بينما أشارت بعض وسائل الإعلام إلى احتمالية وجود أعمال إرهابية تقف خلف هذه الظاهرة. إذ أصيبت مئات التلميذات بأعراض مرضية غريبة وتم نقل العشرات منهن إلى المستشفيات، واشتبه بعض الآباء في تعرضهن للتسمم. ووفقًا للإحصاءات التي تداولها الإعلام تم استهداف أكثر من 50 مدرسة يوم الثلاثاء 7 آذار/مارس، وأكثر من 120 مدرسة يوم الإثنين 6 آذار/مارس، وأكثر من 80 مدرسة يوم الأحد 5 آذار/مارس، في جميع أنحاء إيران بهجمات كيميائية.
السلطات الحكومية من جانبها سارعت لفتح تحقيق في الموجة الغامضة من الأمراض، ولم تجد أي دليل على وجود حالات تسمم، كما لم يتم الإبلاغ عن أي وفيات حتى الآن. وفي وقت سابق، أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية عن اعتقال عدة أشخاص في ست محافظات، هي خوزستان، وأذربيجان الغربية، وفارس، وكرمانشاه، وخراسان رضوي، والبرز، بتهمة تسميم الطالبات. وأثارت هذه الحوادث غضب الرأي العام، حيث رفض بعض الآباء السماح لأطفالهم بالذهاب إلى المدرسة خوفا من تعرضهم لمخاطر التسمم.
أشارت وسائل إعلام إيرانية إلى أن قضية تسمم الطالبات في إيران كانت قد بدأت في تشرين الثاني/نوفمبر 2022 في مدارس البنات في محافظة قم، واستمرت وصولا إلى الآن حيث نشرت أكثر من 50 مدرسة في 11 محافظة إيرانية تقارير عن تسمم طلبتها، ووصل عدد المصابين في هذه الحوادث أكثر من 800 شخص. صحيفة «هم ميهن» وصفت الأمر بأنه «إرهاب بيولوجي» في حين أكدت وزارة الداخلية ووزارة التربية الإيرانيتين أنّ معظم التقارير سببها التوتر والقلق، وليس نتيجة انتشار السم، بينما صرّح وزير الصحة الإيراني بهرام عين اللهي بالقول إن «التحقيقات أظهرت أن سمًّا خفيفًا أدى إلى حدوث حالات التسمم بين طالبات المدارس».
يُعتقد أن الحادث الأول وقع في مدينة قم عندما تم نقل 18 تلميذة إلى المستشفى بعد الشكوى من أعراض تضمنت الغثيان والصداع والسعال وصعوبات التنفس وخفقان القلب والخدر والألم في أيديهن أو أرجلهن. ومنذ ذلك الحين، أصيب مئات الطلاب في عدة مدن إيرانية، معظمهم من الفتيات، بأعراض مماثلة في عدد من المدارس العامة، والتي يتم فصلها حسب الجنس. وقد تلقى العشرات منهم العلاج مباشرة، بينما تم نقل آخرين إلى المستشفى. وذكرت صحيفة «قم نيوز» أنه في الحادث الذي وقع يوم 22 شباط/فبراير الماضي تم نقل 15 تلميذة إلى مستشفى حكومي في قم، وأضافت الصحيفة إن الطالبات في حالة مستقرة وتحت المراقبة.
واستشهدت بعض الصحف الإيرانية بأوجه الشبه بين حالات التسمم في مدارس البنات في إيران وما قام به من اسمتهم المتطرّفون في الشيشان وأفغانستان من هجمات، وهو ما حصل مع طالبات المدارس في جمهورية أوسيتيا الشمالية في الاتحاد الروسي المتمتعة بالحكم الذاتي في أيلول/سبتمبر 2004. كما يعزو البعض ذلك إلى الجماعات المذهبیة المتطرفة وأتباع مدرسة مصباح يزدي من التيار المحافظ المتشدد في إيران، بينما ينسبها البعض إلى هجمات تقوم بها منظمة «مجاهدي خلق» المعارضة، ولم تتّضح حتى الآن الجهة المسؤولة عن هذه الهجمات، وفي كثير من الحالات، لم تتمكن السلطات من العثور على أدلة على وجود سموم. لذلك هناك احتمال آخر يتمثل في الاعتقاد أن سبب معظم الحوادث هو الذعر الجماعي والهستيريا.
وقالت السلطات الإيرانية إنها لم تتمكن بعد من تحديد سبب «موجة المرض الغامضة» على الرغم من إجراء اختبارات السموم التي لم تظهر نتائج إيجابية حتى الآن. ولم يجد خبراء الصحة أي عدوى بكتيرية أو فيروسية في عينات الدم المأخوذة من الطالبات المريضات، لكن السلطات الحكومية لم ترفض بعد احتمال أن يكون الغاز السام هو السبب في الأمراض، حيث أبلغ بعض الطلاب عن رائحة غريبة في فصولهم الدراسية قبيل إصابتهم بالأعراض المرضية.
وذكرت وكالة «تسنيم» للأنباء «تسمم عدد من الطلاب ظهر في مدرسة الخيام للبنات في مدينة بارديس بمحافظة طهران». وأضافت أن 35 طالبة نقلوا إلى المستشفى، إضافة إلى مئات حالات التسمم المبلغ عنها منذ تشرين الأول/نوفمبر الماضي في مدينتين أخريين على الأقل بما في ذلك قم. كما تم نقل الطالبات في مدرسة للبنات في بوروجرد إلى المستشفى بعد حادث تسمم، وهو الرابع في هذه المدينة خلال أسبوع واحد. وقد عقد البرلمان الإيراني اجتماعا لمناقشة الهجمات المشتبه بها. وذكرت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية الرسمية أن وزير الصحة بهرام عين الله حضر الجلسة.
