الرباط ـ “القدس العربي”:
قال العاهل المغربي محمد السادس إن ما يعرفه عالم اليوم هو صراع جهالات لا صدام حضارات، داعيا إلى إحداث نقلة نوعية في الوعي الجماعي بأهمية الحوار والتعايش، وبمخاطر الاستمرار في منطق الانغلاق والتعصب والانطواء.
جاء ذلك في كلمة وجهها ملك المغرب، الثلاثاء، إلى المشاركين في مؤتمر برلماني دولي انطلق في مدينة مراكش حول “حوار الأديان: لنتعاون من أجل مستقبل مشترك”.
وأوضح في الكلمة التي ألقاها رئيس مجلس النواب المغربي أنه “يتم توهيم الرأي العام، هنا وهناك، بأن الأمر يتعلق بصراع الديانات والحضارات. والحال – كما أكَّدنا منذ أكثر من عشرين عامًا، في افتتاح الدورة السابعة بعد المائة لمؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي – أن ما يعرفه عالمنا اليوم، إنما هو صراع جهالات لا صِدام حضارات”.
وتابع قائلا “إنه لمن المؤسف أن نظل نَسمع بحوادث العنف والاضطهاد والقتل بسبب العقيدة الدينية أو المذهبية، أو الانتماء الحضاري، وأن يصبح العداء للأديان مادة مفضلة من طرف البعض في المزايدات الانتخابية”.
“كما نأسف أيضا ـ يضيف العاهل المغربي ـ أن تُطَبِّعَ فضاءات النقاش العمومي، بما في ذلك عدد من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ومنابر عمومية، مع وصم الآخر بسبب الدين أو اللون أو الأصل، مع كل المخاطر التي يحملها ذلك على وعي وثقافة الناس، وعلى تأليب الرأي العام. وتحتفظ الذاكرة العالمية بأعمال الإبادة الجماعية، والحروب المدمرة التي كانت بداياتها خطابات وإيديولوجيات التعصب للعقيدة الدينية، أو للطائفة أو للعرق”.
ولاحظ أنه “على النقيض من مواثيق حقوق الإنسان الدولية التي توافقت بشأنها المجموعة الدولية، تزدهر اليوم إيديولوجيات وخطابات “اللامساواة الطبيعية” التي تصنف الناس حسب دياناتهم، وحسب أصلهم ولون بشرتهم، ويتم التنظير لها والترويج لها على أنّها نظرية عادية ومشروعة”.
وأكد أن الأمر يتعلق بمؤشرات جد سلبية على مستقبل العلاقات بين الأديان والحضارات، تتطلب تعبئة جميع الطاقات المؤمنة بالمساواة بين الديانات والحضارات وبين أبناء آدم، لقلب هذه المعادلة، واعتماد السياسات التي من شأنها وقف هذا التراجع الخطير في الوعي البشري.
وبعدما سجل أن “البشرية تواجه تحديات جساما، وتعيش حالة تدافع بين أزمات أمنية واقتصادية وسياسية وصحية وبيئية، وبين إرادات صادقة تسعى بكل ما أوتيَتْ من آليات وأدوات وطاقات من أجل التدبير والاحتواء والمعالجة”، اعتبر ملك المغرب أن مؤتمر مراكش الدولي حول حوار الأديان يشكل أحد تجليات هذه الإرادة الجادة والصادقة، باعتباره ينخرط في تفكير جماعي يسعى إلى بلورة خطة عمل للبرلمانيين والفاعلين الدينيين، وطنيا ودوليا، مستحضراً خطورة الظرفية التي يمر بها عالمنا اليوم وهو يواجه دعوات التطرف والأنانية والكراهية والانغلاق، والأعمال الإرهابية التي تستغل السياقات الخاصة لاستنبات المشاريع التخريبية باسم الدين، والدين منها بريء.
وفي هذا الصدد، شدد العاهل المغربي على أهمية إحداث آلية مختلطة، ينسق أعمالَها الاتحاد البرلماني الدولي، وتسعى إلى جعل الحوار بين الأديان هدفًا ساميا مشتركا بين مكونات المجموعة الدولية، ينبغي الدفاع عنه في المحافل الدولية، واعتباره أحد معايير الحوكمة الديموقراطية في الممارسة البرلمانية، ومن مؤشرات احترام التعددية والتنوع الثقافي.
ولاحظ أنه “إذا كان منطلق العيش المشترك هو أن يكون الدين حصنا ضد التطرف وليس مَطية له، فإن ترسيخ هذا المبدأ، إلى جانب احترام الأديان الأخرى، يحتاج إلى جهد بيداغوجي تربوي تضطلع به المدرسة والجامعة ووسائل الإعلام، والمؤسسات الدينية وفضاءات النقاش العمومي المسؤول”.