وقد شكل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في الأول من آذار/مارس الجاري لجنة للتحقيق في الحوادث مكونة من وزير الداخلية أحمد وحيدي، ووزير المخابرات إسماعيل خطيب ووزير الصحة بهرام عين اللهي. من ناحية أخرى، قال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي معلقا على الأحداث إنها «جريمة لا تغتفر» وأضاف «إذا ثبت أنها متعمدة، فيجب الحكم على مرتكبي هذه الجريمة بالإعدام».
وتكهن البعض بأن بعض المتشددين دينيا قد يكونون وراء الحوادث في محاولة منهم لإثارة الخوف ومنع الفتيات من الذهاب إلى المدارس. إذ قالت نفيسة مرادي، الباحثة في الدراسات الإسلامية في جامعة الزهراء، وهي جامعة عامة للإناث فقط في طهران، في تعليق لها «إنه من المشكوك فيه أن الفتيات، وليس الفتيان، يتأثرون بشكل أساسي بالأمراض». لكن المفارقة إن مقال مرادي تمت إزالته من موقع «قم نيوز» لاحقًا.
في نهاية شهر شباط/فبراير الماضي، احتج الآباء الغاضبون خارج مكتب محافظ قم ودعوا إلى تحقيق شفاف. كما طالبوا بعقد دروس عبر الإنترنت، وسط تقارير تفيد بأن السلطات تضغط على الطلاب للالتحاق بالمدرسة. وقالت إحدى المدرسات التي تعمل في مدرسة للبنات في قم لصحيفة الشرق الإصلاحية اليومية إنهم تلقوا أوامر بالتدريس «حتى لو كانت هناك طالبة واحدة فقط موجودة في الفصل». وقالت أيضًا إنه طُلب من الطلبة عدم مشاركة الملاحظات مع زملائهم في محاولة واضحة لدفع المزيد منهم للذهاب إلى المدرسة شخصيًا.
واتهم العديد من الإيرانيين السلطات بعدم القيام بما يكفي من الجهود للعثور على سبب الأمراض ومنع حدوث حالات جديدة. وقد صرح مدرس في قم، لوسائل إعلام إيرانية بالقول «من بين 250 طالبًا في مدرستنا، حضر 50 فقط دروسًا». وأفاد مراسل صحيفة «الشرق» الذي سافر إلى قم أن بعض المدارس في المدينة مغلقة «بشكل غير رسمي».
اشتكى بعض الطلاب الذين أصيبوا بالمرض من رائحة «غير معروفة» أو «كريهة». ونقلت صحيفة «تيجارات نيوز» عن امرأة أصيب ابنها بالمرض قولها: «تذكر ابني أنه للحظة كانت هناك رائحة سمكة فاسدة في الفصل، ثم أعطت المدرسة الطلاب أقنعة للوجه وطلبت منهم مغادرة الفصل». وأضافت، «شعر بعض الأطفال بالمرض أكثر من الآخرين. وتم نقل العديد منهم إلى المراكز الطبية». وقالت المرأة «كان ابني من بينهم وقد عانى من آلام في المعدة». كما أخبرت طالبة مرضت في أوائل شباط/فبراير صحيفة «الشرق» أنها أمضت ثلاثة أيام في المستشفى. وأضافت «ما زلت أشعر ببعض الضعف في ساقي بعد 20 يوما من الحادث، ولدي مشاكل أثناء تحريك ساقي» مضيفة أن اثنين من صديقاتها ما زالتا في المستشفى.
وقد أعربت نائبة الرئيس روحاني لشؤون المرأة والأسرة، معصومة ابتكار، في تغريدة لها عن أسفها «لتكرار جريمة تسميم الفتيات» ودعت السلطات إلى «وضع حد للمتعصبين المعادين للنساء بشكل نهائي». كما انتقدت ابتكار التأخر في كشف أسباب مسلسل التسمم، إذ قالت «جريمة تسمّم الفتيات تتكرّر منذ أشهر. الجميع ينتظر الأمن والإدارات القضائية للتصرّف على الفور، فلماذا كل هذا التأخير؟».
بعض الأصوات المعارضة في الداخل والخارج ارتفعت لائمة حكومة رئيسي، إذ غردت عاطفه دانشكر قائلة: «لقد قال خامنئي مطلع تشرين الأول/أكتوبر في إشارة إلى الطلاب المتظاهرين: يمكنك توجيههم بمعاقبتهم ليفهموا. وها هي الحكومة تُفهمهم من خلال الهجمات البيولوجية». أما الدكتور ايمان طاهري فقد حمّل الحكومة ضمنيًا مسؤولية حالات التسمم، مشيرًا إلى أنه لا يمكن إخفاء الحقائق في ظل الوضع الأمني السائد. كما علّقت الصحافية الإيرانية المعارضة المقيمة في الخارج مسيح علي نجاد قائلة: «صور مروّعة لطالبات المدرسة في طهران. هذه هي الجمهورية الإسلامية، حيث ترسل طفلك إلى المدرسة في الصباح وبعد ساعات قليلة عليك أن تنقله إلى المستشفى بسبب استنشاق الغازات السامة».